فى مصر، خلف جامع الرحبة فى الكبش، قهوة شعبية أنيقة ونظيفة، مزدحمة ليلا، هادئة نهارا، تحكى الست حُسنة صاحبة القهوة كيف كان مكانها صغيرا وفقيرا وموارده ضحلة منذ أحد عشر عاماً قبل أن تقترض 250 جنيهاً من برنامج «تضامن» التابع للجمعية النسائية لتحسين الصحة، طورت عملها وسددت القرض، ثم اقترضت وعملت وسددت، واستمرت فى الاقتراض حتى وصل قرضها اليوم إلى خمسة آلاف جنيه تسددها بدون معاناة، على بعد أمتار قليلة من القهوة، دكان «أم عماد»، سيدة تظهر على ملامحها راحة البال وسعة الرزق، ترد التحية لكل كبير وصغير من المارة، الكل يعرفها، قبل حصولها على قرض الـ250 جنيها من أحد عشر عاماً أيضاً لم تكن تبيع لأهل المنطقة إلا «المفتئة» فى الشتاء، تتبدل ملامحها عندما تتذكر أيام العناء الشديد مع أطفالها وهم «بعدد أصابع يدها»، وتعود لها ابتسامتها وهى تتباهى برأسمالها الذى تخطى الخمس عشرة ألفاً وتفتخر بأنها «جهزّت» ابنتيها «أحسن جهاز» بفضل عملها، تبيع الآن البقالة والخراف والملايات وأى شىء، حتى الأجهزة الكهربائية، وبعد فترة قصيرة ستستأجر الدكان الملاصق لدكانها لتعرض المزيد من بضاعتها، «الحال تغير كتير» كما تقول، «كل أولادى متعلمين، وطلعت العمرة سبع مرات!» لم تعد أم عماد تحتاج لعمل المفتئة ولكنها لن تتوقف عن بيعها مهما كبر عملها..
«دى بداية الخير!» أما السيدة البشوشة المعروفة باسم «ليلى كسكسى» فقد اضطرتها إصابة ابنها فى حادثٍ منذ سنوات أن تنام هى وأسرتها على الحصير، مكّنها القرض من شراء كل ما يلزم لعمل «أحلى كسكسى وفطير بالطلب» فى منزلها البسيط النظيف المفروش الآن بحجرة استقبال وأسِرّة مريحة، تعمل طوال الليل لتضمن أن يُباع الكسكسى والفطير طازجاً ثم تخرج فى الصباح هى أو ابنتها لتوزيعه بسيارة..
«فالكمية، ما شاء الله، كبيرة»، لا تكتفى ابنة ليلى كسكسى بمساعدة والدتها ولكنها حصلت أيضاً على قرض 750 جنيها لتتاجر فى أدوات التجميل، وستمتلك يوما صالون تجميل كما تقول.
فى هذه المنطقة مئات من تلك القصص الواقعية التى إن اختلفت تفاصيلها فتشترك صاحباتها فى شيئين، عملهن بكد وجدية، ودعواتهن «لأمل»، منسقة برنامج «تضامن» التى من دون تواجدها المستمر لتعثرن ولما استطعن الالتزام بالسداد وتوسيع العمل، سبعين ألف سيدة مصرية فى القاهرة الكبرى فقط يحصلن على قروض من برنامج «تضامن» الذى يرتكز على مانحين من بنوك ورجال أعمال وجهات مختلفة، يعملن وينتجن ويُبدلن من حال أسرهن، ببعض النصائح والنظام الصارم، لا القاسى ينجحن فى إدارة أعمالهن حتى أن نسبة عدم سداد القروض على مدار أكثر من إحدى عشرة سنة هى صفر.. مشهد، إن توسع، فسيغير حتما من الصورة فى مصر!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة