إبراهيم ربيع

الجدار الفاصل.. بين أهلى «الجزيرة» وأهل «الجبلاية»

الجمعة، 06 مارس 2009 12:07 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄الحديث عن «قاعدة» الألعاب الرياضية غامض.. مثل قاعدة بن لادن

كل شىء فى حياتنا مؤقت.. فأنت تعيش اليوم ولا تعرف ماذا سيحدث فى الغد، لأننا ببساطة فى مصر لا يمكن أن نتخيل المستقبل القريب وهل يمكن أن يكون أفضل أم أسوأ.. وهذا سر عذاب المصريين وسر اندفاعهم إلى الأنشطة غير المشروعة.. والرياضة مثل السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية.. يريد اللاعب أن يأخذ كل شىء اليوم قبل سنة قادمة فيطلب عند توقيع العقد أن يحصل على قيمته مقدماً.. ويطلب أن يشارك فى كل المباريات وهو غير مؤهل حتى يحصل على نسبة الـ%50.. هناك شعور عام بأن حياتنا مؤقتة ولا بد أن نحترس.. وكثيرون من الطبقة المتوسطة التى لاهى غنية فتشعر بالأمان وترى المستقبل بوضوح ولا هى فقيرة مستسلمة لقضاء الله وقضاء الدولة، تراهم يبدعون فى الأقوال المأثورة من فرط التأثر والخوف والمعاناة.. فهم يسألون «إمتى حنرجع»، وهم ليسوا على سفر فى الداخل ولا الخارج.. لكنهم يشعرون أنهم فى مشوار طويل ينتظرون العودة منه.. يؤجلون كل شىء فى حياتهم إلى أن يعودوا.. وهو سؤال يشبه أسئلة الزملكاوية عن فريقهم الذى لا يعود من المشوار.. وعن ناديهم الذى أصبح كله «مؤقتا».. اللجنة التى تديره مؤقتة، والجهاز الفنى لا يشعر بأمان ويتصرف من منطلق أنه قد لا ينزل الملعب غداً بعد هزيمة قادمة.. واللاعبون يستعجلون المستحقات المالية قبل استعجال اللعب لأنهم غير مطمئنين  لوجودهم فى قائمة الموسم القادم.

لو أننا نعرف حدود الخطوة المقبلة ما تعثرنا فى الخطوة الحالية.. وما كان د. حسن مصطفى أبدى الندم على خطأ عمره عندما لم يقدم استقالته وعندما لم يقرأ الطبعة الثالثة من صحيفة التغييرات التى أشار لها الحزب الوطنى ونفذها المهندس حسن صقر.

ولو أننا نحب التغيير والتجربة والنظرة المستقبلية ما أصابتنا عقدة الـ%50.. هذه نسبة نحبها لأنها تقع فى منتصف أى شىء وتشجع على الاسترخاء والبلادة.. فهى مقررة للفلاحين والعمال فى النصاب القانونى لمجلس الشعب، وهى قريبة من نسبة الأمية فى مصر.. وهى المطروحة لتوزيع حقوق بث المباريات على الأندية، وهى التى يحصل عليها اللاعب من قيمة عقده حتى لو لم يشارك فى المباريات.. وهى المقررة لنجاح الطالب بالعافية فى الجامعات والمدراس.. لو أننا نفكر أو نحب حتى أن نفكر لرفضنا أن نبقى دائماً فى وسط الطريق، وطرحنا هذه النسبة فى سوق حرة للاجتهاد والابتكار وتخلصنا من حياتنا المؤقتة.

يتجاور الأهلى واتحاد الكرة فى منطقة واحدة ولا يفصل بينهما سوى جدار.. إلا أننا نحب أن ننسب الأهلى إلى الجزيرة وننسب الاتحاد إلى الجبلاية.. والفارق كبير بين فكرتنا عن الجزيرة التى استمدت اسمها من احتضانها للبحر أو النيل، وعن الجبلاية التى ارتبطت فى الذهن بحياة غير بشرية.. ولم يكن متوقعًا أن تتطابق الجغرافيا مع الطبائع.. فيستقر فى الأذهان أن الأهلى جزيرة معزولة عن واقعنا الرياضى المؤلم فى الإدارة، وأن الاتحاد موقع ترفيهى للألعاب البهلوانية الإدارية.. وإذا وقفت على سطح بناية عالية تطل على النيل سوف تستمتع بفوارق وتناقضات الحياة بين أهل الجزيرة الغامضين بالبدل الرسمية والنظارات السوداء، وبين أهل الجبلاية بالكاجوال والمايوهات.. ربما تكون الأفكار والأخلاق واحدة إلا أن «الحياء» هو الذى يصنع الفارق.. والحياء ليس بالأمر الهين فهو صفة أخلاقية حميدة.. والكبار عندما يريدون أن ينحرفوا يتحسسون المكان والزمان ولا «يشتغلون» بأيديهم حتى لا تظهر بصماتهم.. بينما المستجدون فى الانحراف تنقصهم الخبرة فتراهم مندفعين يخطفون وينشلون ويسرقون أحبال الغسيل فى وضح النهار.

هناك ثوابت صعب علينا تخيل زوالها.. فكل خبير يتحدث عن أى مشكلة رياضية لابد أن ينعرج إلى «القاعدة» التى تحمل على أكتافها أى لعبة.. يظل الحديث متصلاً منذ عشرات السنين عن القاعدة المنسية المهملة فى كرة القدم وفى ألعاب أخرى.. ويظل المتحدثون ناصحين ومحذرين من نسيانها وإهمالها، ونظل نحن لا نعرف من هم الناس المطلوبون لسؤالهم عن مسئوليتهم فى هذه الاتهامات.. فالجميع يتحدثون مع بعضهم البعض ولا نعرف إلى أين يذهب هذا الكلام ومن أين يبدأ.. حتى الأندية الكبيرة التى كانت معاقل لتأهيل النشء تشكو من المشكلة ولا تريد أن تحلها أو يحلها أحد غيرها.. وهى واحدة من غرائب الرياضة المصرية التى اتّسع مجال الحديث فيها عن أزمة «قاعدة» ضاقت السبل فى حلها.. لأن أطرافها مجهولون وغامضون مثل «قاعدة» ابن لادن.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة