◄الرياضة تعلمت من السياسة «التضليل» واشتركا معا فى تفعيل فكرة «التكيف»
الرياضة أكثر الأنشطة قرباً من الناس وتتفوق فى ذلك على الفن الذى تستغرق ليل نهار فى مشاهدته ولا تستطيع ممارسته ولا ينقلك إلى منطقة نقاش وحوار وتعايش.. نحن نشاهد الرياضة ونمارسها وننفعل معها بالمشاعر والحركة وجاذبية الصراع الأكثر قوة من صراع الدراما.. وتقودنا الرياضة إلى انتماءات فرعية إلى أندية ونجوم ثم تقودنا فى مناسبات كثيرة إلى انتماء وطنى عندما يتعلق الأمر بالمنتخب.
نحن لا نرى جمهوراً محدداً ينتمى لحزب سياسى.. ربما تقرأ ذلك فى الصحف فقط، وحتى إذا انتمى البعض إلى الأحزاب فإنه إما يبحث عن مصلحة وانتهاز فرصة، وإما ينغلق على فكرة يناقشها مع نفسه أو مع عدد محدود من الأصدقاء والرفاق.. ومن هنا تراجع السياسيون والمثقفون عن النظرة الدونية للرياضة وأصبحوا مستعدين للمتاجرة بها والتقرب من الناس عن طريقها بعد أن تأكدوا أن فى الرياضة تعددية حقيقية وليس تعددية ظاهرية وسطحية.. فى السياسة نرصدها بملل وعدم ثقة فى نشرات صحفية تصدرها الأحزاب أو مقرات لها أشبه بالخرابات باستثناء مقرات الحزب الوطنى طبعاً التى تشترى جمهوراً وكوادر ولا يأتى لها الجمهور طواعية يبحث عن دور ومتعة وحوار..
وأبرز وأخطر مظاهر الفوارق فى علاقة الرياضة والسياسة بالرأى العام ترصدها بسهولة فى طبيعة ووسيلة تضليل الرأى العام.. فى السياسة يحتاج التضليل لمخطط بعيد المدى ربما يستغرق سنوات تتخللها سيناريوهات فى الكذب والمناورة واختلاق الأحداث وربما الجرائم، وإصدار قرارات فى قضية بينما المستهدف قضية أخرى.. هنا تعمل العقول بكامل قواها التآمرية لتوجيه شعب كامل إلى اعتقاد ويقين يساند قراراً صعباً أو تغييراًَ خطيراً كنا نتخيله مستحيلاً.
أما فى الرياضة فيكفى أن يخرج حسام البدرى المدير العام فى الأهلى ليقول إنه شديد القلق من استهلاك لاعبيه مع اقتراب مشاركتهم مع المنتخب الوطنى فى تصفيات كأس العالم.. لم يكن البدرى فى حاجة إلى سيناريوهات ومخطط طويل المدى لكى يخلق انطباعا عاماً بأن لاعبيه ليسوا ملكا لمصر.. ولا يهمه أن كان الناس يفهمون عكس ما يقول لأنهم يتابعون أوروبا ويعرفون أن الأندية الكبيرة فى كل بلاد العالم تلعب فى أكثر من بطولة ولا تشتكى، وحتى إذا اشتكت ففى حدود الإقرار بأمر واقع تفرضه واجبات الكبار بما يملكونه من طموح.
وقرب الرياضة من البشر يجعلها جاذبة للوصوليين والانتهازيين والمرتزقة.. وتحت شعار التطوع دخل رجال ليس لهم علاقة بالرياضة ليديروا أندية جماهيرية يغسلون فيها أموالهم وأخلاقهم ويديرون داخلها حروبا أهلية مثل ما يحدث فى الزمالك الذى نقل صورة مصغرة من حدث تاريخى ضخم ضاعت فيه دولة الأندلس تحت وطأة صراع أمراء الطوائف.. فالنادى العريق داسته أقدام أمراء الانتخابات وأصبح مديونا بـ 180 مليون جنيه وأصبح مستقبله مرهونا بأربعة ناشئين جدد لا تتجاوز أعمارهم الأربعة مجتمعة 80 سنة هى عمر واحد من رموز النادى الذين يستعدون للموت كمداً.
لم يعد أمام الزمالك بعد أن فشلت جهود التوفيق بين أمرائه إلا أن يسعى لتفعيل فكرة «التكيف» التى تمارسها شعوبنا مع القهر والفقر والمرض.. فبدلاً من أن تعترض على حجم رغيف العيش تحمد الله أنها تحصل عليه بلا طوابير، وبدلا من البحث عن علاج لأمراضنا تحمد الله على أن الموت يأتى سريعا ولا تتعذب من ألم المرض.. وبدلاً من أن يبحث الزمالك عن بطولة يحمد الله أنه أوشك على الإفلات من الهبوط للدرجة الثانية..
هى ثقافة تربينا عليها، أن ننحنى للعواصف ونرضى بالقليل ونعلق على الجدران الحكمة الشهيرة «القناعة كنز لا يفنى».. لا نقاوم ولا نناقش ولا نسأل ولا نستفسر ولا نفكر.. وننتظر عطاء يهبط علينا من السماء، رغم أن الدين يلح علينا أن نرضى بعد أن نقاوم ونعمل ونسعى ونأخذ بالأسباب، وقدم لنا نموذج السيدة مريم عندما هزت جذع النخلة لينزل عليها الرطب هنيا.. نحن نريد أن تنزل علينا الرطب ونحن مستلقون على ظهورنا ينفخنا النوم وتنفخنا الحكومة.
واقتراب الرياضة من الناس إلى حد الالتحام هو سر الحماية التى وفرها الأهلى لقياداته وهى تخرج عن المألوف.. لولا الأهلى ما ظل صالح سليم بطلا شعبيا حتى الآن نحكى عن مغامراته مع كبار رجال الدولة.. وما أفلت حسن حمدى من قضية الأهرام الشهيرة، وما تجرأ على الجمع بين رئاسة النادى ورئاسة وكالة الإعلان فى آن واحد، فيبيع ويشترى حقوق الرعاية شخص واحد فقط هو البائع وهو والمشترى..
ولولا الأهلى ما استلهمت إدارته من السياسة فكرة الحكم الأبدى بداعى الاستقرار.. وهو فى الحقيقة مثل استقرار استعمار فى دولة، واستقرار الأسعار المرتفعة واستقرار طفح المجارى واستقرار ظاهرة البلطجة واستقرار الجوع والجهل والمرض.
وأخيرا..كان اقتراب الرياضة من الناس دافعا لرئيس الوزراء أن يخلع البدلة الرسمية وينزل إلى الملعب ويلعب مع الحكومة.. مؤجلاً اللعب مع الشعب ومؤجلاً عيد الرياضة إلى مناسبة أفضل يحتفل فيها الجميع بنقل ملكية مصر..
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة