عبر الهاتف سألنى حفيدى المصاحب لوالده فى بعثة «لماذا يا جدى شوارعنا فيها تراب كثير وأوراق وأشياء أخرى» فاحترت فى الرد، وفى اليوم التالى كنت أسير فى ميدان التحرير بجوار مبنى المجمع فإذا برجل وزوجته يسيران وفى يد كل منهما كومة من اللب، وكل واحد منهما «يقشر» حبة اللب ويأكل لب الحبة ويلقى بالقشر على الأرض.. فصنعا خطا من القشر خلفهما.. وكأنهما يملكان الشارع، حتى إن كان الشارع ملكهما، أليست النظافة من الإيمان وإماطة الأذى من الطريق من الإيمان!!. يارب.
وقد لاحظت فى الوقت نفسه عدم احترام السيارات الخاصة والأجرة لأماكن عبور المشاة فكل سيارة عند ظهور الإشارة الضوئية الحمراء تأتى لتقف فى المكان المخصص للمشاة ولا يعترض على هذا عسكرى المرور المسكين الذى يخشى أن يوجه اللوم لسائق سيارة ملاكى فيكون السائق من أصحاب النفوذ فيضيع المسكين، ويخشى أن يتكلم مع ساثق سيارة أجرة فيسخر منه ويسمعه عبارات جارحة أمام الناس فيهين هيبته المعدومة أساسا فيسكت العسكرى المسكين ويسير المشاة بين السيارات وهذه وهذه أولا مخالفة ثم هى مشقة كبيرة لكبار السن. وكأن الذين يقودون السيارات يملكون الشارع. أليس احترام الآخرين وحبهم من الإيمان «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» هذا حديث شريف!
الرصيف يسمى فى الإنجليزية «side walk» أى الممشى الجانبى ولكن فى أماكن كثيرة من بينها ميدان الإمام الحسين قام أصحاب المقاهى والمطاعم بإخراج المقاعد والموائد والطاولات إلى عرض الشارع لجذب أو لاضطهاد المارة عن طريق شباب ورجال يقومون بالتحرش بالمارة لكى يدخلوا محالهم واختفى الرصيف ونصف الميدان، وكأن أصحاب هذه المقاهى والمطاعم يملكون الشارع، وهذا يحدث قبل ما يسمى بالمشكلة أو بالأزمة الاقتصادية العالمية.. إنها الرغبة فى المزيد، بأى ثمن حتى إن كان بالاعتداء على حق الآخرين فى شىء بسيط وهو المرور السالم والآمن.
ويجب أن نسترجع هنا أنه كان هناك رجال من الصالحين الذين نسينا أنهم عاشوا قبلنا وكانوا من العارفين الصادقين فأسمعوا أهل عصرهم من الدرر والحكم التى جعلت الحياة مكانا أفضل لهم وللآخرين على حد سواء، قال عبدالله بن محمد بن منازل لحمدون بن أحمد رضى الله عنهما «ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضاء الرحمن ونحن نتكلم لعز النفس وطلب الدنيا وقبول الخلق».
وعز الإسلام ليس فيه قهر لأحد بل هو إعلاء لقيم العدل والإخاء والتسامح والتواضع والعطاء.
إنه إعلاء لقيم الجمال وقتل للتعصب والتشدد الأعمى، والآن ونحن نمر بكل هذه الأزمات العالمية والمحلية نحن فى حاجة إلى قيم الإخاء والتسامح والإيثار والتراحم وحب الوطن والدفاع عنه وعن ناسه وعن ترابه.. ما أحلى العطاء لله، إنه نشوة ما بعدها نشوة ترضى الرب والقلب وتنشر الدفء بين الناس وتقرب بين الغنى والفقير والقوى والضعيف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة