عادى جدا أن ترفع السماعة أو تمسك بموبايل كارت أو خط لتطلب رقما يرد عليك شخص تطلب منه بكل ثقة «ممكن أكلم القرصان لو سمحت» يرد عليك مساعده: هو نايم نقول له مين.. اطلبه بعد شوية، وفى الوقت المحدد تعيد طلب الرقم فيرد عليك القرصان بذات نفسه، وليس مساعدا أو دوبليرا.
حدث ذلك مع زملائنا فى «اليوم السابع» عندما حصلوا على رقم القراصنة الصوماليين من أهالى بحارة السفينة المصرية المخطوفة بلوستار. طلبوا رقم 0025290794733 ورد القرصان ليجدد طلباته وإلا سينسف المركب بمن فيه. قرصان قد الدنيا يرد بنفسه على التليفون، ليس قرصانا مثل بتوع السينما.. مفتول العضلات أعور يضع عصابة سوداء على عينه وبدلا من يده اليمنى خطاف حاد. قراصنة الصومال غلابة جدا وفى حاجة إلى تعاطف مثل التعاطف مع الضحايا. هم أيضا ضحايا أمراء الحرب وتجار السلاح.والجامعة العربية، ورأب الصدع قرصان من الممكن أن يفاصل فى مطالبه، أو يخفض مبلغ الفدية، وربما يطلب من أهالى الضحايا تحويل رصيد إلى تليفونه المحمول. أو يحدد مطالبه برسالة قصيرة. وربما تراهن حكومتنا على أن القرصان وزملاءه سوف يصيبهم الملل فيطلقوا سراح السفينة. ولهذا لا توجد مفاوضات جادة ربما كانوا فى انتظار قطر.
تغيرت الدنيا وأصبح القراصنة يتلقون مكالمات المعجبين مباشرة، وكل شىء يدور على الهواء، الحروب والانتخابات والضرب على القفا.. عاصرنا ثلاثة حروب وثلاثة رؤساء أمريكيين على الهواء، ومازلنا فى عصر الحزب الوطنى الذى هو ديمقراطى بدون انتخابات. والآن القرصان يتكلم من »قلب» المحمول.. ومازال الحزب وطنيا.. من أسعد منا وأكثر شعورا بالرضا عن النفس والإصلاح السياسى وتداول السلطة، وتداول الأسهم فى البورصة؟ نحن ننتظر، والحكومة تنتظر مكالمة من قرصان يخبرها عن حل للأزمة العالمية.
الانتظار ليس فقط مع القراصنة والسفن المخطوفة، ننتظر أن تنتهى أزمة أو تبدأ أخرى لتعلن حكومتنا نيتها فى مواجهة جديدة.. تترك الأمور حتى تصل ذروتها، ومثلها المفضل «ماضاقت إلا ما فرجت».. من عصر عمر أفندى إلى عصر القنبيط أفندى.. ومن عهد مينا موحد القطرين، إلى زمن يوسف موحد الضريبتين.. وأنفلونزا الطيور على أشكالها تقع.
وماقيمة أن نواجه الأزمة العالمية ونخسر مقعدنا فى مجلس الشعب؟ هى حاجات تؤرق العالم وحكوماته. لكن إذا نظرت إلى وجه وزير أو سحنة مسئول سوف تراه خاليا من التعبير عن القلق. يد الحكومة فى ماء بارد، وكأنها تعلم أن موضوع الأزمة العالمية مجرد تمثيلية، سوف تنتهى قريبا. يكاد المرء يتصور زن الأزمة مجرد حالة «نفسوية»، تنبع من «تهاويم الهواجس الوسواسية». نحن لم نتأثر كثيرا بالأزمة والدليل أننا نعيش نفس اللحظات والزحام والأسعار. العشوائيات لم تتأثر بالأزمة العالمية، وهو دليل على أننا عندما اخترعنا العشوائيات كنا طويلى النظر، ولو كانت الحكومة الذكية تصرفت غير ذلك لكنا الآن فى «حيص بيص»، لكننا لسنا فى أى مكان، ولم نخسر شيئا، باستثناء نصف دخل السياحة وربع تحويلات العاملين فى الخارج وثلث دخل القناة. وثلاثة أرباع المعدة والأمعاء.
ولا داعى للقلق فهناك خطط واستعدادات، ولجان تدرس وتراقب وتفكر مثل تودرى وهو يلفط أنفاسه الأخيرة. ومع أن مميزات الأزمة العالمية مثل انخفاض أسعار السلع والعقارات لم تصل إلينا وتاهت وسط حالة التفكير الحكومى العميقة. فهذا دليل قاطع على أننا حالة خاصة اقتصادنا واجتماعنا وسياستنا. وإذا كنا نحن الذين خرمنا التعريفة واخترعنا قانون المرور ولجنة السياسات وقزقزة اللب، وتصدير الغاز واستيراد البنزين، والدستور أبوفتلة والحزب الوطنى كممثل وحيد على الشعب المصرى. سوف ننجح فى علاج الأزمة المالية، بالمسكنات والمسهلات والمضادات الحيوية. أو ممكن نكلم القرصان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة