ما حدث فى انتخابات المحامين درس للجميع، سواء الحزب الوطنى الذى دخل الانتخابات على سبيل التجربة، وبعضلاته أكثر ما يكون بفكره، والإخوان الذين كشفت التربيطات أنهم يبحثون عن مصلحتهم لا مصلحة المحامين، وكذلك سامح عاشور الذى ابتعد عن المحامين، وخالف ما عاهدوه عليه، أن يكون لهم ولنقابتهم فقط، ويحميهم من سيطرة الحزب الحاكم.
الدرس الأول كان الرغبة فى التغيير والرهان على الكوادر النقابية بعيدا عن السياسيين، خلافا للتصويت العقابى للجميع، سواء ضد من أشاعوا أنه مرشح الحزب الوطنى والحكومة، أو ضد أعضاء المجلس السابق الذين فشل معظمهم فى الاحتفاظ بمقعدهم، وثالثا ضد المرشحين المنتمين للتنظيم أكثر من انتمائهم للمحامين، وخاصة «الإخوان المسلمين» الذين فشلوا ولأول مرة منذ 1992 فى الاحتفاظ بأغلبية ظاهرة لمجلس المحامين.
النتيجة الطبيعية جاءت بانتخاب من لهم تاريخ نقابى، ولديهم رؤية نقابية سواء فى اختيار النقيب «حمدى خليفة» أو الأعضاء وعلى رأسهم اليساريون «محمد فزاع، وعبدالسلام رزق، ومحمد عبدالرحمن» والبعد عن السياسيين والتنظيميين الذين اكتوى المحامون بصراعاتهم وخلافاتهم طوال المجلسين السابقين.
ما يفكر فيه المحامون حاليا، ليس كيف نجح خليفة لمنصب النقيب بقدر ما هو البحث عن أسباب إزاحة عاشور من مقعده، فالتشابك ما بين العوامل الداخلية التى حدثت من شبهة تجميد لنشاط المجلس، دون تحقيق أدنى طموحات المحامين، وما قام به عاشور من هفوات أدت لزيادة أعدائه، بل وانقلاب كثير من أصدقائه ضده، منها مشروع القانون الذى تقدم به وتم إقراره فى يونيو الماضى وما به من عيوب، بجانب سياسته فى مواجهة أغلبية الإخوان بالانفرادية فى القرار، مما خلق منه «ديكتاتورا» فى نظر الكثيرين، وتم تحميله منفردا نتائج المخالفات التى أوردها تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، غير كثير من الخيانات التى تعرض لها من أنصاره، والذين بحثوا فى الحقيقة عن مصالحهم رغم إظهارهم فى العلن أنهم رجاله الأوفياء المخلصون.
حمدى السيسى أحد الكوادر النقابية المؤيدين لعاشور فى الدقهلية، كشف أن عاشور تعرض لخيانة من مؤيديه فى بعض المحافظات، وكذلك خيانة من بعض القيادات المحلية والحزبية التى كانت لديها توجيهات بدعمه، عملوا لصالح خليفة نكاية فى تعليمات الحزب، وكشف أن الحزب كان يلعب على الاثنين فى ذات الوقت، خلافا لأخطاء تنظيمية جعلت المرشحين يهتمون بأنفسهم ولو على حساب جهودهم للنقيب، خلافا للبيانات والمنشورات ضد المنافسين التى جاءت بنتائج عكسية.
كل هذا بجانب دخول الحزب الوطنى اللعبة «بعضلاته»، وليس بتفكيره وبشكل علنى، استفز المحامين، حتى أن اجتماعات الأمانة العامة، وأمانة المهنيين «رغم نفى أمينها محمد حسن الحفناوى علاقتهم بعاشور»، لكنها كانت على الهواء مباشرة عبر مسئول ملف المحامين بالحزب سعيد الفار الذى لم يعرف أحد ماذا كان دوره فيما حدث، فإدخال قيادات الحزب وأعضاء هيئته البرلمانية، وتواجدهم خلف عاشور الظاهرى، ولّد حالة من الرفض والاستنكار ليس بين المحامين الأعداء لعاشور، بل حتى بين المحامين الأعضاء بالحزب الوطنى ضد عاشور، والدليل أن أحمد فوزى حجازى «مرشح» وغيره الكثيرون من الوطنى ،تحالفوا فى قائمة حمدى خليفة.
هذا الضرر الذى سببه الوطنى لعاشور، كشف عن صدق ما يسمى بأجنحة الصراعات، رغم أن أحمد عز «أمين التنظيم» كان له السيطرة، إلا أنه لم يمتلك الحنكة فى إنهاء المعركة كما يريد، خاصة أن المحامين بطبعهم كما يقول سعيد عبدالخالق عضو المجلس الجديد، متمردون على الوطنى، ورافضون لأى شخص يحسب عليه. الحزب الوطنى لعب بالاثنين «عاشور وخليفة»، ولا أدل على ذلك من تهنئة د.فتحى سرور رئيس مجلس الشعب لخليفة التى كشفت عن كيف كان جناحا الحزب يتصارعان على مقعد النقيب، بجانب تصريح خليفة عقب فوزه بأنه لن يعادى أو يتصادم مع أى من أجهزة الدولة ولا الحزب الوطنى، وأن علاقته بجميع الأجهزة والحكومة جيدة، وسيستثمر هذا فى خدمة المحامين.
لا يلام الوطنى على رغبته فى التواجد، فكما هو حق للإخوان أن يتواجدوا فى النقابة ويكون لهم مرشحوهم، كما يقول سعيد عبدالخالق عضو المجلس، فمن حق الحزب الوطنى أن يكون له مرشحوه أو برنامجه بدون أن يشوه أو يستغل ويسيطر على الآخرين، إلا أن سكوت عاشور وعدم رده القاطع حول علاقته بعز أو دعم الوطنى، واكتفاءه بالرد إعلاميا فقط، دون اتخاذ موقف جاد من الحزب أو قياداته، كل هذا أدى لاعتقاد الجميع «حتى البعيدين عن النقابة» أن عاشور هو مرشح الحكومة الأول فى هذه المعركة.
الإخوان فشلوا فى إدارة معركتهم الانتخابية، وإن كانوا يعيشون الآن حالة نشوة الانتصار، وتصدير أنهم أصحاب الفضل فى نجاح خليفة، بينما يرى خالد على المحامى اليسارى أن دور الإخوان عكس ما هو شائع بين الرأى العام، فلم يكن لهم دور فى الانتخابات إلا فى ترجيح كفة خليفة، لكنهم ليسوا أصحاب فضل النجاح، وإلا كانوا ساهموا فى نجاح جميع أعضاء قائمتهم التى فشل أكثر من نصفها خاصة فى المحافظات. مدللا على هذا بأنهم أعلنوا وحتى يوم التصويت حياديتهم فى معركة النقيب، عكس الدورتين الماضيتين حيث كانوا خلف رجائى عطية قلبا وقالبا.
الأهم أن سقوط عاشور كان هدفا أوليا لجميع الفرقاء، من إخوان وأجنحة بالوطنى وبعض اليساريين والشباب الذى يحتاج لدعم وخدمات النقابة وبعض الشخصيات أمثال مختار نوح أو منتصر الزيات، حتى من كانوا فى السابق أصدقاء ومتحالفين مع عاشور، أو من لم يختارهم ضمن قائمته فى الانتخابات الحالية والسابقة، كل هؤلاء تكتلوا بجانب صدى تصريحات وبيانات المستشار رفعت السيد، القائم بأعمال أمين الصندوق فى لجنة الحراسة ليساهموا فى الإجهاز على عاشور.
القوى السياسية حتى خارج النقابة من يساريين وإسلاميين ووفديين، حتى أن بعضا من الحزب الوطنى التنظيميين، رأوا إزاحة عاشور هى الحل ،بسبب عدم قدرتهم على التفاهم أو التعامل معه خلال الدورة الماضية، فرغم هذا الغضب كان الجميع منهم حتى الإخوان مترددين فى المجاهرة بالعداء ولم تكن لدى الإخوان الثقة فى إبعاد عاشور عن المقعد، لأنهم يعلمون قوته، ويعلمون مدى صعوبة مواجهته، وما أثبت هذه الهواجس أن عاشور حصل على أكثر من 30 ألف صوت، بجانب إلغاء عاشور مقعدى الشباب من المجلس، مما كانت له آثاره فى رفض الشباب برامجه ووعوده.
«رغم الخلافات النقابية والسياسية مع عاشور، فإنه أهم المرشحين الذين تنافسوا على المقعد، هكذا يتحدث خالد على مدير مركز هشام مبارك للقانون، معربا عن تخوفه من شكل إدارة المجلس فى تشكيله الجديد«46 عضوا»، فى وجود خليط من جميع التيارات والتوجهات بدون أغلبية مطلقة لأى من التوجهات، فالمطلوب من النقيب الجديد أن يدير حوارا مهنيا وتغليب مصلحة المحامين، وإلا ستكون النتيجة سيطرة إما الإخوان المسلمين أو الحزب الوطنى على إدارة الدفة، وبحسب على فان الإخوان سيكونون الضحية لأن الوطنى لن يترك لهم النقابة، وساعتها سيترحمون على أيام عاشور».
المجلس الجديد بعد إعلانه حمل بصمة الحزب الوطنى فى كثير من مقاعده خاصة فى الأعضاء عن المحاكم الابتدائية الذين جاء عدد كبير منهم من المستقلين والحزب الوطنى، وكشف آمر أبوهيف عضو الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى قبل ساعات من إعلان النتائج الرسمية، «أن هناك 20 عضوا من الحزب الوطنى نجحوا فى المجلس، منهم 9 فى المستوى العام، مؤكدا أن الحزب الوطنى نجح فى انتخابات المحامين بنسبة 80 % ، وحصل على ما يقرب من 50 % من المجلس، والإخوان أصبحوا أقلية فى أقوى نقابة»، معتبرا أن معركتهم كانت المجلس، ومنع الإخوان من السيطرة والأغلبية بالمجلس، مما يؤكد بصمة الحكومة الظاهرة.
بعد أن أصبحت انتخابات المحامين حقل تجارب للخطط السياسية..
«الإخوان» انتقموا من «عاشور».. وفشلوا فى تحقيق الأغلبية فى المجلس.. و«خليفة» تحت الاختبار
الخميس، 04 يونيو 2009 10:01 م
حمدى خليفة وسط أنصاره - تصوير أحمد عبد الفتاح
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة