الدكتور قاسم قال إن الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع نزلت مصر عام 1250، وعلى دمياط فى البداية التى تركها أهلها وهربوا، ولم يجد جنود لويس التاسع فى المدينة أحد حتى يرتكبوا مذابحهم، واستولوا على الكنيسة الأرثوذكسية، وطردوا ابنة الكاهن القبطى، وحولوا الكنيسة إلى الكاثوليكية، وهذا يؤكد على أنه لم يكن هناك اختلاط سكانى أو فرصة للتزاوج بين المصريين والصليبيين.
الدكتور قاسم لفت النظر إلى مسألة أخرى يراها مهمة فى تناول هذه القضية وهى، أن الحملات الصليبية لم تكن مجرد حملات عسكرية، إنما هى حملات استيطانية يأتى فيها الجيش وفرق المشاه، ويتبعهم عدد كبير من الناس رجالا ونساء يقدمون لهم الخدمات اللازمة كالتى تقوم بها أسلحة الخدمات حاليا، ومن الطبيعى أن تكون هذه الحملات فيها كثير من النساء، ويضيف أن لويس التاسع جاء بزوجته وكان اسمها «مرجريت البروفنسالية»، كما أحضر معه أمه واسمها «بيضا» وكانت صاحبة التأثير الأكبر عليه، وظل فى دمياط التى كانت عروس موانئ البحر المتوسط وقتئذ.
◄ أسأل الدكتور قاسم عن وضع المنصورة فى هذه الظروف؟
فيجيب: المنصورة كانت قد نشأت قبل ثلاثين سنة أيام الحملة الصليبية الخامسة، وأنشئت كمحطة ما بين دمياط والقاهرة لتجميع المؤن، وأقام فيها السلطان العادل وابنه الكامل، لتنسيق المقاومة ضد الحملة الصليبية الخامسة، ولم تكن المنصورة آهلة بالسكان، وبقى الصليبيون فيها فترة سنة وعدة شهور، حاولوا فيها إضفاء الطابع الصليبى عليها باستقدام المستوطنين، رجالا ونساء وأطفالا، وفشلوا فى هذا، المنصورة بهذا الوضع لم تكن مدينة سكنية أى مدينة للناس، ولا يمكن أن تتحول خلال جيل إلى ذلك، مع ملاحظة أن القاهرة مثلا لم تتحول إلى مدينة سكنية إلا بعد نحو مائة سنة من إنشائها.
وينتقل الدكتور قاسم إلى دور المنصورة فى الانتصار على حملة لويس التاسع، وماذا ترتب عليها من نتائج فى مسألة الاختلاط السكانى فضلا عن النتائج السياسية المعروفة، ويقول: كانت قوات الجيش المصرى تعسكر فى المنصورة، وفى المقابل وعلى بحر شربين جاء الملك لويس التاسع بجيشه لكى يزحف إلى القاهرة، وأقام معسكره فى منطقة ريفية مواجهة للمنصورة هى منطقة «جيدلة»، وحولت أعمال الفدائيين من العرب والمسلمين والمصريين حياة الصليبيين إلى جحيم، حسبما يشهد فى مذكراته جوان فيل أحد قادة الجيش الصليبى المرافق للويس التاسع، ومن صور هذا الجحيم أن الظاهر بيبرس وضع خطة لاستيعاب الهجوم الصليبى داخل المنصورة، فوزع فرق الفرسان فى أماكن خفية بحيث لا يراها الصليبيون، وأمر الناس فى البيوت بالهدوء التام وراء نوافذهم، وهم مسلحون بالمياه الساخنة وقطع الخشب والحديد، على أن يشتركوا فى القتال عند ورود إشارته.
يضيف دكتور قاسم: دخلت القوات الصليبية فوجدت المدينة خالية وظنوا أنهم سيجدون مدينة أخرى مثل دمياط، وإذا بأبواب الجحيم تفتح عليهم، وقتل كافة القادة الصليبيين، ولم ينج جنودهم من القتل حتى بعد أن ألقوا أنفسهم فى النيل، وفى اليوم التالى كانت القوات الرئيسية قد عبرت بحر شربين إلى منطقة مابين فارسكور والمنصورة، وأطبق عليها بيبرس بقواته فيما يشبه إحاطة السوار بالمعصم، وانتهى النهار بالقضاء تماما على الجيش الصليبى، وكان من يرى القتلى لكثرتهم لا يظن أن هناك أسرى، ومن يرى الأسرى لكثرتهم لا يظن أن هناك قتلى على حد تعبير المصادر التاريخية، وتم بيع الأسرى ومن بينهم النساء والأطفال، واتخذت النساء جوارى حسب عادات تلك العصور، ولم يدخل لويس التاسع المنصورة إلا أسيرا فى دار ابن لقمان بعد أن تم أسره فى منية عبدالله القريبة من المنصورة، وافتدته زوجته الملكة مرجريت بمبلغ مالى ضخم، وبالمناسبة أنجبت له ولدا فى دمياط أطلقت عليه اسم «حنا ترستان» ويعنى «حنا وليد الأحزان»، المهم أن القوات الصليبية رحلت تجر معها أذيال الهزيمة
◄أسأل الدكتور قاسم، هل ترك هذا الرحيل وراءه نساء ورجالا؟
يجيب: من الأشياء المعروفة فى الحملات الصليبية أنهم حين كانوا يتعرضون إلى نكسة يقومون بطرد عامة النساء الذين جاءوا معهم، وتكرر هذا أكثر من مرة، وبالتالى كانوا يذوبون فى المجتمع فى ضوء ظروف هذا العصر، ومثلا فى الحملة السابعة لم يجد الصليبيون الذين فروا منها وسيلة للعودة إلى بلادهم فأعلنوا إسلامهم وذابوا فى نسيج المجتمع المصرى، وأشير هنا إلى نقطة هامة وهى أن المصريين كانوا يرون فى الحملات الصليبية حملات يقوم بها كفار، وبالتالى لا يمكن تزاوج المصريين بالكفرة والمحتلين، وبالمناسبة فإن المنطقة الأكثر اختلاطا مع بلاد الشام على مر التاريخ هى دمياط، وهناك عائلات دمياطية كثيرة من أصول شامية بسبب الاختلاط الطبيعى والحتمى بين موانئ شرق المتوسط مثل صور وعكا وبيروت واللاذقية ودمياط، فطبيعة المواصلات الصعبة وقتئذ كانت تفرض على التجار الاستقرار معيشيا فى هذه الموانئ، وهناك فى الشام عائلات كثيرة تنتهى باسم المصرى، والمعروف أن للشوام جمالا مميزا فلماذا لا نقول أن هذا الجمال مرجعه الأصول المصرية.
يستبعد الدكتور قاسم من هذا السرد أن يكون هناك اختلاط حدث فى محافظة الدقهلية عموما، والمنصورة خصوصا على أثر الحملات الصليبية، أحدث تغييرات عرقية وسكانية تؤثر على ملامح الوجه بشكل عام، مشيرا فى ذلك إلى مثال معاكس حدث أيام المماليك الذين استقدموا عددا من المغول، أقاموا فى حى الحسينية بالقاهرة فى نحو 1300 بيت، ويقول قاسم أن المؤرخين وأهمهم المقريزى ذكروا أن الناس يرغبون فى تزويج أبنائهم من بنات المغول لجمال وجوههن، وكانوا يسمونهن البدورة لجمال ملامحهن، واشتهر حى الحسينية منذ ذلك الحين فى القاهرة بجمال سكانه، وأنه حى الفتوة والشهامة، وهذا ما يمكن رصده من الاختلاط السلمى.
المؤرخ د.قاسم عبده قاسم: الصليبيون كانوا يستقدمون معهم نساءهم ولم يختلطوا بأهل المنصورة
الخميس، 28 مايو 2009 08:01 م
المؤرخ د.قاسم عبده قاسم - تصوير عمرو دياب
حوار: سعيد الشحات
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة