"أبو جليل".. العائلة التى أطلقت الشرارة الأولىلثورة 19 فى الفيوم

الخميس، 14 مايو 2009 10:26 م
"أبو جليل".. العائلة التى أطلقت الشرارة الأولىلثورة 19 فى الفيوم أبناء من عائلة «أبو جليل» فى إطسا يتحدثون إلى «اليوم السابع» - تصوير عمرو دياب
كتب محمد الجالى وعمروجاد وعلاء فياض

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت عمدية قبيلة الرماح تتبع قبيلة أخرى هى عرب الفوايد، وكلتاهما من قبائل «بنى سليم»، لكن عرب الرماح أرادوا الانفصال، فنظموا سباق خيل على حدود محافظة بنى سويف، وكانت الخديعة أن يطلق فرسانهم أعيرة نارية فوق رؤوس الفوايد لإرهابهم، فيفوزون هم بالسباق، ويتم لهم ما أرادوا، فقام مفتاح أبوجليل وقال: «سيبولى أنا الموضوع هذا»، وقام به على الوجه الأكمل، فكانت أبوجليل صاحبة الفضل فى فصل الرماح عن الفوايد، غير أنهم سرعان ما تصارعوا على عمدية «الرماح» مع عائلة «الباسل»، ووقف مفتاح على رأس جيش من أبناء عمومته ضد «مقاوى الباسل» منافسه على العمدية، الذى كون هو الآخر جيشا من أبناء عمومته.

سار الجيشان الصغيران فى طريقهما إلى مقر انتخابات العمدية فى مدينة الفيوم، وطالب مفتاح منافسه بالنزال والمبارزة، وقال له: العمدية هنا، اللى عايز يقول مفتاح مش عمدة الرماح يقولها هنا، فما كان من مقاوى - الأعقل - إلا أن ابتسم وقال له: «العمدية لك ومن يومها صار مفتاح أبوجليل عمدة قبيلة الرماح وورثها عنه ابنه سعداوى صاحب أكبر حيازة أرض زراعية بالفيوم حتى اليوم.

هذه قصة واحدة من حكاية عائلة أبوجليل الطويلة، التى تبدأ منذ انتقالها إلى مصر وبالتحديد إلى محافظة البحيرة، واستقرار فرع أبوجليل فى منطقة «الغرق» بمركز إطسا بالفيوم، ثم انتشارهم من خلالها للعيش على حواف الجبل، وكانت منازلهم فى البداية عبارة عن خيام، وانتقالاتهم بالخيل والجمال، ويترواح تعداد عائلة أبوجليل حالياً ما بين 5 و7 آلاف فرد موزعين على 14 عزبة، منها 9 رئيسية، ومن ضمن الـ46 عزبة التابعة توجد عزب تحمل اسم فروع العائلة، وهذه العزب هى: (أبوجليل عطية أبوجليل محمدين أبوجليل عبدالغنى أبوجليل سلطان أبوجليل أبوطاحون «عبدالقوى أبوجليل» صقر أبوجليل).

الرماح أشقاء الفوايد، والاثنان من قبائل بنى سليم التى هاجرت مع «الهلالية» فى «تغريبتهم» المعروفة، ومحمود الباسل هو صاحب فكرة الفصل فى العمدية، الذى وجد فى قوة الرماح وكثرتهم فرصة ذهبية للاستئثار بـ«عمدية الفوايد» وهم غير أولاد فايد الذين ينتسبون إلى «على الأبيض»، وأماكن تمركز الفوايد فى إطسا بالفيوم ومغاغة فى المنيا، ومن أبرز عائلاتهم «الباسل وأبوجليل وعدلى لملوم».

وكان العرب أو البدو لهم مكتب مستقل عند وزارة الداخلية، هو مكتب شئون البدو، وكان هذا المكتب يشرف على تعيين العمد فى المناطق البدوية، وكان العمدة البدوى يمتد نفوذه خارج القرية بمعناها الجغرافى، أى أن عمدة قبيلة الرماح مثلاً يحكم الموجودين فى الفيوم وفى الصعيد وفى الإسكندرية، وهكذا بعكس العمدة المعروف لدى «الفلاحين» فهو يحكم القرية أو المركز المعين عليه فقط، ومن ثم فنفوذه يشمل كل من يقع فى نطاق مركزه أو قريته من عائلته أو عائلات أخرى.

محمد أبودياب شيخ البلد من عائلة أبوجليل يروى أن المتعارف عليه فى عهد محمد على هو أن يعطى العرب، وخاصة قبيلة الرماح حق امتياز بإعفائهم من الخدمة العسكرية، وظل هذا مستمرا إلى أن جاء الخديو سعيد، وتساءل عن موقف القبيلة وسبب منحها هذا الامتياز، ثم فرض عليها ضرائب رفضتها القبيلة، وتمردت عليه، فبعث إليها جيشاً حاربها فهزموه، فاحتال عليهم الخديو وبعث رسولاً من عنده يدعوهم إلى الغداء، حتى تجمعوا عند منطقة تسمى «الغرق» فقتل مجموعة منهم.

واقعة عائلة أبوجليل مع الخديو سعيد ليست الوحيدة فى التاريخ السياسى للعائلة، فلها مع الاحتلال الإنجليزى صولات وجولات يحكيها العميد متقاعد يحيى أبوجليل: «كان العداء بيننا وبين الاحتلال قوياً، وقام العديد من أبناء العائلة ببطولات ضد الاحتلال، منها الهجوم على معسكرات الجيش الإنجليزى، وقتل جنوده والاستيلاء على السلاح والذخيرة والخيل، وامتد هذا النضال حتى عام 1919 مع اندلاع الثورة، وانطلقت الشرارة الأولى للثورة فى الفيوم من عائلتنا، فقد ساندنا ابن عمنا «حمد الباسل» وعاد من منفاه على «مندرتنا».

الوقائع التاريخية تثبت أن حمد باشا الباسل لم يخرج من منفاه على «البواسل» الذين ينتمى إليهم، وما يؤكد ذلك أن عبدالستار باشا الباسل أصدر بياناً يتبرأ فيه من كل من يشارك فى ثورة 1919، وكان وقتها عبدالستار منتميا لحزب الأحرار الدستوريين، وهو ما جعل حمد باشا يولّى وجهه شطر أبناء عمومته «أبوجليل» الذين ساندوه وناصروه وشاركوا معه فى ثورة 1919.

يحيى أبوجليل يتذكر جانباً من بطولات العائلة فى الثورة، يقول: «عبدالواحد حسين مفتاح أبوجليل حكم عليه بالإعدام بسبب اشتراكه مع مجموعة من أفراد العائلة فى قطع خطوط السكك الحديدية فى الفيوم، والاستيلاء على مركز شرطة إطسا، وتتكون هذه المجموعة من عبيدة خليفة أبوجليل الذى استشهد برصاص الإنجليز فى ذروة أحداث الثورة وعوض أبوسلطان وحكم عليه بالسجن، وعبدالرحمن رسلان أبوجليل الذى مات فى المعتقل، وعيسى صقر أبوجليل الذى حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات وقيل إنه جُنّ فى سجن الثورة.

وقد قطعوا خطوط السكك الحديدية لاعتراضهم على نفى حمد باشا الباسل ابن عمهم، وقام واحد من أشهر فرسانهم هو «عبدالعال رسلان أبوجليل» بضرب ضابط شرطة نقطة الغرق وربطه بـ«هجار» أى «قيد الحصان» إمعانا فى إذلاله، وعندما عاد «حمد الباسل» من المنفى نزل عند عبدالواحد حسين أبوجليل لمدة 4 أو 5 أيام وقال لمن حوله: أنا نزلت عند الرجالة اللى قاموا بى وكل من تلف عنده شىء ندفع ثمنه».

التاريخ السياسى للعائلة يتواصل بعد ذلك بـ«ياسين حسين أبوجليل» الذى كان عضواً فى مجلس النواب عام 1924 وكان ضمن المجلس النيابى الذى تحدى الانجليز وعقد اجتماعاً بفندق «شبرد» بالقاهرة بعد أن حلّته سلطات الاحتلال، وهناك بين عائلة أبوجليل من يعتقد أن قصة فيلم «فى بيتنا رجل» مأخوذة عن حياته، فهى شبيهة بقصته إلى حد كبير، فقد هرب من البوليس السياسى أثناء ثورة 19 واختبأ لدى أسرة قاهرية بالسيدة زينب وتزوج ابنتهم وأنجب منها ولدين.

ويروى محمد أبودياب قصة المستشار يونس عبدالقوى أحد أهم رموز العائلة، ومن أوائل المتعلمين فيها قائلاً: بعثت المديرية فى عام 1903 طلباً للتبرع إلى كبار العائلات لبناء مدرسة، على أن يتعلم أحد أبناء كل عائلة مساهمة فى المدرسة بالمجان، فوقع الاختيار على يونس، وأصبح أول من تعلم من العائلة عام 1903، وهو نفس العام الذى تولى فيه والده العمدية، يقول الكاتب الروائى حمدى أبوجليل: «ترشح عبدالقوى أبوجليل على منصب العمدية ضد عدد من أعيان المنطقة وكان أحدهم يسمى «عوض أبوكرامة» كانت علاقته وثيقة بالخديو ويدعوه بين الحين والآخر لتناول الغداء فى بيت عوض، بينما كان عبدالقوى بدويا لا يمتلك شيئاً، إلا أن الحاكم الانجليزى وقتها قرر اعتماد عبدالقوى عمدة، قائلاً: «عبدالقوى قاطع طريق وهيقدر يحكم الناس»، وبذلك صار عبدالقوى أول عمدة مدنياً.

محمد أبودياب يواصل سرد الذكريات: «عمر يونس ابن المستشار يونس كان الضابط المكلف من قيادة ثورة يوليو 1952 بمحاصرة قصر عابدين وقت قيام الثورة، ويتذكر أن العمدة عبد الحميد أبو جليل كتب رثاء فى عبد الناصر مطلعه; مات البطل عبد الناصر عظيم الهمة ويلتقط مفرح عبدالعظيم أبوجليل الضابط بالقوات المسلحة طرف الحديث من أبودياب، مؤكداً أن نسبة التعليم بالعائلة مرتفعة جداً على الرغم من أنها لم تكن تهتم به فى الفترة الماضية، ويضيف مفرح عبدالعظيم معلومات أخرى، حول تعليم المستشار يونس قائلاً: إن والده كان يريد إرسال أخيه لأن خطه فى الكتابة يسمح، لكنه كان فى المرعى فضاعت عليه الفرصة، ويوضح مفرح: «على العموم كان أبوهما يرفض الفكرة أساساً: حد يودى عيِّله يتعلم الذل فى المدرسة؟ وعن تعليم البنات يقول مفرح: كانت العائلة تتجاهله لفترة طويلة، ولكن الآن أصبح لدينا الطبيبة والمدرسة، ولا أحد يمانع فى أن تكمل بناته مراحل التعليم.

كمال عبدالحليم عطية أبوجليل، أحد الذين ورثوا العمل بالسياسة، وأحد البارزين الحاليين من أبناء العائلة، لقيامه بدور القاضى العرفى، وهى مهمة ورثها عن والده، ويذكر بكل فخر أنه كان ضمن الفريق الذى أسهم فى عقد صلح فى قضية ثأر بين عائلتين بمنطقة عبدالمجيد المجاورة له، وتم هذا بحضور محافظ الفيوم ومدير الأمن وأمين عام الحزب الوطنى بالمحافظة.

كمال عضو بارز فى الحزب الوطنى، ويؤكد دوره المهم فى دعم الحزب ومرشحيه فى الانتخابات المختلفة سواء كانت «محليات» أو «شورى» أو «شعب».

نسبة التعليم بين أبناء العائلة مرتفعة حالياً، وقديماً كانوا لا يعلمون بناتهم، كما هو شأن عائلات وقبائل كثيرة، ورغم الطبيعة البدوية والظروف البيئية المحيطة بعائلة «أبوجليل»؛ إلا أن بينهم من يشغل مكانة مرموقة فى عدد من المجالات ومنهم الأستاذ الجامعى والمترجم المعروف أبوبكر يوسف أبوجليل مترجم مختارات «تشيكوف» التى صدرت فى أربع مجلدات ومراجع ترجمات أعمال «ديستيوفسكى» وهو يقيم فى موسكو، والعميد عمر أبوجليل الحاصل على رسالة فى القانون وشغل منصب مأمور بندر الفيوم، والعقيد معوض ابو جليل الذى استشهد فى رفح برصاص الاحتلال الإسرائيلى أثناء الانتفاضة الفلسطينية الاولى، وأحمد موسى أبوجليل أحد رجالات التربية والتعليم بالفيوم، واشرف أبوجليل الشاعر والمخرج ومدير الادارة المسرحية بمحافظة حلوان، وفى نفس الوقت هم عائلة زراعية فى المقام الأول حيث تمتلك ما يقرب من 4 آلاف فدان، تصل إلى 10 آلاف بعد احتساب مساحات وضع اليد والاستصلاح، وهى تعتبر نفسها «عائلة مستورة.. والحال ميسور».

العائلة تربى الماشية كنشاط أساسى وهو ما يفسر كمية أجران التبن الكثيرة الموزعة فى العزب التى تحمل أسماء أولاد أبوجليل التسعة حيث تمتلك »أبوجليل« ما يقرب من 2000 رأس ماشية.

سامى أبوجليل يذكر مواقف عن بعض العادات المهمة فى العائلة، منها أفضلية تزويج بنات العائلة من شبابها، وإن كانت عادة فى طريقها إلى الانقراض، ويقول إنه حتى فترة الستينيات من القرن الماضى كانت أفراح العُرس تنصّب لمدة 40 يوماً، تقدم فيها الولائم فى خيام كبيرة ويغنى مطربو البادية الراحلون والموجودون، ومنهم: عوض المالكى، وحامد السرجانى، وميلاد القذافى، وصالح أبوخشيم.









مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

مرحب بيكم

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة