كثيرا ما نتساءل: ما لنا نعارض ولا يستجاب لنا؟ لماذا نحن من دون شعوب العالم نعجز عن السير فى قضية للنهاية.لدينا زعماء بلا قضايا. سرعان ما يختفوا ليتفوق عليهم منافسوهم. بلا اتفاق على حدود دنيا تتسع وتقود إلى نتيجة. نختلف قبل أن نتفق. نستعجل الثمار قبل الزراعة. والنتيجة صفر.
نذكر ذلك بمناسبة دعاوى بعض النشطاء المصريين فى الخارج لمحاكمة الرئيس مبارك جنائيا، أو اتجاه البعض لإحياء قضية النوبة باعتبارها قضية عرقية، والتعامل مع مطالب المسيحيين كقضية طائفية. وإذا وضعنا كل هذا بجوار بعضه، مقارنة بمطالب المصريين فى الإصلاح والديمقراطية، نكتشف إلى أى مدى يسعى بعض حاملى رايات الإصلاح لسحب القضايا إلى أركان مظلمة.
لنتأمل دعوة عدد من النشطاء فى أمريكا للمحكمة الجنائية الدولية، بمحاكمة الرئيس حسنى مبارك بارتكاب جرائم حرب. المذكرة التى وقع عليها بعض أقباط المهجر وانضم إليهم الدكتور سعدالدين إبراهيم ومتخصصون فى القانون الدولى، وهم يعلمون أنها تفتقد أى سند قانونى، أو إجرائى.
الدعوى تتزامن مع طلب تسليم الرئيس السوادنى، وتجاهل دعاوى عربية ودولية لمحاكمة إسرائيل على جرائمها فى غزة. دعوى نشطاء مصر كما اعتبرها الحقوقيون مجرد «فرقعة إعلامية» وبلا قيمة. هدفها «الدوشة». دعك من أن الدكتور سعدالدين إبراهيم أحد مقدميها كان مستشارا للرئيس من قبل، أو أنه يعمل عند أمير قطر، فهذا حقه، أو أنه يواجه بلاغات وقضايا كيدية واتهامات بالعمالة، تشبه تماما ما يفعله هو وزملاؤه.
بعد أن أصبح يفضل سياسة «كيد العزال» أكثر من المعارضة. وإذا كان هناك من يعارض سياسات النظام المصرى وهم كثر، فإن الاتجاه نحو دعوى لمحاكمة جنائية دولية تخلى العمل السياسى من مضمونه. ولسنا فى معرض الدفاع عن النظام وأخطائه وهى كثيرة، لكن هؤلاء المدعين ولكثير منهم علاقات خارجية مع جهات وأجهزة يعلمون أن القرارات الدولية مرهونة بانحيازات، وأن أمريكا التى يستجيرون بها أكبر داعم لجرائم إسرائيل، وللتسلط والأنظمة القمعية. التى تخدم مصالحها، لا يهمها الإصلاح أو «الدمقرطة». يعلمون ذلك، ويتجهون إلى أمريكا وكلما خذلتهم عادوا ليبكوا على «الإصلاح المسكوب».
مثال آخر على تفريع القضايا فى إعادة إحياء قضية النوبة والتعامل معها بوصفها قضية عرقية، وليست جزءا من فشل النظام والحكومة، عندما خرج أيمن نور من سجنه بدا أكثر نضوجا، لم يبد رغبة فى الانتقام وممارسة السياسة على طريقة «والنبى لنكيد العزال».
من حق نور أن يتجه إلى الإسكندرية شمالا أو النوبة وحلايب وشلاتين جنوبا. لكنه تحدث عن دعمه لقضية النوبة، وبدا كأنه ينضم لدعاوى تنتزع النوبة من مصر. وهو ما ينقل القضية من دعم النوبة إلى الإضرار بها.
أهالينا فى النوبة تعرضوا للظلم والتهجير مع بناء السد العالى، ومازالوا يطالبون بحقهم فى منازل حول بحيرة ناصر يمكنهم ممارسة حياتهم فيها. والفرق واضح بين دعم النوبة كجزء من مصر والتعامل معها كقضية عرقية بما يضر بمصالح النوبيين. خاصة أن الحديث عن النوبة يتزامن مع ما يجرى فى السودان.
النوبيون يواجهون الظلم من بين ملايين المصريين الذين يحصدون نتاج الفشل الحكومى على كل الجبهات. لكنهم من الصعب أن يفوزوا لمجرد الحديث عن تدويل القضية وترك كل ذى غرض أن يمارس ألعابه السياسية على حساب النوبة. كان على أيمن نور وقد تعرض للظلم أن يتحاشى تقاطع عمله السياسى مع ألعاب خارجية يصعب الإحاطة بها.
النوبة جزء من مصر تعانى مشكلات المصريين جميعا مع الفقر والبطالة، يضاف إليها حقهم فى مساكن إنسانية وأراض فى مسقط رأسهم، وهى قضية يبدو تدويلها تشتيتا وتفريعا بلا طائل، تماما مثل ما يفعله دعاة تدويل كل القضايا. بما يفقدها أهميتها. لا يمكن لأى شخص لديه بعض العقل أن ينكر حقوق المواطنين جميعا فى ديمقراطية وتداول للسلطة، أو يتجاهل الفشل الحكومى فى مجالات عديدة، بصرف النظر عن الشمال والجنوب أو اللون والعرق والدين.
لكن التدويل أصبح موضة أكثر من كونه سعيا للإصلاح ومساندة المظلومين. وهى موضة تفقد السياسة معناها. وتجعلها تجارة وشطارة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة