تساؤل بسيط، أريد إجابة شافية عنه.. إذا تنافس شخصان أحدهما مصرى والآخر ينتمى لإحدى الدول العربية الشقيقة، وقدم كل منهما أداءً جيدًا فى عمله، لم يخرج عن المألوف أو المعقول، بذل ما فى وسعه، فإلى من ننحاز عند التقييم؟
هل ننحاز للمصرى لانتمائه للبلد الذى ولدنا وتربينا فيه دون النظر إلى مستوى عمله، أم ننحاز إلى الآخر حتى لا نتهم بعدم الشفافية فى أحكامنا بغض النظر عن مستواه؟
وحتى لا أكون غامضًا، وحتى لا أتهم بالرمزية غير المفيدة، والإيماءات المجهدة للذهن، سأتحدث بصراحة.. فى كأس القارات الذى انتهت أحداثه مؤخرًا، تواجد فى الطاقم المسئول عن التعليق على مباريات البطولة براديو وتليفزيون العرب ثلاثة مذيعين مصريين وهم محمد الكوالينى وعصام عبده وبلال علام، بالإضافة إلى غيرهم من المعلقين العرب المُتألقين مثل عصام الشوالى وحازم الكاديكى وغيرهما، كل من الأسماء المذكورة علق على المباريات بطريقته الخاصة التى تعبر عن شخصيته وثقافته وأيضًا عن انتمائه.
انتهت البطولة، وبدأت وسائل الإعلام المصرية، تتحدث عن الحماسة الشديدة التى علّق بها الشوالى على مباراة مصر والبرازيل، وكذلك عن الروح الجميلة والانفعال المحمود الذى بدا على الكاديكى أثناء تعليقه على مباراة مصر وإيطاليا، وتناسى الجميع أن هناك ثلاثة أسماء مصرية علقت على مباريات المنتخب، تناسى البعض بلال علام الموهبة الصارخة التى عبرت عن نفسها بقوة وخلال فترة طويلة، وكذلك عصام عبده بمصطلحاته المتميزة وخفة دمه غير المعهودة، وكذلك الكوالينى بتحليله للمباريات وجرأته المعروفة عنه.
أخذ الجميع يشيد بالشوالى، وهذا حقه كأحد أساطير التعليق العربى فى الفترة الأخيرة، وصاحب الحنجرة الذهبية كما يسمونه، وكذلك أشادوا بالكاديكى الذى كاد يُبكى كل من سمع تعليقه على هدف مصر فى مرمى المنتخب الإيطالى بطل العالم، أما الثلاثى المصرى «علام وعبده والكوالينى» فلم ينالوا ولو كلمة إشادة واحدة، وكأنهم «نكرة» أو بالعامية كأنهم «وقعوا من قعر القفة» لا نصير لهم ولا مشيد بأدائهم!!
وتنافس البعض فى إثارة الحساسيات بصورة غريبة، فطالبوا بمنح الجنسية للمعلقين العرب، وتكريمهم بصورة علنية على ما فعلوه أثناء تشجيعهم للمنتخب المصرى، فأفسدوا من حيث لا يشعرون، فالمطالبة بمنح الجنسية المصرية للمعلقين أثارت حساسية شديدة لأنها، وإن كانت تحمل معنى الأخوة والتكريم والإشادة، فهى فى الوقت نفسه تحمل معنى الفرقة وترفع نبرة الاستعلاء بين الدول العربية الشقيقة، وكان الأولى بهم التأكيد على أن ما فعله المعلقون العرب أثناء مباريات مصر، يؤكد أن الحدود التى تفصل بين الدول العربية، حدود وهمية فصلت بينهم على الورق، ولم تفصل بينهم على أرض الواقع كأخوة متحابين متآلفين.
فاصل أخير
أنا لا أنتقص من قدر أحد، ولا أقول إن فلانا المصرى خير من فلان التونسى أو الليبى أو السعودى، كل ما أريد أن أوصله، هو أن إعلامنا فى مصر أحيانا أو كثيرًا ما يتعامل مع الأمور بمنطق غريب، منطق تشتم منه رائحة المجاملة وعدم الموضوعية، منطق يشعل الفتنة لا يخمدها ويخلق فواصلا لا نريدها أو نتمناها.
أؤكد أخيرًا، أن عدم الإشادة بالمعلقين المصريين الذين علقوا على مباريات البطولة، يعكس أولاً عدم الموضوعية، وثانيًا عدم الاحترام والتقدير، وثالثًا عدم الثقة فى إمكانات كوادر تحناج الدعم والمساندة.