غياب الرئيس مبارك عن قمة الدوحة لم يزعجنى، ولم يسعدنى أيضاً، وكنت أتمنى أن أجد تفسيراً رسمياً غير ما قاله السفير حسام زكى المتحدث باسم الخارجية المصرية «الذين يخاطبون مصر باعتبارها «الشقيقة الكبرى» عليهم أن يخاطبوها بصورة تتناسب مع الاحترام الواجب لمقامها»، وهو كلام بلاغى يعلى من شأن قطر، ويخصم من رصيد مصر، لأن الجميع يعرف لماذا لم يسافر السيد الرئيس ويعرف أيضاً إنه على حق، ولكن قادة الإعلام الرسمى حولوا الموضوع إلى صراع بين دولتين إحداهما مصر، واكتفوا بالسخرية من الأخرى صديقة إسرائيل وحماس وإيران على أرض الواقع وعدوة إسرائيل على قناة الجزيرة، والتى حرضت الشارع العربى على علم مصر أثناء العدوان الإسرائيلى الوحشى على أهلنا فى غزة، ولم أستسغ صيغة «مصر المقموصة» التى أطلقت هنا للسخرية، لأن الموضوع أبعد من هذا كما أشار أحمد يوسف أحمد فى «الشروق» الخميس، الذى ألمح إلى شىء غير مفهوم فى أزمة العلاقات المصرية القطرية قبل الملابسات الأخيرة بكثير، لقد غابت مصر عن قمة الدوحة الاقتصادية الشرق أوسطية فى 1997 ولم يكن السبب موقفا من المشروع الشرق أوسطى الذى دشنته اتفاقية أوسلو 1993 بقدر ما كان سببه متعلقاً بموقف مصرى من السياسة القطرية، غير أن الأهم من ذلك أن السلوك المصرى فى هذا الصدد أعم بكثير من حالة قمة الدوحة، فقد بات مميزاً للسياسة المصرية تجاه دبلوماسية القمم العربية والأفريقية، بعد أن كانت القمم ظاهرة مصرية خالصة منذ قمة إنشاص عام 1946 لمناقشة تعاظم الخطر الصهيونى على فلسطين، ومنذ أول قمة عربية دورية عقدت فى عمان 2001 وحتى الآن، عقدت تسع قمم، غاب الرئيس مبارك عن أربع منها، فإذا تذكرنا أن واحدة منها عقدت فى شرم الشيخ 2003 لكان معنى هذا أن الرئيس قد تغيب عن حضور نصف القمم التى عقدت خارج مصر، ومن اللافت أن الظاهرة نفسها موجودة على صعيد القمم الأفريقية، وإن يكن على نحو أوضح، ويرى الكاتب أن البصمة المصرية الواضحة على دبلوماسية القمم العربية قد ارتبطت صعوداً وهبوطاً بدور مصر القيادى فى النظام العربى، وتبدى الدوائر المصرية المسئولة فى الوقت الراهن تمسكاً شديداً بهذا الدور القيادى، وعليها أن تناقش تداعيات الغياب المتكرر عن القمم العربية على الوظيفة القيادية لمصر فى النظام العربى، أما إذا كان ثمة شىء تحت سطح الأحداث لا يعرفه المواطنون فقد آن آوان التصريح به، كى تبدو السياسة العربية لمصر مفهومة، وربما كان مقال مكرم محمد أحمد فى «الأهرام»،السبت، أكثر تعبيراً عن الموقف الرسمى، فقد ألمح إلى أن الغياب سببه أن المصالحة المصرية السعودية السورية لم تنتج حتى الآن ثمارها، وأن كل عاصمة للدول الثلاث تتحدث بلهجة مختلفة، برغم اتفاق الجميع على أن السلام لايزال الخيار الاستراتيجى للعرب الذى لم يطلب أحد استبداله بخيار آخر «على حد تعبير الأسد السورى»، وأنه لم تنظم حتى الآن حدود التداخل بين مصالح أمن إيران ومصالح العرب القومية فى ظل طموح فارس المتزايد كى تكون دولة نووية وقوة عسكرية أقليمية يتجاوز نطاق حدودها الوطنية إلى العراق والخليج وشمالاً إلى لبنان وسوريا وقطاع غزة، وربما كان مقال مأمون فندى فى «المصرى اليوم» الأربعاء، الذى اعتبر أن مشكلة العرب أنهم أصبحوا «عربين»: عرب الأرض وعرب الفضاء، أى عرب الواقع المعيش وعرب الفضائيات، وهو ما أصابهم بانفصام فى الشخصية بين عرب يريدون التعامل مع الواقع كما هو على الأرض وعرب يصنعون مشاكل وهمية كبيرة، يناضلون من أجلها فى الفضائيات، ضاربين بالواقع عرض الحائط..
والقمم العربية - فى رأيى - تؤصل لهذا الانفصام، لأنك لو قرأت إعلان قمة الدوحة-الذى ألقى على بعد 500 متر من أكبر قاعدة أمريكية فى المنطقة - ستعرف أنهم طالبوا إسرائيل بوقف النشاطات الاستيطانية وإزالة جدار الفصل العنصرى والمحافظة على المقدسات الإسلامية والمسيحية وطالبوا بانهاء الاحتلال من «كافة» وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً «لم يطلبوا عودتهم» وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس «الشرقية».. ولم يتحدث البيان عن الوسائل التى تستخدمها القمة لتحقيق كل هذه المطالب.. المشروعة.