كتبت هذا الكلام قبل مباراة الأهلى والزمالك بساعات.. لأن رصد علاقة المصريين بما نسميه القمة أكثر إثارة وجاذبية من القمة نفسها وما يتبعها من ردود فعل وتحليل فنى وعلاقة التنافر والكراهية بين الفائز والمهزوم.
وثبت أن الارتباط العاطفى بين الشعب ومباريات الأهلى مع الزمالك ليس ظاهرة رياضية مثل التى نسمع عنها أو نتابعها فى الدربيات الأخرى حولنا.. بل هو قريب من أن يكون ظاهرة اجتماعية، وربما تأخذنى المبالغة لأقول إنها مرض موروث مثل الصلع والسكر حتى تخيلت أنها فرعونية تمكنت من جينات المصريين وكان صعبا التخلص منها مثلما تخلصت مصر من الفرعونية إلى العربية مع الإبقاء فقط على الآثار، وإن تأسيس ناديى الأهلى والزمالك منذ مائة عام كان مجرد إحياء لعادة فرعونية قديمة.
ليس هذا مرتبطا بالحديث عن تشجيع الأهلى أو الزمالك لأنه اختيار وليس توريثا.. فربما يتربى الطفل معترضاً على انتماء والديه لأى من الناديين.. وربما يولد من أب أهلاوى وأم زملكاوية فيختار تشجيع الإسماعيلى.
عندما يرى الأب والأم يدخلان فى خصومة شديدة مرتين كل عام.. أو ربما يأخذ صف أحدهما على حسب المؤثرات الخارجية.. هو فى النهاية اختيار داخل عملية الوراثة التى حكمت الشعب المصرى فى أن يكون منفعلاً ومضطرباً وشديد الالتصاق بالظاهرة المصرية الفريدة التى لا نظير لها فى العالم ولا فى تاريخ البشرية الملىء بحالات ارتباط الشعوب بزعماء أو عقائد أو نظريات سياسية سريعاً ما تضمحل أو تنتهى برحيل الزعماء أو تعديل النظريات أو انهيار الإمبراطوريات المبنية على عقائد كما حدث للشيوعية مثلاً.
وإذا افترضنا أن عشرة ملايين مصرى مهتمون بالرياضة وكرة القدم بالذات، وعشرة ملايين آخرون يتابعون الرياضة من بعيد ويعرفون أن الأهلى والزمالك دولتان متصارعتان دائماً وعليهم الاختيار بينهما من منطلق العيب ألا تكون أهلاوياً أو زملكاوياً وإلا لن تصبح مصرياً.. فإن الـ 80 مليونا جميعهم تحكمهم حتمية إظهار أعراض الوراثة ولو حتى بالسؤال يوم المباراة: مين هيكسب النهاردة؟ أو بالاستمتاع بمشاهدة صراع غريب ومثير بين طرفين متعصبين يتفننان فى كيفية أن يقهر أحدهما الآخر، أو بإنجاز عمل صعب تكرر تأجيله إلى حين تصبح الشوارع خالية خلال مباراة الأهلى والزمالك.. ربما هؤلاء لا يهمهم من يفوز ومن يخسر، لكن قد يصابون بالرعب من أثر النتيجة على أبنائهم أو أقاربهم المتعصبين الذى يجرهم المرض الوراثى أحياناً إلى دخول المستشفيات وأقسام الشرطة ومنهم من يدخل القبور متأثراً بأزمة قلبية أو ساقطاً من فوق ظهر أوتوبيس وهو يحتفل بفوز فريقه.
ومن سوء الحظ أن الحالة المصرية مع الأهلى والزمالك لا يفكر فيها إلا الرياضيون فقط، رغم أنها حالة إجتماعية وربما سياسية.
الحالة المصرية مع الأهلى والزمالك خلقت تركيبة اجتماعية جديدة لا تستطيع أن تعبر عن نفسها إلا من نافذة رياضية، فتنقل همومها إلى الملاعب ليسير جنباً إلى جنب فى اتجاه واحد مع البطالة مع الفقر مع الجرائم الغريبة.
ومن هذا المنطلق ليس غريباً أن يسأل الرأى العام عن هوية انتماءات رجال الدولة الكبار.. للأهلى أم للزمالك.. قبل أن يسأل عن هوية انتمائهم لمصر، حتى بات جمال مبارك الضامن الرئيسى لبقاء حسن شحاتة، والتعليمات الرئاسية هى المنقذ الوحيد لعصام الحضرى.. هل أنتم مستعدون أن تصدقوا أن لدينا فعلاً حالة خاصة تبدأ فيها الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من الأهلى والزمالك.
أرجوكم صدقوا..
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة