القتل سيد عناوين الأخبار.. اغتصاب.. سرقة بالإكراه.. أطفال يتم اختطافهم من أحضان أمهاتهم يقتلون ويمثل بجثثهم، «يغتصب طفلة ويقتلها فى المدرسة وآخر يسرق قرطا من أخرى ويقتلها.. بلطجية يختطفون زوجة ويغتصبونها.. محاكمة قاتل هالة فايق.. تأجيل قضية سفاح بين السرايات.. محاكمة قاتلى شقيقتهما.. حبس قاتل عجوز القاهرة الجديدة.. قاتل طفلتيه بالمنوفية يمثل جريمته.. حبس قاتل سائق التوك توك بأسيوط.. إحالة قاتلى الصائغ وزوجته بعين شمس إلى المفتى.. إحالة أوراق قاتلى جواهرجى كفر الشيخ للمفتى.. إحالة قاتل أسرته بمصر الجديدة إلى المفتى.. إحالة مغتصبى الزوجة فى كفر الشيخ إلى المفتى.. الإعدام ينتظر قاتل طفلى الطالبية، وقاتل طليقته ووالديها وخطيبها»..
الإعدام من وجهة نظر كثيرين هو العلاج الناجع والحاسم لجرائم القتل والاغتصاب. يقولون إن الإعدام هو الحل، وبالرغم من الإعدامات المتوالية، فإن القتل والعنف لا يتوقف.. ويبدو حمى تجتاح المجتمع أكثر من الأنفلونزا. ولا نعرف لماذا يتلبسنا الرعب المستورد، بينما لا نشعر بالقلق والخوف من جرائم تحيط بنا من كل جهة. وأحيانا لا يكون الإعدام مرة واحدة كافيا ولا مساويا للجرم.
الإعدام هو أقدم عقوبة اخترعها البشر وشرعتها الحضارات، من أيام الفراعنة وحمورابى.. قننت فكرة القصاص «العين بالعين والسن بالسن».. وأقرتها الشرائع السماوية.. الإعدام لا يتوقف والقتل أيضا. هناك دعاوى من حقوقيين يشنون حملات لإلغاء العقوبة. واستبدالها بالسجن. دول وولايات ألغت العقوبة، واستبدلتها بالسجن. وهو جدل يستمر ويتواصل، لكنه لا يوقف القتل وحمامات الدم التى تغرقنا وتؤذينا، ويبدو الإعدام عقوبة غير كافية لإعادة الحياة إلى طفلى الطالبية زياد وشهد اللذين فقدا حياتهما بلا ذنب.
العقاب إذن ليس انتقاما، بل هو قرار المجتمع لتنظيم نفسه، ولا يمكن أن يكون كافيا لإصلاح أحوال المجتمع، وإعادة الاستقرار. الجريمة لا تتوقف، والعقاب جزء من العلاج، والأهم هو الوقاية، وإذا قلنا إن الاقتصاد أو الفقر وراء الجريمة، وإن العشوائيات تولد الجريمة والانحراف. فإن المجرمين ليسوا كلهم فقراء، والأثرياء لهم جرائمهم التى تختلف أسبابها وتتنوع دوافعها.
قاتل أسرته فى مصر الجديدة قال إنه قتلهم بعد أن خسر أمواله فى البورصة، ذبحهم لخوفه عليهم من الفقر، ومثله كان قاتل أبنائه وزوجته فى دار السلام قبل أربعة أعوام، ذبحهم وأغرقهم، بسكين حبه الجارف لهم، وخوفه على ضياعهم من بعده.
وكان الحقد دافع قاتل أبنائه والذى دفنهما فى ماسورة الصرف، بينما الغيرة هى دافع قاتل طليقته وأسرتها وخطيبها فى حلوان. دوافع مختلفة، المشترك فيها الأنانية والاختلال النفسى والاجتماعى. وليس كل من يخاف على أبنائه يقتلهم ولا كل من يشعر بالغيرة أو الحقد يسحب حياة خصمه.
كل هؤلاء سوف يعلقون فى حبل المشنقة، دون أن يشكل إعدامهم رادعا لمن يأتون بعدهم، فلا أحد يتعلم من تجارب الآخرين. والردع بالعقوبة هو وظيفة القضاء والبوليس والسجون، أما إزالة أسباب الجريمة فهو مهمة المجتمع الذى يجب أن يواجه خطاياه، وأن يستأصل أسباب العنف، قبل أن يستأصل القتلة والمجرمين. لقد ارتفعت نسبة الجريمة، بصورة تتجاوز الاستثناءات، وبعض جرائم القتل تتم بسبب خمسة جنيهات أو عدة جنيهات أو بلا سبب.
نظرة واحدة على العشوائيات أو أطفال الشوارع، والأحداث فى السجون والإصلاحيات، تكفى للشرح، كل هؤلاء سكاكين مشهرة، وبنادق جاهزة لإطلاق النار، لن يردعهم الإعدام أو يرهبهم حبل المشنقة ولن يوقفهم البوليس. ونحن هنا لا نعارض الإعدام لكننا نراه وسيلة وليس غاية وجزءا من العلاج، يحتاج إلى وقاية، وإذا كنا نواجه الفيروسات باللقاحات والأمصال، فإن هذا المجتمع يحتاج إلى أمصال ولقاحات تمنحه بعض مناعته التى فقدها فى مشاويره وسط العشوائية والفوضى. وهو أمر يجب أن يعقله أصدقاء عقوبة الإعدام وخصومها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة