"الأمان" كلمة قليلة الحروف كبيرة المعنى، خاصة عندما يرتبط هذا المعنى بالحياة الزوجية، وتحديد مصير أسرة بأكملها، فقد اعتاد بعض الأزواج التهديد "بكلمة الطلاق" حتى يثنى زوجته عن سلوك ما، كما تعودت بعض الزوجات طلب الطلاق على سبيل التهديد فيتراجع الزوج عن الموقف الذى اتخذه، وبين هذا وتلك، يتوه الأبناء وتفقد الأسرة عنصر الأمان الذى هو قوام الحياة الزوجية.
يقول الدكتور محمد المهدى رئيس قسم الطب النفسى بكلية الطب بدمياط جامعة الأزهر، إن استخدام الطلاق كنوع من التهديد هو ضد العلاقة السوية التى ينبغى أن يبنى عليها الزواج، فإن الطلاق هو أبغض الحلال ولا يلجأ إليه الزوجان إلا بعد استنفاذ جميع الحلول فى إنقاذ البيت من الانهيار، ولكن أن يصبح التهديد بهذا الأمر هو الشائع فإن الحياة لن تستقر، بل سوف تسير فى الاتجاه المعاكس، ويكون ذلك نذير شؤم على أهل المنزل، ويؤدى إلى فشل الأسرة وتفكيكها بسرعة، على عكس ما يظن من يستخدم التهديد بالطلاق، ومن المستحيل أن يكون هذا الأمر حماية لهذا الكيان، وذلك لانعدام عنصر الأمان فى العلاقة.
بعدما يبدأ أحد الطرفين فى استغلال هذا اللفظ مهددا فإن العلاقة تأخذ منحنى مختلفا، حيث يسيطر الخوف والفزع على أفراد الأسرة، ويستشعر الطرف المهدد بأن حياته مؤقتة، وأنه موجود بصورة غير مقبولة تحت مسمى هذا الارتباط الذى يمكن أن يحل فى أى لحظة، وبدون سبب يستاهل لذلك، ومن ثم يبدأ فى اتخاذ الاحتياطات الواقية، فإذا كانت الزوجة فتعمل حسابها على الادخار من وراء الزوج تحسبا للموقف المرتقب، لن تحاول أن تغير من سلبياتها الحقيقية طالما أن الزوج يهدد لمجرد أسباب واهية من الممكن إصلاحها أو النقاش بشأنها والوصول إلى حلول وسط، إذن الحياة تصبح لديها "على كف عفريت"، خاصة أن الزوج يبدأ يعامل زوجته على أنها خادمة تقوم بتلبية طلباته ولا ينبغى أن تخطئ، بل ويمكن استبدالها فى أى وقت وبأى امرأة، وينسى "العشرة"، وجميع الصفات الحلوة التى لن يجدها فى الأخريات.
ويؤكد د. المهدى أن التهديد بهذه الكلمة ينتج من وجود عيب جسيم فى صاحب الشخصية، كما أنه يتسبب فى شرخ العلاقة ويودى بها إلى حافة الهاوية، والفشل سيلحق بالأسرة كلها بداية من الأولاد الذين يتحملون جريرة أمر ليس لهم ذنب فيه، مرورا بكلا الزوجين الذى يقع على عاتقه مسئوليه الفشل.
وإذا كانت الزوجة لا تعى خطورة التهديد بذلك المطلب، فهذا خلل فى شخصيتها، وكذلك الأمر بالنسبة للزوج الذى يجب أن يتعامل مع شريكة حياته بأسلوب كريم، وعليه اختيار الأدبيات المستخدمة فى الأسرة، فلا يرضى أن يكون هذا اللفظ مثلا مثار حديث، كما عليه ألا يستخدمه هو كأداة قهر وإذلال للزوجة معتمدا على أنها لن تجرؤ على تخطى هذا الخط الأحمر، حتى لا تحرم من تسجيل اسمها فى دفتر التشريفات، وأنه يمن عليها "وهى لسه على ذمته"، ناسياً أن عار الانفصال سيلحق به هو الآخر، فالطلاق دليل على أنه لم يتمكن من قيادة البيت بحكمة.
أخيرا يشدد الدكتور المهدى على ضرورة أن ينظر الطرفان إلى علاقاتهما على أنها أبدية، وغير قابلة للتفكيك، فلابد من إيجاد وسائل للتعايش من خلال قيادة حكيمة "على الأقل من أحد الطرفين"، كما يجب أن تدخل العلاقة حيز الأمان المطلق حتى يسود المنزل المودة والرحمة والسكينة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الإحساس بالطمأنينة والاستقرار ورفع السيف المسلط على الرقاب، وتوجيه الهدف ناحية استقرار البيت والوصول بأفراده إلى بر الأمان.
التهديد بالطلاق يهدد تماسك الأسرة