أكتب لكم من الأردن. وها هنا مشروعٌ جميل أثار غيرتى، فرجوتُ أن أراه بمصر. هم مجموعةٌ من الشباب الواعد. طلابٌ فى الجامعة الأردنية، منحتهم السماءُ اختبارَها الصعب، فحملوا اللقبَ الثقيل: «ذوو الاحتياجات الخاصة». على أنه، للحقّ، ليس ثقيلاً إلا على روح هشّة، ونفس خائرة. لأن تلك الاختباراتِ ذاتَها قد تكون المهمازَ الحاثَّ على التفرّد والتميّز بين البشر، ونحو العبقرية. قام أولئك الأبناء بتأسيس رابطة قُوامُها جمعيتان: «أستطيع»؛ أعضاؤها هم المختبَرون بالإعاقة، والثانية: «أصدقاء ذوى الاحتياجات الخاصة». وتشكل الجمعيتان معًا رابطةً واحدة اسمُها: «أنا أستطيعُ، والناسُ تحبُّنى». تعمل كمظلة حنون لمن قُدِّر لهم أن ينازلوا التحديّات الحركية فى كافة أرجاء الأرض؛ من أجل استحثاث قدراتهم المهولة لخدمة المجتمع فى كافة الميادين.
اسم الرابطة اِشتُقَّ من شِقيّن: الذات، والآخر. «أنا أستطيع»= ذات المُعاق، «الناسُ تحبُّنى»= الآخر؛ وهو كلُّ المجتمع المحيط بهذا المُعاق، ممن اختاروا أن يكونوا أصدقاءً له. يشكل الشِّقان معًا هدفَ الرابطة الرئيس: الإصرار والمثابرة من المُعاق، والتشجيع والمؤازرة من المجتمع، عن طريق الحب.
تعمل جمعيةُ «أستطيع» على حثِّ المعاق، من كافة ألوان الإعاقات، على هزيمة الإعاقة وإثبات الذات والانخراط الفعّال فى كافة الميادين الاجتماعية والعلمية والتكنولوجية والسياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات، ليرفع فى الأخير شعارًا يقول: «أنا أستطيع».
وهنا يتحقق أمران: الارتقاء بذاته أولاً، والارتقاء بالمجتمع من ثَمَّ. هو مدعوٌّ لأن يكون محاميًا وطبيبًا وخبيرًا فى المجالات التكنولوجية ينتج أجهزة تعويضية لزملائه من ذوى الاحتياجات الخاصة، أو سواهم من الأسوياء بدنيًّا من الناس كافة. أما إن كان كاتبًا أو أديبًا أو فنانًا أو موسيقيًّا فهو مدعوٌّ إلى إنتاج كتب أو مقالات أو لوحاتٍ أو مسرحيات تجسِّدُ قضيتهم مع الحياة، وتكرِّس معنى الثقة بالنفس.
كذلك تضعُ الرابطةُ فى أولويّاتها المطالبةَ بحقوق المعاقين. فإذا ما تعرض شخصٌ منهم لمشكلة فى الجامعة أو العمل أو فى الحى، أو إن لم يجد عملاً، تقوم الرابطةُ بالاحتجاج لصالحه ضد الجهات المعنية. كما تعمل على استثمار الكفاءات، وإيجاد فرص العمل، وتوفير سبُل العيش الكريم لغير القادرين على العمل. وصولاً إلى السؤال الحاسم: ولماذا لا يكون ذوو التحديات الخاصة فى مناصب صنع القرار؟!
أعضاء جمعية «أصدقاء ذوى الاحتياجات الخاصة» لم تختبرهم الحياةُ بتحدٍّ أو إعاقة، على إنهم يقومون بمساعدة مَن اختبرته الحياةُ بمحنتها. إذْ يرونه شخصًا إيجابيًّا وقادرًا على الارتقاء بالعالم. ينظرون إليه بعين الاحترام لا بعين الشفقة والحزن. نظرة الاحترام والإكبار تلك فى عينيك ستجعله يبذل أقصى ما لديه كى لا يخيب ظنك به.
تهدف الرابطةُ، إذًا، إلى رسم صورة مشرقةٍ وإيجابية للمعاق، وتصحيح أفكار سلبية استقرّت فى أذهان الناس حول المعاق حركيًّا أو ذهنيًّا. وتطالب الرابطةُ وسائلَ الإعلام بالكفِّ عن تقديم تلك الصورة السلبية للمعاق بوصفه شخصًا منكسرًا منهزمًا، وكذا الكفّ عن تصوير المجتمع المحيط بهم بوصفه مجتمعًا من الأشرار غلاظ القلب، فكلتاهما صورة زائفة تناقض الواقع كما تتناقض مع ما يجب أن يتم الإعلام عنه.
يحلمون أن تغدو رابطتُهم منظمةً وطنية منبثقة عن الجامعة الأردنية تهتم بشؤون المعاق فى جميع أنحاء المملكة، تتعاون مع المنظمات الدولية والرسمية والشعبية، وتضم أعضاءً من جميع أنحاء الوطن العربيّ. كما تحلم الرابطةُ أن يروا المُعاقَ حاضرًا فى كافة الميادين، وألا تشكل إعاقته مانعًا للعمل، إنما هى سبب يدعوه لأن يقول: «أنا أستطيعُ، والناس تحبُّنى».
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة