قد يكون القاتل كارها للإسلام أو مجنونًا أو معاديًا للسامية، أو يكون الثلاثة معا، ولكن ما هو ذنب ألمانيا؟، فالمجرم ليس ألمانيا أصيلاً، والضحية أيضا، ومع هذا يسعى قطاع كبير من الإعلاميين، الورقيين والفضائيين، للثأر من ألمانيا «النازية»، التى زعم قادتها أن ما حدث حادثا فرديا، وأن مؤامرة «كونية» تحاك ضد الحجاب، ووصل الأمر إلى الهتاف مع المتظاهرين «يا ألمانى يا خسيس دم مروة مش رخيص» وهناك من قال: «لو كان المعتصم بيننا لوجدنا جيوش المسلمين تحاصر فرانكفورت»، قاتل الشهيدة مروة الشربينى عنصرى ومجرم، والضابط الذى ضرب زوجها لايقل عنه، ولكن ألمانيا دولة عريقة ومتحضرة، ومثلما طلب مواطنوها البوليس لأن عنصريا تطاول على سيدة مسلمة مسالمة، وتمت جرجرته فى المحاكم، ستتم محاكمته لأنه طعن الضحية وكانت النية مبيتة، وسينال لا شك أقصى عقوبة، ولكن ما يحدث عندنا يشجع على الشقاق بين المسلمين ومجتمعاتهم الغربية، بطريقة لا تفيد الإسلام ولا المسلمين، ويفتح الطريق أمام عداوات مفتوحة..
منتصر الزيات مثلاً استدعى كلام نصر واصل فريد فى الدستور وقال إن المسئولية تقع على عاتق «العلمانية القذرة فى مؤسساتنا الثقافية، وسيادة فكرة الفصل بين الدين والدولة على المسئولين بوزارة الثقافة» وربط بين اغتيال مروة وحصول سيد القمنى على جائزة الدولة ومن قبله بالطبع حلمى سالم!، واعتبر عبدالعظيم الباسل فى «الأهرام» أن الحادث البشع كشف زيف الحضارة الأوروبية التى تتغنى بالحرية واحترام الآخر ونبذ العنف والتعصب وأكد أيضا أنها لا تعرف التحضر، فى الوقت الذى قالت فيه مستشارة الرئيس الأمريكى داليا مجاهد المحجبة للأهرام أيضا إن غالبية الشعب الأمريكى ليس سيئا مع المسلمات، وأنه لا توجد مؤامرات ضد البعض بسبب الدين، وأنها حصلت على أفضل فرص عمل، وأن القانون يحمى المحجبات، لأن هناك قانونا يحمى حرية التدين، وترى «أن التحدى يكمن فى تفكير المسلم أكثر مما هو خارج هذا التفكير»، نحن فى بلادنا ننظر إلى من يخالفنا الدين على أنه أقل شأنا وأن عليه أن يرضخ لشروط الأغلبية، ووصل بنا الأمر (بثقة وقوة) لأن نطالب الغرب بأن يرضخ هو الآخر!.
المرأة هى التى ترتدى الحجاب وهى صاحبة القرار، ويزعجنى الذين يهاجمون الحجاب، والمرأة حرة أيضا فى عدم ارتدائه، وقراءة الحدث البشع على أنه موقف من الحجاب هو موقف قاصر، واعتبار الشهيدة «شهيدة الحجاب» هو تأكيد للعزلة واختصار مخل لصراع فى أذهاننا نحن، ولا ينكر أحد أن اليمين المتطرف فى ألمانيا التى يبلغ تعدادها 82.21 مليون نسمة يستهدف الأجانب (6.73)، كل الأجانب وليس المسلمين فقط، لأنه يعتبرهم «يسرقون» فرص عملهم، ويرهقون ميزانية الدولة، ومدينة دريسدن التى شهدت المأساة تقع فى حدود ألمانيا الشرقية (سابقا)، وهى المنطقة التى صعد فيها النازيون الجدد، والتى وصلت معدلات البطالة بها إلى 13.1 % مقارنة بـ8 % لعموم ألمانيا، وهى منطقة مليئة بأمراض الماضى والحاضر فى وقت واحد.
إن الغضب الذى اجتاح الشارع غضب محمود والجريمة لا شك مؤلمة، ليس فقط للمسلمين ولكن لأى شخص عنده دم، ولا شك أيضا أن تواطؤا ما حدث ضد الضحيتين، ولكنه ليس مؤامرة ضد الإسلام، ومحاولة استثمار مشاعر الغضب للترويج للحجاب السياسى هو قمة الانتهازية، وإبعاد الناس عن المشاكل الرئيسية فى الداخل، وعجز تيارات الإسلام السياسى عن تقديم حلولٍ واقعية فى الواقع، ولو تم حشد الناس بهذه العاطفة من أجل تطوير التعليم والمستشفيات مثلا لما كان حالنا كما هو الحال، ونحن لا نبحث عن عداوات جديدة، وعلينا أن ننتظر حكم المحكمة، ونقدم التعازى لأسرة شقيقتنا الشهيدة، ونحترم حرص المسئولين المصريين على الابتعاد عن التعميم والامتناع عن الإطلاق الجزافى للاتهامات بحق مجتمع بأكمله كما قال عمرو حمزاوى فى الشروق، مروة ضحية العنصرية فى ألمانيا، كما كان الألمان الذين قتلوا فى الأقصر والتحرير وسيناء ضحايا الإرهاب فى مصر.