حامد عبد الصمد

دم مروة ضحية تجارة الخوف فى ألمانيا وتجارة الغضب فى مصر

الخميس، 16 يوليو 2009 01:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄الشهامة ونجدة الغريب ليست من خصال الألمان.. والإعلام الغربى رسم صورة مرعبة لمخزون العنف فى المجتمعات الإسلامية

أعلم أن ما سأكتبه لن يعجب الكثيرين، لأننى لست من المطالبين بالثأر ولكنى فقط أحاول أن أفهم ما حدث، ومع ذلك فإن فهم الشىء لا يعنى بالضرورة تبريره!.

تألمت كثيراً حين سمعت نبأ مقتل مروة الشربينى بإحدى قاعات العدالة بألمانيا، ذلك البلد الذى أعيش فيه منذ 13 عاماً دون أن أدرى تماماً ان كان أهله عنصريين أم لا، تألمت عند سماع الخبر ولكنى لم أتعجب، بل تعجبت أن مثل هذا الحادث لم يحدث من قبل بهذه الصورة البشعة، رغم أن تجارة الخوف من كل ما هو عربى أو مسلم تجارة رائجة ورابحة فى ألمانيا منذ أحداث سبتمبر 2001، خاصة منطقة شرق ألمانيا التى وقعت فيها هذه الجريمة، تشتهر بمعاداة الأجانب حيث إنها حديثة العهد باستضافة أصحاب البشرة الداكنة، فقد ظلت 40 عاما مغلقة خلف سور برلين وغارقة فى حلم شيوعى ساذج أفاقت منه على كابوس إفلاس دولة ألمانيا الشرقية، ومازالت هذه المنطقة - حتى بعد عشرين عاماً من إعادة توحيد ألمانيا - تعانى من مشاكل اقتصادية كبيرة ونسبة بطالة عالية مما مهد الطريق أمام أنصار النازيين الجدد للترويج لفكرة أن كثرة الأجانب هى السبب وراء وضعهم الاقتصادى المتدنى.

قد يكون هذا الخوف هو أيضاً نتاج صورة مرعبة يرسمها الإعلام الغربى بقصد أو بدون قصد عن مخزون العنف فى المجتمعات الإسلامية، فلا يمر يوم واحد دون خبر عن إرهابى مسلم يفجر نفسه فى العراق أو باكستان، أو سائحين مختطفين فى اليمن أو قراصنة بحار من الصومال يحتجزون سفينة صيد.. وهكذا، الخوف وعدم الثقة بالمسلمين يحتقنان داخل الكثير من الألمان، وهذا الخوف هو أيضاً وليد مخاوف الألمان من تاريخهم منذ القرون الوسطى ومحاكم التفتيش مروراً بالحروب الدينية الضارية بين الكاثوليك والبروتستانت ثم الاجتياح العثمانى لأوروبا وانتهاء بألمانيا النازية وجرائمها أثناء الحرب العالمية الثانية، الألمان يخافون بالحقيقة من أنفسهم فى المقام الأول، ولكنهم يعكسون هذا الخوف نحو المسلمين، فيرون فيهم ما كانوا هم بالماضى أو ما يخافون أن يصبحوا من جديد فى المستقبل.

كل هذا الخوف وسوء الظن والكراهية احتقنت عبر السنوات وتراكمت فى نفسية شاب ألمانى عاطل من أصل روسى فشل فى أن يجد حلاً لمشكلاته فراح يعكسها على الآخرين ويجعلهم وحدهم المسئولين عن ورطته، ضاقت به السبل فسقط فى عزلته ووقع فى شباك نظريات المؤامرة، وأخيراً صب جم غضبه على من لا يستحق، قصته تشبه قصة أى متطرف مسلم فى الغربة عجز عن الاندماج فتوجه للكراهية والعنف، ولكن لو كان هذا العنصرى قد ضرب أحد المسلمين المتطرفين، لقلنا «متطرف ضرب متطرف»، ولكن مروة كانت مثالاً حياً أنه ليس كل من يرتدى الحجاب متطرفا أو أصوليا.

والمكان الذى وقع فيه الحادث له رمزية كبيرة، فمروة لم تصفع أو تسب هذا الـ«ألكس» عندما وجه اليها شتائمه العنصرية، بل لجأت للقضاء الألمانى لأنها تثق به، ولأنها كانت تعلم جيداً أنه لو كان كل الألمان عنصريين لما حصل زوجها على منحة دراسية من هذا البلد ولما عملت هى كصيدلانية هناك، وهذا القضاء الألمانى لم يخذلها فى البداية وعاقب المتهم بغرامة مالية وسماه وكيل نيابة دريسدن «عنصرى معاد للإسلام»، ولكن شاءت الأقدار أن تسقط مروة غارقة فى دمائها فى المكان نفسه الذى استغاثت به وانتظرت منه العدل، لم يسعفها أحد فى قاعة المحكمة فى حين كانت ثمانى عشرة طعنة غادرة تخترق جسدها الهش، الدافع وراء هذه الجريمة كان بلا شك عنصريا ولكن سبب تخاذل من كانوا بالقاعة ليس كذلك - على حد تقديرى، بل إن الجبن واللامبالاة هما السبب، فالشهامة ونجدة الغريب - وهى فضائل نعتز بها فى الشرق - ليست من خصال الألمان، فقد اعتادوا أن يتفرجوا على المشاجرات حتى تأتى الشرطة.

ولكن الموضوع أكبر من مجرد سوء تفاهم، انه تاريخ طويل من سوء الظن والخوف من الآخر، ولكن إذا كانت تجارة الخوف رائجة فى أوروبا، فإن تجارة الغضب أروج منها فى مصر، وكأننا ننتظر مثل هذه الحوادث المؤلمة من حين لآخر كى نصب غضبنا على الغرب، يؤلمنا ويحزننا الكثير فى داخل بلادنا، ولكن لا يحرك عواطفنا شىء أكثر من إهانة يوجهها الغرب لنا، بالطبع فإن الغضب رد فعل طبيعى ومفهوم على مثل هذه الفاجعة، ولكن المزايدات والمطالبة بعقاب جماعى لكل ألمانيا ومقاطعة بضائعها ليست إلا دليلاً على قلة حيلتنا وعدم فهمنا لأبعاد هذه الكارثة، ألا نتذكر أن عدداً كبيرا من الألمان قتلوا فى مصر أكثر من مرة فى هجمات إرهابية على السائحين، ولكن لم يطالب أحد فى ألمانيا حينها بمقاطعة مصر أو بوقف السياحة إليها؟.

أريد أن أسلك الطريق نفسه الذى اختارته مروة وهو المطالبة بالعدالة، ولكنى للأسف أرى أن الكثيرين فى مصر يفضلون أن يسلكوا طريق المتطرف الروسى: العزلة ونظريات المؤامرة وصب الغضب الجماعى على من لا يستحق، وذلك للهروب من مشاكل أخرى ليس لها أدنى علاقة بمروة وقضيتها.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة