إن الحوار الدائر على صفحات جريدة اليوم السابع من خلال موقعها الإلكترونى بين الأستاذ سعيد شعيب والأستاذ هانى صلاح، لهو نوع من الحوار الراقى الذى نفتقده داخل الأوساط الفكرية فى هذه الفترات التى أصبحت المناقشات الفكرية فيها هى نوع من المعارك الحربية التى لا سلاح فيها إلا الاتهام بالعمالة والتخوين والرمى بالجهالة. هذا الحوار الراقى لهو الحوار المفقود داخل الأوساط الثقافية الآن.
ولا أريد أن أدخل إلى دائرة الحوار ولكنها محاولة لفض الاشتباك بين مشروع الدولة الإسلامية والدولة الوطنية.
فالدولة الإسلامية هى إسلامية فقط لا دينية؛ بمعنى أنها لا مكان فيها لرجال الدين إلا باعتبارهم رجال الشريعة التى تحكم الدولة، ولا مكان فيها للكهنوتية ولا يحكم فيها باسم الله ولا نيابة عن الله، إنما هى أحكام الإسلام. يطبقها بشر جائز فيهم الخطأ والصواب، والاختلاف بين الدولة ومواطنيها جائز، على أن يظل داخل الثوابت العقائدية.
والدولة الوطنية أو المدنية هى دولة مدنية فقط، ليس للدين أى دور فيها إلا حسب اعتقاد المواطن نفسه وعلاقته بخالقه، داخل المسجد أو الكنيسة أو غيرها وعلى الدولة المدنية أن تمنح مواطنيها حرية الاعتقاد حسب ما يشاء وحتى لو كانNO Religion كما يقول الغرب، بمعنى أن فصل الدين عن الدولة فى الدولة المدنية حق من حقوقها، كما أن ربط الدين بالدولة فى المشروع الإسلامى هو حق من حقوقها أيضاً.
إن هذا التداخل بن الدولة الإسلامية والدولة المدنية فى كثير من الأحكام والأطروحات بين كل من المشروعين هو السبب الرئيسى فى الصراع القائم حول عدد من الأحكام والقوانين منذ منتصف القرن الماضى وإلى الآن أو للدقة العلمية إن هذا الصراع لم ينفك منذ سقوط الخلافة العثمانية وإعلان الدويلات الوطنية داخل العالم الإسلامى.
ولا أدعى أننى أستطيع فض هذا الاشتباك فإن هذا ما لا يستطيع القيام به أولى العصبة، وهذا ما فشلت فيه كثير من المشروعات الحضارية التى حاولت الجمع بين المشروعين الإسلامى والمدنى. وهذا ما حاولت جماعة الإخوان المسلمين القيام به خاصة فى مشروع برنامج الحزب الخاص بها الذى نشر منذ فترة على صفحات الجرائد. ولكن التناقض داخل البرنامج كان واضحا، فكان يبدو وكأنه برنامجا حداثيا يدعو إلى دولة وطنية ومدنية وديمقراطية، ولكن سرعان ما يظهر التناقض حينما يتبين لنا أن البرنامج يؤكد على الطابع والمرجعية الدينية الإسلامية لمثل تلك الدولة المنشودة.
وكانت مجمل الأفكار التى احتوى عليها البرنامج هى نفس الأطروحات والأفكار التى يدور حولها هذا الصراع الفكرى والسياسى داخل العالم الإسلامى.
وباستعراض بعض هذه الأفكار والأطروحات والتى كانت مثار جدل ونقاش داخل المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة نجد مثلاً:
1: الفصل بين السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية. هذه السلطات لها تأصيل كبير داخل النظام الرأسمالى الغربى وبالطبع الفصل بينهما لابد منه، لأنه لها دور سلطوى ترتكز عليه وتمارس دورها من خلاله، فالسلطة التشريعية تستند إلى انتخاب الجماهير لها وهو الذى أعطاها الحق فى ممارسة دورها التشريعى والرقابى وبالمثل فى باقى السلطات.
لكن فى الدولة الإسلامية: فلا يوجد أولا مثل هذه السلطات؛ فالسلطة التنفيذية ممثلة فى الإمام أو رئيس الدولة تستند إلى البيعة أو الانتخاب، وهى التى تعين القضاة وعلى ذلك ليس لهم سلطة لأنهم مجرد موظفين فى الجهاز الإدارى للدولة، بل كان الحكام أو الوزراء يمارسون عمل القضاة فى بعض الأحيان. وبالتالى لا يوجد فصل بينهما لأنهم ليس سلطات مختلفة. أما السلطة التشريعية بمفهومها الحديث، فممثلة فى النظام الإسلامى فى مجلس الشورى. وهو مجلس دليله الوحيد الفعل النبوى فى اتخاذ النبى صلى الله عليه وسلم عددا من الصحابة فيما يشبه مجلس نيابى للمشورة والرأى فقط، مجلس الشورى هذا لا يناقش تشريعات، فهو لا يتكلم إلا فى المباحات فقط وله سلطة رقابية على عمل السلطة التنفيذية، لكنه ليس له عزل الحاكم فهى ليست من سلطاته. أما سن القوانين فهو من اختصاص رجال الفقه والشريعة وإن اختلفوا فالقاعدة الشرعية تقول (رأى الإمام يرفع الخلاف) ومازال إلى اليوم هناك اختلاف بين أصحاب المشروع الإسلامى أنفسهم هل الشورى ملزمة للحاكم أم غير ملزمة.
"2" تولى المرأة رئاسة الدولة
لا يوجد نص فى الدولة المدنية يمنع أن تتولى المرأة رئاسة الدولة، فالقانون المدنى لم يميز بين الرجال والنساء فى تولى الوظائف حتى رئاسة الدولة، لكن فى النظام الإسلامى توجد نصوص تمنع ذلك، ولا نريد تأويل هذه النصوص لكى تناسب الدولة المدنية، فلكل نظام أحكامه وقوانينه.
"3" الأقباط
أولاً: بالنسبة لتولى الأقباط رئاسة الدولة الوطنية فلا يوجد ما يمنع ذلك، فالمواطنة هى أساس التعامل فى الدولة، ولا مكان فيه لديانة الفرد أو معتقداته، مادام يتمتع بجنسية الدولة، فكون القبطى يتولى رئاسة الدولة أو غيرها من مناصب الحكم فهذا من الأسس الذى قامت عليها الدساتير فى الدولة المدنية.
لكن فى النظام الإسلامى هناك نصوص تقيد تولى رئيس الدولة شخص غير مسلم، نظراً لأن عليه واجبات لا يستطيع أن يقوم بها إلا المسلم فهو المنوط به نشر الإسلام من خلال الدعوة والجهاد وتطبيق أحكام الإسلام وهذا لابد فيه من مسلم.
والثانى: هو مصطلح "أهل الذمة": لا يستساغ فى الدولة المدنية أن تقول أهل ذمة على أصحاب الديانات الأخرى غير الإسلام، فالدولة المدنية يتمتع كل رعاياه بحق المواطنة، ولكل المواطنين نفس الحقوق والواجبات. لكن فى الدولة الإسلامية فهو مصطلح متأصل داخل الفقه الإسلامى ويبنى عليه حقوق معينة ووجبات محددة وسيكون من العبث الفكرى محاولة تأويل المصطلح ليناسب الدولة الحديثة فلا أرى أى داعى لهذا فى الدولة الوطنية.
هذه بعض الأمثلة التى دار حولها الصراع فى التوفيق بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية. وهو جهد ضائع لأن المشروعين على النقيض من بعضهما، ولذلك كان من التناقض الصارخ فى مصر هو الجدل الدائر حول هذه الموضوعات، وطلب رأى علماء الدين فى تولى المرأة رئاسة الدولة والقضاء، وحقوق أهل الذمة وغير ذلك، فرأى الدين هنا فى غير محله، فالواقع ليس إسلاميا لكى تطلب له رأياً إسلاميا. إن الدولة المصرية دولة وطنية، وأما المادة الثانية من الدستور التى تنص على إسلامية الدولة ليست إلا كلمات فى الدستور لم تنزل أبدا إلى التطبيق، فقد فرغت من محتواه من قبل أن تكتب فاشتراكية عبد الناصر لم تكن إسلامية، وديمقراطية السادات لم تكن إسلامية.
وليتحرك أصحاب المشروعات الحضارية فى طريقهم وسوف يترك الحكم فى النهاية للشعوب تطبق ما تراه مناسباً لدينها ودنياها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة