حتى تكون طبيبًا ماهرًا، أو مهندسًا بارعًا، تحتاج أن تتعلم أولاً أصول مهنتك، قبل أن تبدأ العمل على أرض الواقع، والفجوة بين ما تعلمته وبين ما تنفذه ستنتهى بالممارسة والخبرة.
وفى كرة القدم، لا يُعقل أن تكون لاعبًا مُحترفًا دون أن تعرف منذ نعومة أظفارك طبيعة المهنة التى تنتمى إليها، ودون أن تتعلم أبجديات الاحتراف، وحقوقك لدى النادى الذى تلعب له وواجباتك تجاهه.
ولأننا فى مصر، نعيش حياة لا تكتمل فيها معانى الألفاظ وتُشوه دلالاتها، فالاحتراف عندنا معناه مختلف عن كل دول العالم، يحصره اللاعبون فى المطالبة بمقابل مادى مرتفع عند توقيع عقودهم، ويحصره المدربون فى انتقاد اللاعبين عند تأخرهم عن موعد التدريبات أو عدم الالتزام بتعليمات الجهاز الفنى، أما الاتحاد المنظم للعبة فلا يذكره إلا عند الحديث عن عدم التزام الأندية بالقواعد التى يضعها.
كل يرى نفسه محترفًا، ويرى الآخر هاويًا، وفى الحقيقة كلهم بعيدون أشد البعد عن الاحتراف، الاحتراف كمنظومة فى كرة القدم أو غيرها من الرياضات تحتاج إلى العلم أولاً، علم بقواعد وطبيعة الرياضة التى تُمارسها، وتحتاج إلى التفرغ التام لممارسة هذه الرياضة ثانيًا، وتحتاج ثالثًا إلى مقابل مادى جيد يضمن لهذا المحترف حياة كريمة.
وبدون علم وفهم وتفرغ وبدون مقابل مادى جيد, سيكون الاحتراف بلا معنى، سيكون منقوصًا مبتورًا مشوهًا، كالأعرج يسير على عكازين، يطلب من الجميع مد يد العون له لمساعدته، سيروح ويجىء ويكتشف فى نهاية المطاف أنه لم يتقدم خطوة واحدة للأمام.
منذ 20 عامًا، كان النداء الأول لتطبيق الاحتراف فى مصر، احتراف الإدارة واللاعبين، والآن وبعد مرور زمن طويل، نأتى لنُقيّم التجربة، فنكتشف أننا لم نخط خطوة للأمام، بل على العكس تراجعنا للوراء كثيرًا.
فى مصر، ندعى الاحتراف، والإدارة التى تقود المنظومة هاوية، إدارة لا تتقاضى مليمًا واحدًا بصفة شرعية من عملها، إدارة تقول فى العلن نعم للعمل التطوعى، وفى الخفاء الله أعلم.
العقل، والمنطق يقودانا لسؤال بديهى، هل يُعقل أن يقوم أفراد بإدارة شئون لعبة يُمارسها الآلاف، ويتابعها الملايين دون أن يتقاضوا أى مقابل مادى، وهل يعقل أيضاً أن يتركوا أعمالهم ومصالحهم من أجل لا شىء،هذا عن الإدارة، أما اللاعبون، ففى نموذجنا الاحترافى المصرى «البديع»، يفعلون كل شىء قد تتخيله، يغيبون عن التدريبات، ويهاجمون الأجهزة الفنية، يسبون الجماهير ويدخلون فى خلافات معهم، وفى النهاية يدّعون الاحتراف، فى النهاية يطالبون بالملايين كل عام.
اللاعبون أيضاً فى مصر، النجوم المحترفون الأفذاذ، يجهلون اللوائح، فتجد أحدهم يوقع لناديين فى وقت واحد، أو يوقع عقدًا بقيمة مالية محددة ويتقاضى أعلى منها، ثم يخرج على الملأ ويعترف بذلك.
والمدربون عندنا يشتركون بقدر كبير فى هذه المنظومة الغريبة، فاختياراتهم مبينة فى كثير من الأحيان على الحب والكره، وعلى من قال ومن فعل من اللاعبين، وفى بعض الأحيان يتجاوزون ذلك، فتجد مُدربًا شهيرًا، يتفق مع اللاعبين على الحصول على جزء من المكافأة الخاصة بالفوز، ومقابل ذلك يشركهم فى المباريات.
فاصل أخير
سيظل الاحتراف غائبًا عن الكرة المصرية، حتى يتجرعه اللاعبون وهم فى سن صغيرة، حتى يتذوقوا طعمه وهم فى بداية مشوارهم الكروى، ودون ذلك ستكون كل المحاولات فاشلة بلا قيمة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة