لا سامح الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين تسببوا فى شطر الحركة الصوفية فى مصر المحروسة التى انتصرت على كل عوامل الانقسام الآتى من الخارج ولكن النكبة تأتى مصر من الداخل!
إن التصوف أساسا يقوم على الزهد فى الدنيا حتى إن أتته الدنيا صاغرة مستسلمة فإنه لا يسعى إليها بل يفر منها فرار السليم من المريض بمرض معد، لأن الاستغراق فى الدنيا بكل ما فيها من منصب ومال وشهرة يقود الفرد المحب لها أو الذى سقط فى حبائلها إلى اتجاه آخر غير الذى سعى للوصول إليه، وتشده إلى السقوط أو تشغله عن رب الكون الله سبحانه وتعالى الذى قال لعباده: «وما خلفت الجن والإنس إلا ليعبدون« وقال لهم «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة..» فتتحول عبادة الله إلى عبادة المال والنفوذ والفلوس وتمجيد النفس وأحلامها المرتبطة بالأرض أولا وربما أخيرا.
والمحزن أن النفس التى هى من هذا الصنف لا تهوى بمفردها ولكنها تسحب فى سقوطها آخرين فيكون السقوط جماعيا وتكون الخسارة كبيرة، وتبكى قلوب المحبين على الذى سقط.
قال سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم «إذا رأيت الرجل قد أعطى زهدا فى الدنيا وقلة منطق فاقتربوا منه فإنه يلقن الحكمة» ولكن أين هؤلاء الزهاد الذين يرحم الله بهم باقى العباد من مصائب الدنيا وغوائل الزمان.
إن الذى نراه اليوم يجعل الحسرة تجرى فى القلوب لأن أهل الجمال والفناء والحب لله ولرسوله السائرين على النهج المحمدى النورانى قد تراجعوا أو اختفوا أو ماتوا أو لم يعودوا على ما كان عليه السلف الصالح الذى أخلص لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، إنهم عشاق للمنصب وللشهرة وما يتلو ذلك من سراب زائل. وقال سيدى الشبلى رضى الله عنه: «ليس من احتجب بالخلق عن الحق كمن احتجب بالحق عن الخلق».
والآن التفت الكثيرون إلى حطام الدنيا وأصاب أعين قلوبهم الرمد ويدعون أنهم على الطريق المحمدى سائرون.. وهم فى الحقيقة عنه غائبون تائهون وكأنهم بلا إرادة فيقتتلون بالكلمات وينسون أن الله مطلع على السرائر وسوف يحاسب الجميع على كل لفظ وعلى كل حركة وخلجة نفس.
هوى الصوفى هو مرضاة الله والترقى سلوكيا ووجدانيا والانشغال الكامل بكل ما يقربه إلى الله وما يفسد حبائل الشيطان ووسوسته.
ومن حبائل الشيطان الزهو والغرور والتمسك بالرأى، وإن كان خطأ والتضحية بالأخ المسلم من أجل مكسب رخيص، والحقيقة التى ينساها الكل هى أن المسلم أخو المسلم. ومن تمام الإيمان أن يحب المسلم أخاه المسلم كما يحب نفسه ولا يقتله أو يقاتله معنويا أو حسيا. ومن التفسيرات النورانية للسادة المتصوفة أن العبد الذى استقر على الخطأ وأصر على المعصية أصبح كالقبر بل فى الحقيقة أصبح قبرا لأن كل النور والجمال الذى وضعه الله سبحانه فيه قد طمس بالذنوب والمعاصى وسكنته النزوات والأهواء فأطفئت أنواره وجعلته كالبيت الخراب.
قال سيدى أبوبكر الرازى: «الأولياء هم الذين باطنهم أفضل من ظاهرهم....»، وهذا لأن هذا الباطن ذاكر على الدوام ربه وهائم فى جماله وبالتالى متعرض لأنوار العزيز الكريم.
فكان كلامهم حكما وحركتهم إرشادا إلى الصلاح وزهدهم مثلا للآخرين. نرجو من الله أن تعود هذه الأنوار إلى الظهور مرة أخرى.