د. سهير عبد الفتاح

لن نحتفل بأم كلثوم!

الجمعة، 06 مارس 2009 12:12 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نحن لن نحتفل بالذكرى الرابعة والثلاثين لرحيل أم كلثوم، والسبب واضح، وهو أن أم كلثوم لم تغب عنا لحظة، لا بصوتها، ولا حتى بشخصها، لأن صوتها كان دائماً معنا، وحين نستمع إلى صوت أم كلثوم، نتمثل شخصية أم كلثوم، التى لم تكن تؤدى ما ألفه الملحنون من ألحان، ولكنها كانت تنفعل بهذه الألحان، حتى يخيل للمستمع أنها شاركت فى وضعها.

والواقع أن أم كلثوم لم تكن بعيدة عن الشعراء والمحلنين، الذين كانت تغنى لهم، وكان لها دائماً رأيها فى الكلمات والألحان، فأم كلثوم هى الطرف الأقوى فى الأغنية، ولهذا كانت تختار الكلمات، وتعدلها أحياناً، وتختار اللحن، وتتصرف فيه، وإذا كان بعض الملحنين قد ساعدوا أم كلثوم عندما كانت لاتزال مطربة ناشئة، فهى التى ضمنت لهم المجد والشهرة، ولهذا كان الشعراء والملحنون يتطلعون لليوم، الذى تغنى فيه أم كلثوم كلماتهم وألحانهم.

ومن المعروف أن صوت أم كلثوم كان يمتد على مساحة تبلغ ديوانين اثنين، أى ستة عشر مقاماً تقريباً، وهى مساحة واسعة جداً، إذا قسناها بأى صوت عربى معاصر لها، والذين استمعوا لصوتها فى بداية حياتها الفنية فى العشرينيات، يقولون إن صوتها وصل إلى جواب السيكا، أى بلغ سبعة عشر مقاماً، ولكنه استقر فى النهاية على عشر مقامات.

والمساحة العريضة ليست هى الميزة الوحيدة فى هذا الصوت العظيم، الدقة أيضاً ميزة أخرى، فالذبذبات التى تصدر عن هذا الصوت فى أى نغمة يغنيها، تتطابق مع الذبذبات المحددة لهذه النغمة فى السلم الطبيعى.

وأخيراً ذكاؤها، وحيويتها، وسرعة بديهتها، وموهبتها الفائقة فى التعامل مع جمهورها، والتجاوب معه فى الحفلات الساهرة التى ساعدت على خلق أشكال غنائية جديدة مزجت بين فن الغناء وفن المسرح، كما نجد فى الأغنية الطويلة التى نستطيع أن نقول إن الفضل يرجع إلى أم كلثوم أولاً فى ظهورها، كشكل غنائى جديد، لم يعرفه الغناء العربى من قبل. والمقصود بالأغنية الطويلة، القصائد الفصيحة والعامية التى غنتها أم كلثوم بداية من الأربعينيات، وارتبطت بحفلتها الشهرية التى كانت تحييها فى ليلة الجمعة الأولى من كل شهر.

كان المسرح الغنائى العربى فى مصر قد اختفى منذ أواسط الثلاثينيات أو تفكك وانفصل فن التمثيل عن فن الغناء وبقى التمثيل فى المسرح وانتقل الغتاء إلى الراديو والسينما، لكن طاقة أم كلثوم كانت أكبر من الراديو والسينما، وكانت علاقتها المباشرة بالجمهور المستمع تتأكد وتتسع من خلال الحفلة الشهرية التى تقيمها بمفردها، وفى هذا الإطار، ظهرت الأغنية الطويلة التى تستعرض إمكانيات صوت أم كلثوم النادرة ،وترضى ذوق جمهور طروب، يريد أن يقضى مع مطربته المفضلة سهرة طويلة، جرت العادة على أن تبدأ فى الساعة العشرة مساء، وأن تستمر إلى الثانية بعد منتصف الليل، ولهذا قسمت إلى ثلاث وصلات، كل وصلة أغنية تستمر ما يقرب من ساعة.

والغريب أن أم كلثوم هى المطربة العربية الوحيدة، التى عبرت المسافة الفاصلة بين الغناء العربى والآذان الغربية، فمنذ غنت فى قاعة الأوليمبياد بباريس فى أواخر الستينيات، أصبح لها جمهور فرنسى يتسع يوماً بعد يوم.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة