فى مصر، وسط مجموعات من الأطفال بلا مأوى ترعاهم جمعية كاريتاس، طفل سعيد فى العاشرة من عمره.. قابلت «إسلام» منذ شهور من خلال مشاركتى فى احتفالية أحد برامج الأمم المتحدة بيوم الإيدز العالمى، كان الهدف هو تعريف الحضور من أطفال وشباب، من خلال ألعاب ومسابقات مرحة بحقيقة المرض والتوعية بطرق الوقاية والتأكيد على أن ارتباط المرض والمريض فى أذهاننا بالفاحشة هو خلط ظالم.
تخيلت خاطئة أن المهمة ستكون صعبة، وكان تخيلى هذا مبنياً فيما يبدو على الصورة الذهنية لدينا عن الأطفال والأجيال الصغيرة من الشباب.. فاقدى البراءة.. سطحيين.. غير ملتزمين.. إلى آخره من أحكام قاسية.
فى لحظة انشغالى مع بعض المنظمين وسط زحام الحضور والترتيبات سمعت صوت طفل ينادى علىّ بحماس، التفّت وابتسمت له وطلبت منه أن ينتظر دقيقة بعد أكثر من خمس دقائق سمعت: «أبله مى أبله مى!» التفت وشعرت بالذنب لأننى جعلته ينتظر فسألته عما يريد، قال واثقاً بابتسامة رائعة: «تعالى معى وهاتى قلم» فطلبت منه بابتسامة أن ينتظر قليلاً لأننى أكتب شيئاً مهما مع المنظمين، انشغلت وبعد بعض الوقت أمسَكَت يدٌ صغيرة بيدى وشدتنى، كان هو الطفل فنفّذت طلبه هذه المرة مع بعض التشتت بين رغبة أكيدة فى عدم إحراجه مرة أخرى وشعور بالالتزام بالعودة إلى ما علىّ أن أكتب وأفعل، لم يكن الطفل يعرفنى قبل هذا اليوم، قال لى بسعادة بالغة: «أنا لعبت كتير أوى النهارده، شكراً». طلب منى قصاصة ورق وقلم، أعطيته إياهما فكتب ببطء وهو يسألنى عن صحة الهجاء، «إسلام سعيد إن مى موجودة هنا وهو اتبسط أوى...إهداء من إسلام إلى الدكتورة مى». ضحكت كثيراً وأوضحت له أننى لست دكتورة، قال ببراءة: «بس أنا باذاكر كتير علشان هبقى دكتور وأعالج كل العيّانين بالإيدز، مش هاخد منهم فلوس!» تذكرت ما شغلنى أساساً عن إسلام ولكن بدا لى أن لا شىء يساوى هذه اللحظات، استمر الحديث وعرفت أنه وحيد لا يعرف أى أسرة أو أهل وأنه لايملك أى شىء ولكنه يريد أن يعطينى هدية صغيرة حصل عليها وهو يلعب وأنه يقضى أغلب وقته فى مذاكرة دروسه وأنه يحب كثيراً مشرفيه فى كاريتاس، لولا إصرار «إسلام» لما شعرت بسعادته، ولا ضحكت، ولا عرفت أننا قد نكون مبالغين فى خشيتنا على الأجيال الصغيرة، ولا تأكدت أن الفقر والظروف القاسية تخلق حباً كما تخلق عنفاً وخوفاً وتهديداً، ولا تذكرت ما قاله الأديب البرازيلى باولو كويلو: «يمكن أن تتعلم من الأطفال ثلاثة أشياء.. أن تكون سعيداً بدون سبب، أن تكون دائماً مشغولاً بأى عمل، وأن تبذل كل ما تستطيع فى طلب ما تبغاه». حاولت فى عيد الحب أن أجد إسلام عن طريق كاريتاس لأقول له إن فى مصر ناس بتحبه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة