إبراهيم داود

بلد إضرابات صحيح

الجمعة، 06 مارس 2009 12:47 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا رميت عينيك على «فرش» باعة الصحف وأنت فى الطريق إلى النوم ستكتشف أنك فى بلد أصبحت فيه الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات سلوكا يوميا، وبالتالى مطلوب منك أن تنام سعيدا، وأن تبحث عن طريقة ما للتضامن مع الغاضبين، لأنك (لأسباب لا داعى لذكرها الآن) لا تطيق الحكومة ولا سيرتها، وستجعل الأولوية للذين يحتاجون دعمك (إذا كان دعمك له قيمة)، من الذين يحتجون من أجل أهداف سامية، مثل أساتذة الجامعات الذين يناضلون من أجل إبعاد الأمن عن الجامعة، أو القضاة الذين ينشدون الاستقلال، ولكنك ستخاف مثلى على «فكرة الغضب» من التمادى فى التظاهر «عمال على بطال»، وهذا التمادى هو الذى أبعد حركة كفاية عن «الموضوع» وأعطى الحكومة فرصة للتباهى بين الأمم بأن حرية التعبير مكفولة للجميع، (نحن نعرف الحكومة ولكننا لا نعرف الجميع).

نحن مع عمال المحلة ومع عمال السكة الحديد ومع الصيادلة والأطباء والصيادين ومع الذين أزيلت بيوتهم ولم توفر لهم الحكومة مكانا آخر ومع أى شخص يطالب بحقه بشكل سلمى ودون أن تركب مطالب هؤلاء«الفئوية» تيارات سياسية (دينية كانت أو يسارية) لأن هذا يعنى أن النقابات حلت محل الأحزاب (خالدة الذكر)، وتشعرك أن شيئا ما يتحرك فى البلد وأن شرائح من المجتمع كانت بعيدة عن العمل العام ظهر صوتها وسيجلو أكثر عاجلا أم آجلا للمطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية تضبط العلاقة بين الدولة والمواطنين وتحاصر الفاسدين والمحتكرين وتعرقل طموح النخبة الحاكمة التى تظن أنها تعرف مصلحة الناس أكثر منهم.

فى الأيام الفائتة لفت نظرى حدثان مهمان من وجهة نظرى يتعلقان بالغضب، الأول إضراب عشرات من الطلبة الجزائريين أمام سفارة بلدهم فى القاهرة احتجاجا على عدم اعتراف الحكومة الجزائرية بشهادات الماجستير والدكتوراة التى يمنحها معهد الدراسات العربية بالقاهرة، وقد تم نقل 17 طالبا إلى المستشفى بينهم 3 فى حالة إعياء شديد (كما ذكرت البديل) إضراب الأشقاء يؤكد على حالة جمهورية مصر الإضرابية المتحدة وأنها لم تعد بلد شهادات كما أشيع بل بلد إضرابات، وأنها أصبحت رائدة فى هذا المجال، للدرجة التى تجعل أشقاءنا الجزائريين فى مصر يضربون عن الطعام احتجاجا على حكومة لا يرأسها الدكتور نظيف، الموضوع يدعونا للتساؤل: لماذا رفضت الحكومة الجزائرية الاعتراف بالشهادات؟ وإذا كان عندها حق لماذا لا يتم إغلاق المعهد؟ وما هو هذا المعهد أصلا، وما هى وظيفته فى ظل حالة الانكسار العربى الفصيح، وما هو موقف القائمين عليه بعد الإهانة التى صدرت عن الحكومة الجزائرية؟.

الحدث الثانى مظاهرة الأحد الماضى ضد وزير الإعلام ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون ورئيسة التليفزيون، المظاهرة شارك فيها مئات المخرجين وعدد من قدامى المذيعين ووافق الأمن عليها، للمطالبة بتحسين أوضاع 41 ألف موظف يعيشون أوضاعا مأساوية ووصل الأمر بالكثير من هؤلاء للتجارة فى العديد من السلع حيث تحولت طرقات ماسبيرو إلى أسواق وكذلك مكاتب الموظفين الذين يبيعون الأحذية والملابس والمفروشات داخل المبنى جهارا نهارا من أجل تحسين أوضاعهم (كما ذكر حسام أبوطالب فى القدس العربى السبت ) وأيضا بسبب الغيرة على التليفزيون الوطنى الذى فقد شعبيته فى الشارع، المظاهرة طالبت بإقالة الوزير والذين معه، لأنه يعتمد على مستشارين من الخارج يمنحهم عشرات الآلاف من الجنيهات شهريا ويضع أبناء المكان فى الثلاجة، المتظاهرون بالطبع عندهم حق لأن ثمار التطوير الذى يتحدثون عنه لم يلحظها أحد وأصبح الهدف الأساسى تقليد القنوات العربية بدون إبداع، وما معنى أن تقدم على إنشاء قناة للأفلام التى لم تعد تمتلكها فى الوقت الذى يستطيع فيه الناس مشاهدتها مجانا على قنوات أخرى وما معنى قناة رياضية ومعظم المباريات «مشفرة» وما معنى قناة إخبارية لا تعترف بالاحتراف، وما هى كرامات أسامة الشيخ الذى يسعى إلى التقليد لا الابتكار؟؟؟. لست مع القائلين إن الحكومة تخلت عن أنس الفقى وخصوصا بعد انتقاد رئيس الوزراء له بعد أحداث غزة الأخيرة واتهام أحمد عز له بأنه مسئول عن تدهور سمعة الحزب (الوطنى طبعا) فى الشارع وكأن سمعة الحزب كانت أفضل قبل ذلك؟ ولكن المشكلة تكمن فى خيال النظام الشمولى الذى يعتبر المخالفين له فى الرأى خصوما وتقارير الأمن شرطا قبل الكفاءة، أنس الفقى كفاءة لا شك فى ذلك، ولكنه حديث داخل دولاب الدولة المركزية التى تمتلك آليات معقدة، وتعامل مع الأمر كأنه يدير مشروعا اقتصاديا واستخدم آلياته، فى حين أن الربح ليس هدفا لتليفزيون حكومى مطالب بتنوير الناس وتثقيفهم وإحاطتهم علما بما يدور فى الدنيا حولهم، آليات السوق هذه مثلا تحاول التخلص من برنامج عريق مثل نادى السينما وأيضا كنوز مسرحية وعالم الحيوان وحكاية مكان وحدث فى مثل هذا اليوم.

نحن فى حاجة إلى تليفزيون جديد حتى لو 14 بوصة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة