لم يكن هناك ما يجمع هذه المجموعة من البشر سوى عشق المغامرات، وهو ذلك الشعور المجنون الذى جعلنا قادرين على ركوب السيارات لمدة تسعة أيام متواصلة. 22 فردا، شباب وفتيات، آباء وأمهات وأطفال وأجداد، عمرهم يبدأ من 10 إلى 62 سنة. الجميع استعد والجميع أبلى بلاء حسنا. فتعالوا وسافروا معنا عبر صحراء مصر الجميلة.
اليوم الأول
من القاهرة إلى الواحات البحرية
تقابلنا فى محطة البنزين فى 6 أكتوبر، وبالتحديد فى أون ذى ران On the Run . نصفنا يرتشف سريعا فنجانا من القهوة، بينما الباقون يملأون سياراتهم بالوقود والإطارات بالهواء والـ "ردياتورات" بالماء. وانتظرنا من تأخر من المجموعة ساعتين.
- اتأخرتم كده ليه يا جماعة؟
- أصل بصراحة النهاردة الجمعة ومش بنحب نصحى بدرى!
ما علينا. لن نبدأ الرحلة بالشجار.. بعد 3 ساعات وصلنا إلى محطتنا الأولى. نحن نقترب من الواحات البحرية، فالطريق ينحدر بنا إلى أسفل. توقفنا أول ما توقفنا عند منطقة أثرية تحمل اسم "البويطي". ننزل من السيارات لندخل متحف تراث الواحات: عشرات من المومياوات غير المعروفة "مكومة" تنتظر من يراها ويعجب بها. وهذا بالمناسبة عينة ضئيلة للغاية من عشرة آلاف مومياء يزعم علماء الآثار وجودها فى هذه المنطقة من الواحات. كيف تم اكتشافها؟ دل عليها "حمار" انزلقت قدمه فى حفرة. وعندما حاول صاحبه انتشاله، اضطر إلى تقليب الرمال، وعندما فعل ذلك، أخذت المومياوات فى الظهور واحدة تلو الأخرى، ويقال إنه فى هذا المكان تم اكتشاف أكبر عدد من المومياوات فى منطقة واحدة. ويوجد هنا فى منطقة "عين المفتلة" معبد فرعونى صغير اكتشفه العالم الألمانى شتايندورف فى 1901 مخصص للإله "بيس" إله الموسيقى والرقص.
نركب ونسير قليلا على الطريق، ونشاهد تلالاً مكسوة بأكسيد الحديد سماها الرحالة "الصحراء السوداء" نسبة إلى لون تلالها. وبمجرد ما توقفت السيارات، انطلق الجميع فى محاولة تسلق التلال. لماذا فعلنا ذلك؟ ربما لنقهر صعوبات الحياة ونقترب قليلا من السماء هروبا من واقع البشرية المزرى!
اليوم الثاني
من الواحات البحرية إلى "الصحرا البيضا"
نستيقظ فى السابعة صباحا فى أكواخ الفندق الذى يحمل طباع الواحات وديكورها وكليمها وقشها وبردها، ونبدأ المسيرة إلى الجنوب متجهين إلى الصحراء البيضاء والتى سميت كذلك لأن كل أحجارها وتلالها من الجير الأبيض.
فى الطريق نتوقف بعض الوقت لمشاهدة جبال الكريستال، وهو الجبل المكون من أحجار الكوارتز شبه الشفافة. هنا، "تكومت" المجموعة فى 4 سيارات ذات دفع رباعى وانطلق الجميع فى رحلة محمومة إلى قلب الصحراء. 60 دقيقة من المرح والمغامرة والتشويق أعطت علامة مميزة لهذا اليوم الجميل. وأقمنا خيام الفتيات من ناحية، خلف أحد الصخور الضخمة، والشباب كانوا فى الجانب الآخر. أشعلنا نار المعسكر الصغير الذى أقمناه، والتهمنا أطباق الشوربة الساخنة. وحان وقت النوم، وأنا فى الواقع من النوع الذى فضل أن ينام فى سيارته. أغلق على نفسى بابي، حفاظا على أعصابى وأطرافى من زوار الليل الصغار: فئران الجبل والثعابين والثعالب.
اليوم الثالث
من "الصحرا البيضا" إلى الفرافرة
أجمل تجربة جمالية يمكن أن يمر بها الذين يحبون التصوير الفوتوغرافى هو مشاهدة شروق الشمس فى هذا المكان الفريد. فلا يمكن أن تتخيلوا جمال ظلال أشعة الشمس المتدلية على التلال الصغيرة وعلى المنحوتات "الرباني". إنها تجربة لن أنساها ما حييت. نأخذ الطريق إلى واحة الفرافرة، تلك الواحة الفريدة التى تدعو الجميع إلى اكتشافها والغوص فى أغوارها. هى أيضا فى نقطة التقاء مهمة. فالفرافرة على بعد خطوتين منك.
لا يمكن الذهاب إلى الفرافرة دون زيارة متحف الفنان بدر عبد المغنى. وتكشف لك هذه الزيارة جمال الحرف البدوية التى تشتهر بها هذه المنطقة: منتجات بصوف الإبل، منحوتات على الأحجار الملونة، منتجات من القش والبوص. كل ما يروى عطش المشتاقين إلى جمع هذا النوع من الفن البدائى.
اليوم الرابع
من الفرافرة إلى الخارجة
فى هذا الطريق نتوقف عند قرية القصر ونشاهد طرقات وبيوت قديمة يرجع بعضها إلى العصر الأيوبي. هنا، جميع أبواب الحارات والمنازل لا يزيد ارتفاعها عن متر ونصف. ولماذا هذا المقاس الغريب؟ لمنع فرسان الأعداء من دخولها. يا عينى على الذكاء! وانظروا إلى الصورة جيدا: مئذنة المسجد كالجديدة. سنذهب إلى مدينة الداخلة. وفى الطريق، نمر على مدينة "موط" الصغيرة عاصمة مدينة الداخلة. موط بها أطلال رومانية: فهنا عاش بعض من الرومان.. كيف عاشوا فى هذه الصحراء القاحلة من حوالى 2000 سنة؟ كيف ساروا فى هذه الحوارى وسكنوا هذه البيوت؟
أسمع أذانا لصلاة المغرب، ولكن أمامنا 170 كم للوصول إلى الخارجة، محطتنا القادمة. فى الخارجة، لم نقم فى معسكر فى الهواء الطلق مثل الأيام السابقة. فسوف نذهب إلى فندق نفرتيتى للبيات هناك. "يا سعدى ويا هنايا.. حنستحما النهاردة بالمية السخنة!!".
اليوم الخامس
من الخارجة إلى الأقصر
الخارجة واحة قديمة وأهم ما يميزها هو وجود أقدم مقابر مسيحية فيها وفى العالم أجمع. والواقع أن مقابر البجوات ترجع إلى القرنين الأول والثانى الميلاديين. وكلمة "بجوات" هى كلمة "جبوات" لكن محرفة، وتعنى "قبوات" باللهجة المحلية لتلك المنطقة. فكل المقابر مبنية من الطوب اللبن ولها "قبوات" مرسوم عليها من الداخل مشاهد من الكتاب المقدس. بجوار هذه المقابر، نزور معبد هيبيس المكرس لعبادة الإله آمون رع القديم وهو قيد الترميم من سنوات طويلة لا تنتهى. بعده نركب السيارات ونذهب إلى متحف الخارجة وهو متحف محلى متوسط الحجم يحتوى على آثار رومانية وبيزنطية وإسلامية وحديثة. كل العصور تقريبا ممثلة فيه.
نغادر الخارجة ونتوقف عند واحة المكس لتأمل أشجار الدوم، وهى لمن لا يعرف تشبه النخيل لكن لها عدة فروع أعلاها بها ثمر الدوم. بعده نتوقف عند قرية دوش، ويعيش بها مزارعون منذ فجر التاريخ. تعيش هنا بعثة الترميم الفرنسية منذ 1976. وبفضل المعبد الرومانى المجاور، تم اكتشاف "كنز دوش" الذى يعرضه حاليا المتحف المصرى حاليا فى الدور العلوى.
اليوم السادس
على البر الغربى بالأقصر
يسكن هذه المنطقة من الأقصر مزيجا خاصا من السحر والرموز والخبايا المدفونة بها منذ آلاف السنين لا يتوقف عن جذب السائحين من كل صوب. وقائمة المشاهد والزيارات طويلة: معابد ومقابر وزراعات وبيوت محفورة فى الجبل وأطفال وأحجار ودراجات وسماء صافية. هنا الطبيعة كاملة. ويزيد عليها الفندق الريفى الذى نزلنا فيه والذى تديره سيدة سويسرية متزوجة من أحد شيوخ الآثار هناك. ومسك الختام، عرض الصوت والضوء فى البر الشرقي، مدينة الأحياء.
اليوم السابع
من إدفو إلى مرسى علم
تسألون عن العذاب؟ هو الاستيقاظ الساعة الرابعة صباحا فى الشتاء للذهاب إلى أى مكان فى الدنيا. لكن هذه المرة الموضوع "يستاهل". فمن أجل الفسحة فى بالون كبير لمدة عد ساعات فوق جبال البر الغربى يهون كل شيء. يطير البالون بعد تسخين الهواء بداخله بفعل سخانات خاصة. والتضاد بين هواء البالون الساخن وهواء الأقصر البارد فى الفجر هو الذى يرفع البالون، وتبريد هوائها هو الذى يجعلها تهبط. وتعود كل البالونات قبل التاسعة فعندما تشتد الشمس، لا يرتفع البالون. هكذا بمنتهى البساطة.. مجرد نظرية فيزيائية!
نصل إدفو بعد ثلاث ساعات ونزور آخر معبد فرعونى فى رحلتنا: حورس النسر. ونقطع الوادى بالعرض شرقا على البحر الأحمر، نحن الآن فى مرسى علم. وسوف ننام بعد قليل.
اليوم الثامن
فى مرسى علم
تبعد مرسى علم 870 كم جنوب القاهرة على شاطئ البحر الأحمر، وهى محطة بحرية لم يتم استغلالها كما يجب. فندقنا عبارة عن أكواخ مصنوعة من سعف النخيل، الأبواب من الخشب. والدنيا حقيقى برد! ولا يمكن – طبعا – النزول إلى البحر. فاكتفينا بنزهة بحرية إلى "بيت الدولفين" لمشاهدتهم. الأمواج عالية والمركب تترنح. وحالات القيء تصيب معظم الذين خرجوا فى هذه النزهة الشريرة. وكان الحل، للمرات القادمة، شيئا كوميديا، عدم الاندفاع على الطعام قبل ركوب البحر.
اليوم التاسع
من مرسى علم إلى القاهرة
نستيقظ فى السادسة صباحا فى طريقنا إلى القاهرة عبر طريق البحر الأحمر. نتوقف فى سفاجا لتموين سياراتنا، ثم نأكل فطورنا فى أحد كافيهات الجونة. يصل الوفد الأول إلى القاهرة فى السادسة مساء ويتوالى الباقون تباعا بسبب "كاوتش" لا بد من إصلاحه أو "أيس كريم" لا بد من تناوله.
وصل الجميع بألف سلامة، والدور عليكم فى فبراير من هذا العام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة