كنت أعرف حينما قررت أن أتناول تفاصيل العلاقة بين الرجل والمرأة أن هنالك قلوبا مصمتة، استعذبت حالة التبلد، وأصبحت لا تؤمن بنفسها ولا بغيرها، وتمكن منها المرض فلم يظهر لحالها المزرى عرضا، ولم تعد تتألم إن انجرحت أو تعذبت أو عَذبت، كما كنت أعرف أن هناك من يقفون على الأعراف لا يستريحون إن تبلدوا، كما أنهم يتألمون إن أحبوا وعشقوا تعذبوا، وكنت أعرف كذلك أن هناك قلوبا نضرة، ضاحكة مستبشرة، تريد أن تنعم بالحب، وتنام تحت شجره المثمر، ولهؤلاء جميعا ندائى، ولهم قلت ما قلته وسأقول ما سوف أقوله.
نعود إلى مسألة خوف الرجال من قول كلمة «أحبك» ما تبعها من ردود أفعال يكسوها الشجن، ويغلفها الألم، ومن ضمن ما قيل، أن الرجل يخاف من الحب لأنه يعتبره «ضعف» ولهذا يهرب منه، ولأن هناك الكثير من الرجال الذى يشعرون بهذا فعلا، كان لابد من مناقشة فكرة الضعف الإنسانى، وهل يُنقص هذا الضعف من رجولة الرجل أو يزيد من أنوثة الأنثى؟
فى الغالب لا ينقص «الضعف» من شىء أو يزيد من آخر، لكنه يعد دليلا على إنسانية الإنسان، فالإنسان مخلوق ضعيف، وتزداد عبقريته ويظهر تفوقه كلما أحس بضعفه، وحاول أن يتغلب عليه، كل الأفذاذ والنوابغ والمبدعين أيقنوا من هذا، وحاولوا أن يتغلبوا على ضعفهم وجعلوا من ضعفهم قوة، أضاءوا بها طريقهم وطريقنا، كذلك كان الأنبياء، والفلاسفة، والعلماء، والشعراء، كلهم أكدوا على أهمية الضعف، وكانت شكوى موسى عليه السلام من ضعفه وقلة حيلته وطلبه للعون من ربه نقطة فاصلة فى حياته، وفى مسار نبوءته، وكذلك كان المسيح عليه السلام الذى أكد على الضعف الإنسانى فى كل تفاصيل حياته وباركه، أما النبى محمد (ص) فقد كان لا يخجل من ضعفه وهوانه على الناس، كما كان لا يخجل من قدرته الفذة على البكاء، وعلى الحب، وبمعنى آخر فإننا حينما نخاف من ضعفنا، ونهرب من أجل عدم الاعتراف به نكاد نهرب من إنسانيتنا، بطريقه مفضوحة، لا تخيل على ما نهرب منه أو من نهرب منه، وهرب الرجال من الحب بعدم الاعتراف به، يساوى حالة المستجير من الرمضاء بالنار، فيتأكد بهذا بضعفه، ويصبح الضعف صفة أصيلة ومستديمة به، ويزاد عليها صفه «الجبن» فتكون المحصلة النهائية أن يظهر ضعيفا وجبانا فى آن.
ثانى المشكلات فى الأهمية التى ظهرت من آرائكم هى أن الرجال يخافون من كلمة «أحبك» لأنها هروب من المسئولية أو من الزواج، وهذا قد يبدو حقيقيا، لكن المسئولية هنا لا ينفرد بها الرجل دون الأنثى، فإن كانت الأنثى تعتقد أن الحب مسئولية الرجل، فهنا يكمن الخلل وتتفاقم المشكلة، لأنها لا تضع نفسها موضع الشريك، بل موضع التابع، وعلى التابع ألا يتذمر من استبداد من يسوقه.
الأساس فى المجتمع الإنسانى وأؤكد على كلمة الإنسانى هو الحب، لكن لأن الحب مثل الإنسان «كائن ضعيف»؛ لا يقدر أن يحمل ذاته ويقدمها لمن يريد ولمن لا يريد، ولأنه «جميل» لا يقدم على الاستعراض بجماله خوفا من ألا يراه الجاحدون، ولهذا يختبئ فى الصدور والقلوب، فلا نراه إلا إذا نقبنا عنه وأجهدنا أنفسنا حرصا عليه، وهو أول الهاربين إن رأى جحود الجاحدين، وقنوط اليائسين.
يا أخوتى رددوا معى ما كان يقوله صلاح عبدالصبور فى ظرف يكاد يماثل وضعنا هذا لنرى كيف جسد هذه المشكلات وحلها فى آن واحد، حينما قال: ولما كان خفق الحب فى قلبى هو النجوى بلا صاحب حملت الحب فى قلبى فأوجعني، وأوجعنى ولما كان خفق الحب فى قلبى هو الشكوى إلى الصاحب شكوت الحب للأصحاب والدنيا، فأوجعنى ولما كان خفق الحب فى قلبى هو السلوى لأيام بلا طعم وأشباح بلا صورة وأمنية مجنحة بجوف القلب مكسورة حملت الحب للمحبوب ثم دونت من قلبه وقلت له: أتيتك.. لا كبير النفس لا تياه ولا فى الكم جوهرة ولا فى القلب ولا فى الصدر وشحت ولكنى أنسانى فقير القلب والفطنة
ومثل الناس أبحث فى فجاج الأرض
وعن كوخ وإنسان ليستر ما تعريت
نعم يا صلاح «وعن كوخ وإنسان ليستر ما تعريت»... لقاؤنا موصول فإلى الأسبوع القادم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة