أثار الخبير الأمنى وعميد الشرطة السابق، محمود قطرى، قضية شائكة ومتشابكة الأطراف، بدعوته إلى إنشاء كيان نقابى مستقل لضباط وأفراد الشرطة، لحمايتهم والدفاع عن حقوقهم، فى مواجهة وزارة الداخلية، التى وصفها بـ«الحكم والقاضى والجلاد»، وانطلاقا من نظرة متأنية للدستور وقانون الشرطة، اللذين لا يمنعان وجود مثل هذا الكيان، على العكس يدعمه تأكيد الدستور على أن جهاز الشرطة هيئة مدنية نظامية لها قانون خاص يحكمها..
ولم ينته الجدل عند مجرد طرح الفكرة الجريئة.. لكنه تصاعد فى شكل ردود أفعال مختلفة بين خبراء قانونيين وحقوقيين ورجال شرطة وخبراء سابقين، استطلعت «اليوم السابع» آراءهم حول الفكرة؛ فمنهم من رأى أن ذلك حق طبيعى لرجال الشرطة، أسوة بمعظم دول العالم، التى لا تجد غضاضة فى وجود نقابة أو اتحاد لرجال الشرطة، يدافع عن جميع أفراد الجهاز الأمنى ضد ما يتعرضون له من مشاكل وأزمات ويلبى فى نفس الوقت احتياجاتهم ويلعب دور الوسيط بين الوزارة والنقابة ومنهم من عارض الفكرة، مؤكدا أنها ستؤدى إلى دخول رجال الشرطة معترك السياسة، وهو الأمر الذى يرونه شديد الخطورة لأن طبيعة وزارة الداخلية تختلف عن بقية مؤسسات الدولة سواء فى تركيبها أو فروعها أو فى طريقة عملها وبذلك يصبح من الصعب التخيل أن يكون هناك طرف آخر يكون له الحق فى الحديث باسم الضباط، فيما اعترف البعض بأهمية وجود النقابة، لكنهم استعبدوا إبداء الدولة أى مرونة فى سبيل ذلك مؤكدين على وجود عدد من المرافق والمؤسسات التى تقدم خدمات لرجال الشرطة تغنيهم عن الحاجة إلى نقابة مستقلة.
اللواء مصطفى الكاشف: المجلس الأعلى للشرطة جهة حكومية ولا يصلح للدفاع عن حقوق الضباط
اللواء مصطفى الكاشف، النائب الأسبق لمدير الإدارة العامة للمخدرات، اتفق على ضرورة وجود جهة تدافع عن رجال الشرطة، تحت أى مسمى، قائلا «مفيش جهة مختصة بشئون الضباط والأفراد غير وزارة الداخلية فقط، وهى جهة حكومية، تنحاز للحكومة على حساب الضباط». وأكد الكاشف أن الدستور صنف الشرطة على أنها هيئة مدنية، لها قانون خاص يحكمها، أى أنها ليست هيئة عسكرية كى يمنع وجود جهة نقابية فيها، على عكس ما تراه وزارة الداخلية التى تتعامل على أنها هيئة عسكرية، وأشار الكاشف إلى وجود المجلس الأعلى للشرطة، لكنه أكد أن هذا المجلس لا يدافع عن حقوق رجال الشرطة، فضلا عن أنه جهة حكومية، غير مستقلة عن وزارة الداخلية، وأكد الكاشف أن فكرة وجود كيان نقابى للشرطة تراود العديد من ضباط الشرطة فى الوقت الحالى بالفعل، لكن هناك صعوبة فى مطالبتهم بذلك فى الوقت الحالى.
اللواء حمدى البطران: «النقابة» حماية لضباط الشرطة من تعسف الداخلية وتسلط قراراتها
اللواء حمدى البطران، الخبير الأمنى، ولواء الشرطة السابق، أكد أن وجود كيان نقابى مستقل لرجال الشرطة ضباطا وأفرادا، فكرة جيدة جدا، لحماية الضباط من تعسف الداخلية، وتسلط قرارها، فى الوقت الذى يتحمل فيه رجال الشرطة كل أخطاء الدولة، ورغم احتفاء اللواء حمدى البطران بفكرة نقابة الشرطة، التى لا يرى لها مانعا قانونيا أو دستوريا، إلا أنه أكد على استحالة سماح وزارة الداخلية بوجود نقابة للضباط، وقال «هو حبيب العادلى ممكن يعمل نقابة للظباط تبقى ضد الحكومة اللى هو واحد منها؟!»، وأكد البطران أنه تعرض لظلم شديد أثناء عمله بالشرطة، عندما تمت إحالته لمجلس تأديب، لأنه قام بكتابة رواية بعنوان «يوميات ضابط فى الأرياف» بتهمة عدم استئذان وزارة الداخلية فى الكتابة والنشر، رغم عدم وجود نص فى قانون الشرطة يمنع قيام الضباط بالكتابة أو النشر.. وهو ما دفع البطران للتشديد على أهمية وجود جهة نقابية مستقلة لحماية الضباط والمطالبة بحقوقهم.
اللواء رؤوف المناوى: المجلس.. ونوادى الشرطة.. البديل الرسمى للنقابة
اللواء رؤوف المناوى، مساعد وزير الداخيلة الأسبق، رفض وجود كيان نقابى مستقل عن وزارة الداخلية رفضا قاطعا، لأنه يرى أن وجود النقابات مرتبط بالاحتجاجات والإضرابات، وهو أمر لا يمكن قبوله فى هيئة منضبطة لها لوائحها وقوانينها، مثل هيئة الشرطة، وأضاف أن الجهاز الأمنى يتحمل كل مشاكل الجهاز التنفيذى، الذى وصفه بـ«المهترئ»، لكن ذلك لا يعنى انفصال الشرطة بنقابة مستقلة، واقترح أن يتولى أعضاء البرلمان الدفاع عن حقوق رجال الشرطة، باعتبارهم ممثلى الشعب الذى تقوم الشرطة على حماية أمنه، وأشار المناوى إلى المجلس الأعلى للشرطة، يناقش جميع مشاكل رجال الشرطة، ويحاول بكل الطرق حلها، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، لكى لا يصطدم الضباط بوزارتهم.
وأشار إلى أن الأنشطة الاجتماعية موجودة فى جهاز الشرطة، ويتولى أمرها إدارات العلاقات العامة والإعلام بوزارة الداخلية، فضلا عن الإدارة العامة لنوادى الشرطة التى تقدم كافة الخدمات التى تقدمها النقابات.
الدستور لا يمنع وجود «نقابة» للشرطة.. ودول العالم تعرف اتحادات تقوم بعمل النقابات
أثارت فكرة إنشاء كيان نقابى لضباط وأفراد الشرطة، ردود أفعال متباينة عندما طرحتها «اليوم السابع» على ناشطين حقوقيين، وخبراء قانونيين، لكنهم اتفقوا جميعا على ضرورة وجود جهة تتولى حماية رجال الشرطة من سلطة وزارة الداخلية، كما هو متبع فى معظم دول العالم.
د. نبيل فهمى، أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة، أكد أن وجود نقابة لرجال الشرطة حق طبيعى لهم، باعتبارهم جماعة لها مصالحها وحقوقها، وتحتاج إلى من يمثلها ويملك سلطة الدفاع عن هذه المصالح والحقوق، وأشار إلى المجلس الأعلى للشرطة، باعتباره الجهة المعنية بهذه المهمة فى الوقت الحالى، لكنه نفى علمه بآلية إصدار القرار داخل هذا المجلس، هل هو فى صالح الضباط أم لا؟، وهل أسلوب إدارة المجلس ديمقراطى أم ديكتاتورى؟.. لكن الناشط الحقوقى جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، رفض اعتبار المجلس الأعلى للشرطة كيانا نقابيا، لأنه جزء من وزارة الداخلية، وبالتالى هو ليس جهازا مستقلا، يملك إصدار قرارات لا ترضى عنها وزارة الداخيلة، وأكد أن وجود هيئة نقابية مستقلة لرجال الشرطة أمر طبيعى، ومتعارف عليه فى دول العالم، تحت مسمى اتحادات الشرطة، التى تعمل بالتعاون مع الجهة التابع لها جهاز الشرطة.
وأشار عيد إلى اتحاد ضباط الشرطة البريطانى، أشهر اتحادات الشرطة وأعرقها، وإلى اتحادات الضباط فى الدول الإسكندنافية، السويد والنرويح والدنمارك وفنلندا وأيسلندا، والتى يجمع اتحاداتها أكبر اتحادات الشرطة الاسكندنافية، واستبعد عيد أن يكون لكيان الشرطة النقابى علاقة بالعمل السياسى، بمعناه الواسع، لكنه أكد على ضرورة وجوده، مشيرا إلى أن تزايد الضغوط على رجال الشرطة، وإهدار حقوقهم قد يصل بهم إلى الانفجار كما حدث فى أربعينيات القرن الماضى، عندنا أضرب رجال الشرطة عن العمل، وطالبوا بتحقيق مطالب مشروعة لها علاقة بتحسين طريقة معاملتهم، ورفع أجورهم، فيما عرف بإضراب «الكونستبلات».
وأكد د. عاطف البنا، أستاذ القانون الدستورى، أن الدستور المصرى ينص على حق المواطنين فى إنشاء نقابات واتحادات مهنية بطريقة قانونية، وهو الدستور ذاته الذى يؤكد أن الشرطة هيئة مدنية، وليست جهة عسكرية، وبالتالى يحق لرجال الشرطة تكوين نقابة خاصة بهم، طالما لا توجد نقابة حالية تضطلع بشئونهم، لكن البنا استبعد أن تسمح الدولة بمثل هذه النقابة، لارتباط جهاز الشرطة بأعمال السلطة العامة وسيادة الدولة، وهو ما اتفق معه السفير رخا أحمد حسين، مساعد وزير الخارجية السابق، مؤكدا أن الجهات السيادية مثل الخارجية والشرطة والقوات المسلحة، لا يسمح لها بإنشاء نقابات، وإنما تخصص لهم نوادى مثل نادى الدبلوماسيين، ونادى القضاة، لأن مفهوم النقابة مرتبط بالضغط على صاحب العمل ومواجهته، وهو ما لا يمكن أن يحدث بين جهاز الشرطة والدولة.
وأشار رخا إلى أن تجربة الدول الغربية التى تسمح بوجود اتحادات مستقلة لرجال الشرطة، لا يمكن تطبيقها فى مصر، لأن مفهوم وطبيعة جهاز الشرطة يختلف بيننا وبينهم بشكل كبير، فيما أشار مصدر أمنى، رفض ذكر اسمه، إلى أن فكرة وجود كيان نقابى للشرطة تراود عددا كبيرا من ضباط الشرطة الحاليين، بعد أن شاهدوا الفكرة فى دول أخرى، أثناء تلقيهم برامج تدريبية، لكنهم يخشون مجرد الإفصاح عن الفكرة، خوفا من تحويلهم لمجالس التأديب، تمهيدا لإنهاء خدمتهم والاستغناء عنهم.
محمود قطرى: تأسيس نقابة مستقلة لضباط الشرطة وأفرادها حماية لأمن الوطن
السيد الرئيس.. السادة أعضاء مجلسى الشعب والشورى.. السادة رؤساء الأحزاب.. السادة أساتذة الجامعات ومفكرى مصر، السادة أفراد الشعب المصرى. السلام عليكم ورحمة الله.. أما بعد بضمير وطنى أطالبكم باتخاذ الإجراءات اللازمة لسرعة إنشاء نقابة للشرطة، فقد ساءت أحوال ضباط وأفراد الشرطة على السواء، وانتشر الفساد الخفى أكثر من الظاهر فى المؤسسة الأمنية. وهو ما تسبب فى تدنى مستوى أداء الجميع، وانعكس سلباً على المجتمع فارتفعت معدلات الجرائم، وتغيرت أنماطها وازداد العنف وضاع الإحساس بالأمان.
ضباط وأفراد الشرطة هم أبناء هذا الشعب، وخيرة شبابه، ولكنهم مأمورون، وينفذون أمر رؤسائهم، إذن ليس العيب عيبهم، ولكن اللائمة تقع على من يتسبب بأوامره فى ظهورهم بمظهر الأعداء، ولا أقصد هنا رجلا بعينه، وإنما أعنى نظاما كاملا، نظاما متخلفا تكوّن من ممارسات سيئة، تحوّلت إلى أعراف غير شرعية، وتراكمت بدورها على مرّ السنين، لتصبح أقوى من القانون والتعليمات - وإن كانت غير مكتوبة ولا يجد العاملون فى جهاز الشرطة أمامهم غير الخضوع المطلق لهذه الأوامر، وإلا كان مصيرهم التشريد، دون أن يجدوا من يدافع عنهم، لأنه ليس لهم نقابة تحميهم وتدافع عنهم إذا ما تعرضوا للظلم.
والمثال على ذلك هذه الطريقة الوحيدة فى كشف مستور الجرائم بإحضار المشتبه فيهم، و«تعليقهم» حتى يعترف أحدهم. وبالطبع ليست هذه هى الطريقة الأفضل، فهناك طرق أخرى كثيرة تعتمد على العلوم الحديثة، مثل فحص آثار الجرائم كالبصمات والأدوات المستخدمة ومراقبة المشتبه بهم للحصول على الأدلة والدلائل. ولكن الطريقة الأولى لا تحتاج إلى تكلفة وهى أكثر سرعة وأكثر نجاحاً لأنها تقدم للرأى العام كبش فداء حتى لو كان بريئا ولهذا يفضلها أغلب الضباط. وكل القيادات بلا استثناء يعرفون ذلك ويسكتون. والوزير نفسه حبيب العادلى يعرف ذلك ويسكت وإن كان يقول عكس ذلك لأجهزة الإعلام، والدليل أنه لم يتخذ أى إجراءات للتخلص من هذه الطريقة، رغم أن هناك دورات لتدريس حقوق الإنسان بطريقة خائبة «ما ينفعش أقول للضابط والعسكرى والنبى ما تضربش الناس عشان خاطرى.. دول كل واحد منهم إنسان زيّك وله حقوق»، فهذا كلام عبيط.
الفساد الحاصل فى الداخلية هو المسئول عن الظواهر الإجرامية التى يشتكى منها الجميع، فمعيار الكفاءة للتعيين أصبح فى خبر كان والمحسوبية والواسطة هما الأساس فى التعيين بالوظائف الهامة، ومن ثم تضيع مصالح الناس عندما تقل الكفاءة.
وأسس المحاسبة الإدارية بوزارة الداخلية غير منطقية، ولا يستطيع أى ضابط أو أمين شرطة أو فرد أمن أن يواجهها، فمدير الأمن مثلاً هو الذى يضبط مخالفات الضباط والأفراد، ويجرى التحقيق مع مرؤوسيه على هواه، ثم هو الذى يقرر الجزاء فى النهاية، فيكون خصماً وحكماً وجلاداً فى ذات الوقت. وتأثير ذلك خطير، فإذا تم إبلاغ مأمور مثلاً بمعركة بالأسلحة البيضاء أو الأسلحة النارية، تضطره هذه المحاسبة الظالمة إلى التلكؤ بعض الوقت حتى تنتهى هذه المعركة، ويكون قد قُتل من قُتل وأُصيب من أُصيب ويفرّ الجناة من مسرح الجريمة، لأنه إن خرج إليهم وليس معه القوة الكافية فمعاقبته إداريّاً حتمية.. و«يا ويله يا سواد ليله» إن أُصيب أحد من القوة. وهو فى ذات الوقت لا يمكنه أبداً أن يجد القوة الكافية، فكل الأفراد يكونون موزعين على خدمات ثابتة ولا يتبقى منهم احتياطياً إلا القليل، ولا تنظر الداخلية إلى ذلك أبداً.
لقد استقرت قاعدة غير شرعية أيضاً مؤداها أن إيذاء الضباط والأفراد أحد أهم السبل للترقى، فالقيادات التى لا تثبت بتقارير مرورها أو تفتيشها مخالفات تستوجب عقاب الضباط والأفراد، وتعتبر الداخلية تقاريرهم غير جدية، وماذا يُنتظر من الضابط أو الفرد المظلوم عندما يتعامل مع الناس؟!
طريقة تشغيل الضباط والأفراد عشوائية لا صلة لها بقواعد العمل وقوانينه الدولية أو المحلية أو غيرها. فالضابط أو الفرد يعمل أحياناً لمدة 24 ساعة، يطلع من أعمال القسم على مأمورية عرض مساجين على النيابة أو المحكمة . ثم على خدمة مباراة كرة قدم، وبعدها تشريفة لأحد الكبار، ثم حملة لتنفيذ الأحكام ثم.. ثم.. إلى ما لا نهاية. ولا توجد هنا صيغة مبالغة فأحد اللواءات الكبار عندما اشتكى له بعض الضباط أنهم استمروا أسبوعاً كاملاً فى الخدمة دون تبديلهم، قال لهم هذه ضريبة العمل فى الاسكندرية «ولو مش عاجبكم أطلبوا نقلكم»!! كيف يمكن لهذا الضابط المتوتّر دوماً أن يتعامل مع المواطنين معاملة حسنة؟!
الإحصائيات اللعينة المتخلّفة تُكره كثيراً من الضباط على تلفيق القضايا لرفع مستوى هذه الإحصائيات.. مثل رؤساء مباحث المراكز المختلفة المطالبين «بمقطوعية من الأسلحة النارية»، وكذلك ضباط مباحث المخدرات والآداب والأحداث والأموال العامة وغيرها .
فالضباط يُعاملون مثل العمال بكثرة الإنتاج.. والإنتاج هنا قضايا ضد الناس . ومثال لذلك أذكر أن أحد الضباط نسى وقت الكمين، وعندما ذكره أحد الجنود، ارتدى ملابسه على وجه السرعة ولم يكن قد تبقى غير وقت يسير على انتهاء الخدمة. فجمع قوة الخدمة على وجه السرعة وأثبت قيامهم للكمين برئاسته فى دفتر الأحوال . ولكنه عندما وصل إلى مكان الكمين كان قد تبقى عشرة دقائق على نهايته. ويقول إن ربنا كرمه ومرت سيارة كبوت يزدحم فى صندوقها أكثر من عشرين شخصا. فاستوقفها للتفتيش على الرخص والبطاقات. وكانوا من هواة صيد السمك و«جايين الفجر عشان يصطادوا» فصادهم الضابط وعمل محاضر تحر لهم، وكان رحيماً فأطلق سراحهم فى نفس الوقت. ولكنه أحضر نتائج كبيرة للكمين حتى لا يعاقب ولكنه أضر بمصالح الناس بسبب هذا المعيار الفاسد.
فمن يحمى هذا الضابط وغيره سوى وجود نقابة حقيقية يمكنها أن تتفاوض لتحسين شروط العمل السيئة، ومن ثم هذا يعود ليحقق مصالح الناس بأمن جيد.
السلطة الرئاسية بصفة عامة فى الشرطة سلطة قهرية مطلقة لا حدود لها، بمعنى أن أى مدير أمن أو أى مدير مباحث وعموماً أى رئيس إدارى يقول «مش عايز الضابط ده يتم نقله»، معنى هذا لو أن احد هؤلاء الرؤساء طلب من ضابط عمل شئ غلط، يلفق مثلاً قضية لأحد، فهو مجبر لأنه لو لم يفعل سيتم نقله وتشريده ومعه أسرته طبعاً.
أضف على ذلك التفاوت الرهيب فى الأجور والمكافآت، فبينما يتقاضى مساعدو الوزير ومديرو الأمن ما بين ربع ونصف مليون جنيه شهرياً يتقاضى الضابط الصغير 500 جنيه، والعقيد فى الأمن العام من 1700 إلى 1800 جنيه. وبينما يتقاضى الضابط الكبير فى مصلحة ما أو إدارة ما 10 آلاف جنيه إلى 12 ألف جنيه، يتقاضى زميله فى اقسام الشرطة والمراكز 1000 جنيه فقط! وهذا يجعل الضباط يتقاتلون ويُرضون القيادات بأية طريقة حتى ولو كانت غير شرعية لكى يحتفظوا بمراكزهم الوظيفية، أو للانتقال إلى الأماكن التى فيها مميزات كبيرة.
هذا التمييز فى المعاملة، والتفاوت فى الأجور وساعات العمل وظروف التشغيل هو ما أنتج الخلل الحالى فى جهاز الشرطة، وتداعيات ذلك على المدى الطويل أخطر كثيرا من النتائج الحالية، لأنها ستؤدى إلى انهيار جهاز الشرطة الذى أفسدوه، وبعد أن فقد المجتمع الثقة فى العساكر والمخبرين، فها هو يفقد الثقة والأمل فى الضباط أيضا!!.. ولا أجد إلا أن أوجه ندائى لكل من يهمه أمن هذا البلد وصالحه العام.. لو عاوزين أمن صح، لابد أن تصلحوا وزارة الداخلية، وأول وأهم خطوة فى الإصلاح إنشاء نقابة تدافع عن ضباط وأفراد الشرطة، حتى يتمكنوا من مواجهة أى ظلم أو فساد يقع عليهم، ومن ثم يستطيعون الدفاع عن المجتمع.