«أتمنى أن تكون جنة الله هكذا».
قال باولو: كنا نشاهد الغروب فى فناء البيت الذى أقمت فيه بحضن الجبل، كانت مدينة فلورنسا الجميلة تتمدد مرتاحة فى خضرة على امتداد البصر، سكينة يصعب وصفها.
فما الذى جعله يقول ذلك؟
هل يرى وطنه إيطاليا جنة ويحلم بأن يكون هناك أيضا فى الجنة؟
هل باولو متواضع بطبعه ولا يريد سوى ما يحبه ويستمتع به، أى مدينته فلورنسا؟
هل هناك أسباب أخرى؟
كانت زيارتى الأولى لإيطاليا، ولكنها لم تكن المرة الأولى التى أراه فيها. تعرفت عليه فى القاهرة وجمعتنا عدة مناسبات، شخص طيب القلب يدرس اللغة العربية فى مصر التى عاش بها عامين تقريبا، حصل على الدكتوراه فى رفاعة رافع الطهطاوى، طفل بشوش، يضعك باختياره ومهما كنت بجوار قلبه، يحظى بمحبة واسعة، يخدمك «بعينيه» حتى لو لم يكن يعرفك، لم أكن أعرف وقتها سوى أنه راهب، وبالطبع سألت نفسى مندهشا ما الذى يجعل شابا مثله يختار الرهبنة فى بلد مثل إيطاليا؟
لكن فى زيارتى، عرفت أنه نوع مختلف من الرهبان، يسمونها الحياة العذرية، أى راهب لا ينتمى لأى مؤسسة دينية، ولا يسعى لامتلاك أى شىء، واختار بإرادته الحرة أن يهب حياته لإسعاد البشر، التزام شخصى بينه وبين الله، لا يمكن أن تضبطه يعظ أحدا، ولكنه يعيش وسط الناس مقدما النموذج الذى يحلم به للمسيحى، وتعرفت على آخرين مثله، رجال يعيشون فى بيت واحد، فيهم مهندسون وأساتذة جامعة وغيرها من المهن، ومثلهم نساء يعشن فى بيت واحد ويسمونها أسرة.
كان لباولو مستقبل مرموق فى الجامعة، لكنه ترك كل هذا، ليصبح مدرسا فى مدرسة للأطفال المعوقين، والسبب أن الصراعات عنيفة فى الجامعة، وهو لا يريد سوى السلام، سلام الروح.
والآن تجده يحكى عن سعادته الغامرة بالحياة مع هؤلاء الأطفال.. فلا صراعات ولا حروب، فقط الحب الصافى.
فهل ما فعله صحيح؟
هل أملك أنا وأنت شجاعة باولو فى أن نتنازل ولو قليلا عن المكاسب المغموسة بعذاب أرواحنا.. مقابل أن نحظى ولو بقليل من السعادة؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة