الفارق ضخم، هو الفارق بين الغضب المدمر والغضب المنظم، الغضب الذى يبنى والغضب الذى يحرق، الأول ليس له ضابط أو رابط ولا يستطيع المجتمع التعامل معه ولا القضاء عليه.. فلن ينجح التعامل الأمنى مهما كانت كفاءته، والسبب أنه غضب فردى عشوائى، ليس له مسار يمكنه من تحقيق الهدف، فلا هدف له سوى الانتقام والتخريب، بالضبط مثلما يمسك شاب صغير بقطعة حديد «ليَجرح» بها سيارتك، لأنك تملك وهو لا يملك، وليس أمامه طريق واضح لكى يملك مثلك أو على الأقل يؤمن الحد الأدنى من الحياة.
أما إضراب أصحاب المقطورات، فهو غضب له طريق يسير فيه ليحقق أهدافه أو بعضا منها، جماعة محددة منظمة تعبر عن مطالب واضحة، وتضغط بشكل سلمى ديمقراطى حتى تصل إلى ما تريده.. وهذا ليس فيه أى خطورة على البلد، بل على العكس، فهو يدفعها للأمام، أولا لأنه يصنع توازنا قويا بين مختلف طبقات المجتمع ويعيد توزيع الثروة والسلطة. ولذلك تلاحظ أن الاحتجاجات السلمية الأخيرة بعيدة تماما عن أى تخريب، فهو ضد مصالحها، كما أنها بعيدة عن أى مزايدات لأنها لا تحقق للناس أهدافها.
ولأن الغضب العشوائى مفاجئ، فمن المستحيل أن تعرف من أين يبدأ وكيف ينتهى.. ولا حل لمواجهته سوى بعدة أمور، أعتقد أنها كما يلى:
1 - أن تدرك السلطة الحاكمة أنها صاحبة مصلحة فى أن يحصل المصريون على حقهم البديهى فى حرية التعبير والتنظيم، ومن ثم تكون هناك مسارات معلنة للغضب، مسارات تضمن أن يحصل الناس على ما يتصورون أنه حقوقهم.
2 - وفى هذه الحالة فالسلطة الحاكمة أيا كانت طبيعتها أو أيديولوجيتها، ستواجه خصما معلنا، يمكنها التفاوض معه للوصول إلى نقطة توازن، ربما تكون أحيانا مبنية على توازن القوى وليس الحقوق، ولكنه فى كل الأحوال يصون البلد من أى انفجار.
3 - أما حرمان الناس من حقها فى تأسيس تنظيماتها المستقلة، من أحزاب وجمعيات وغيرها، فسيؤدى إلى سدود أمام طاقة الغضب العشوائى.. لينتقل من خانة أنه طاقة لبناء البلد، إلى طاقة تحرق البلد ومن فيها.
فهل يدرك عقلاء السلطة الحاكمة ذلك؟
أتمنى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة