أنا الآن فى باريس، وفى ضاحية من ضواحيها أشاهد تجربة غريبة لم أشاهدها، ولم أسمع بها من قبل، هى تجربة النحت المسموع.. هل سمعتم عن فن اسمه النحت المسموع؟ تماثيل منحوتة من المعدن والخشب على شكل آلات موسيقية ينبعث منها الماء وأنغام موسيقية، وتسمى فى فرنسا وأوروبا النحت المسموع.
فى هذه التجربة صار النحت آلة موسيقية وصار الصوت تمثالا. بدايات هذه التجربة ظهرت فى أوروبا فى ثمانينيات القرن الماضى، ولكنها تطورت من مجرد نافورة تنبعث منها الموسيقى إلى تماثيل وأشكال فنية مختلفة، مصنوعة من الرقائق المعدنية والخشب، وهى فى الوقت نفسه آلات موسيقية. شجرة ذات فروع من المعدن الرنان ينبعث منها الصوت لو أمسكنا بهذه الفروع أو هززناها. مصابيح تثير الفضول وتدفع المشاهدين لتحريكها فتنبعث منها الموسيقى.
ومن الطبيعى أن يكون الأطفال أول المستمتعين بها، لأن فضولهم أكبر.. وهذه المنحوتات مصممة بطريقة تستدعى فضول الأطفال، وتتحمل طاقتهم على اللعب. فهى عبارة عن أقواس مركبة على تجويفات مغطاة بصفائح رقيقة ومشدود عليها أوتار من المعدن أو البلاستيك.
وقبعات وضعت عليها أنابيب من الكريستال تصدر أصواتا تتدرج بين الحدة والغلظة ويمكن العزف عليها بالأصابع أو بواسطة عصى. ويختلف الرنين باختلاف أداة العزف وطريقته.
والعزف على هذه الآلات لا يحتاج لتعليم أو نوتة لأن المقصود منها هو اللعب، سواء كان اللاعب شخصا كبيرا أو طفلا، والأصوات التى تصدر عنها هى أصوات الطبيعة مثل جريان الماء أو حفيف الرياح أو خشخشة الأوراق، فالعودة إلى الطبيعة هدف من أهداف التربية والفنون المعاصرة، لهذا تصمم هذه المنحوتات الموسيقية أساسا لتوضع فى المدارس ودور المسنين والمستشفيات، لأن اللعب لا يتعارض مع الفن. والأوروبيون مهتمون بهذه التجربة، وقد أقيمت للمنحوتات الموسيقية معارض كثيرة فى البلاد الأوروبية وبعض البلاد الأخرى.