لم أجد إجابة عندما سألنى صديق إعلامى «هى المشكلة فينا وللا فى اللى بيحكمونا؟» كان عائدا لتوه من إجازة ليريح أعصابه فرضاً، ولكنه لم يتخلص من حالة الاجهاد النفسى والعصبى الذى يسببه، من وجهة نظره، كل ما يواجهه يومياً من انفلات من تصرفات كل من حوله، تساءل: «زمان كنا فى مصر بنختشى الله ونختشى القانون ونختشى نظرة الناس لنا، ليه النهاردة مافيش حد حاسس إنه له كبير؟ ليه ماحدش بيختشى؟» حاول أن تُحصى عدد المرات التى تتعرض فيها يومياً لمواقف «تعكنن» عليك، من المواقف الصغيرة التافهة إلى المشاكل الكبيرة، تعودنا مُجبرين ألا نتوقف عند الكثير منها و«نعديها» حتى يمر اليوم بسلام..
بالأحرى، بالقدر الأكبر من السلام، يتساوى فى ذلك الشعور الغنى والفقير باختلاف المواقف وبالاحتفاظ لمن يعيش ظروفا حياتية قاسية للأسف، بنصيب أكبر من هذه المواقف، إن كنت تركب الأتوبيس العام، فكم مرة أعطاك زميلك فى المواطنة «كتف» وأنت نازل من السلم دون أن يلتفت إن كنت ستسقط تحت عجلة الأتوبيس الذى لا يشغل سائقه هو الآخر باله بأن يتوقف تماماً حتى يخرج الركاب سالمين؟ وان كنت فى سيارتك المتوسطة أو الثمينة، كم مرة يتخطاك زميلك على الصحراوى بأقصى سرعة ويكسر عليك دون أن يأبه بحياتك أو حياة أولادك أو حياته هو نفسه؟ تشترى بعض الجبن والعيش من بقال صغير فينصب عليك صاحبه فى اثنين أو ثلاثة جنيه تؤذى ميزانية قوت أطفالك أو تشارك أحد معارفك فى عمل خاص فينصب عليك فى آلاف الجنيهات هى شقا عمرك؟ تفتح باب محل خارجاً منه فتصيب طفلا لا يتعدى طوله خمسين سنتيميترا وتشعر بالذنب بالرغم من أنك لم تره إلا أن أمه تقف على بعد عشرات الأمتار تتحدث فى الموبايل وتؤنبك، تقف فى أى مصلحة منتظرا دورك فى احترام فيقفز أحدهم أمامك من حيث لا تدرى وكأنه الوحيد المشغول وأنت مواطن فاضى، فإما أن تعنفه وتتخانق وتحرق دمك أو تتركه من أجل السلام فتحرق دمك أيضاً، ولدى كل قارئ لهذه السطور عشرات المواقف الأخرى الأكثر سخافة وعكننة أو الأكثر قسوة وضررا، فى النهاية، إذا نظرت للسبب وراء هذه المواقف من أتفهها إلى أكبرها «وأنا هنا لا أساوى بينها فى الضرر» ستجد أنه لا أحد يختشى ولا أحد يشعر أن له كبيرا، حالة من اللامبالاة الجماعية ساهمت، مع أسباب أخرى كثيرة، وضع خطا تحت كثيرة، فى شعور معظمنا بضيق عام وإحباط، وتبقى الإجابة فى دائرة مفرغة على السؤال: هل اختفت كلمة اختشى يا بنت واختشى يا راجل من شوارع وحارات مصر فتغيرت الشخصية المصرية فى اتجاه اللامبالاة لحق الآخر والعنف أحياناً ضد الآخر فأصبح من يحكموننا فى ورطة؟ أم أن من يحكموننا هم أيضاً فى حالة لامبالاة لحق الآخر والعنف ضده فأصبحنا جميعاً فى ورطة؟.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة