لو فقدت حقيبة يد أو ساعة فتش عنها فى الإنترنت. لو ضاع حذاؤك ابحث فى جوجل، ولن يكون مستغربا أن ترى إعلانات «عيل تايه ياولاد الحلال» على مدونة، أو رسالة بريدية.
وكل منا يتلقى يوميا عشرات وربما مئات الإيميلات تقدم له أخبارا وشائعات، وعروضا للبيع أو الشراء أو العمل من المنازل. وطبعا أنتم مثلى تلقيتم مئات الرسائل على البريد الإلكترونى، من رجال أو نساء يحدثونك عن والدهم المصرفى الكبير الذى توفى وترك ثروة طائلة فى بنك أفريقى، وما عليك إلا أن تعطيه رقم حسابك وخمسين دولارا، لتصبح مليونيرا تشاركه الثروة الافتراضية. العادى ألا تصدق ذلك لكن غير العادى أن تجد من يصدق ويقع فى فخ النصب بالإيميلات.
الإنترنت هو أكثر مخلوقات الله إثارة، وأعظم ابتكارات البشر تناقضا، وأسرع وسيلة اتصال عرفها البشر منذ عصر هدهد سليمان. يقدم الكثير من المعلومات والكثير من الشائعات والأكاذيب. هو مكان للطيبين والخيرين، وأيضا للنصابين واللصوص وعصابات التهريب وغسيل الأموال والمواقف. ومن أكثر المواقف إثارة الأسبوع الماضى، عندما تلقيت مع كثيرين رسالة «على البريد الإلكترونى» تقدم لى حيثيات حكم محكمة الجنايات بإعدام هشام طلعت مصطفى والسكرى. تصورت أن المحاكم المصرية تطورت لدرجة أن ترسل للمواطنين حيثيات الأحكام على إيميلاتهم الشخصية، وتنضم إلى المستشفيات ومعامل التحاليل التى ترسل للمريض نتائج التحاليل بالإيميل.
رسالة الحيثيات بدت مثل الحقيقية، لكنها تثير شكوكا لدى الشخص الطبيعى، وعندما اتصل الصحفيون بالمحكمة نفت إيداع الحيثيات فى تصريحات واضحة. الأمر الذى يثير تساؤلا عمن يكون وراء تسريب الحيثيات قبل إيداعها بيومين كاملين. وبدا الغضب على المحكمة وهى تنفى تسليمها. لكن لأننا فى عصر الإنترنت هناك اعتقاد أن تكون الحيثيات ذهبت بنفسها إلى المحكمة قبل أن يودعها القاضى، أو أن هناك من له مصلحة فى نشر ما يسمى حيثيات، لغرض فى نفسه. صحف كثيرة لم تنشر الرسالة الإلكترونية حاملة الحيثيات، لكن بعض مواقع الإنترنت أو الصحف اعتبرتها انفرادا خاصا ونشرتها، حتى لو كانت ذهبت إلى آلاف المواطنين والصحف. صحيح أن المحكمة نفت أنها أودعت الحيثيات، لكن ظل السؤال: من سربها؟ ولماذا؟ وكيف؟
مثل الحيثيات المسربة هناك عشرات ومئات الأخبار تنشر يوميا بلا سند، وأصبحت الإنترنت ساحة لمعارك يستخدم فيها الخصوم كل أنواع الشائعات ليحولوها إلى أخبار، أحيانا تجد طريقها للنشر، تحت رغبة كبيرة فى الانفراد قبل التأكد.
وكانت قضية مقتل سوزان تميم المتهم فيها هشام والسكرى هى أكثر قضية شهدت تسريبات وشائعات، وكل يوم أتلقى فى بريدى الإلكترونى رسائل بعناوين مثيرة مثل: خمس ثغرات تؤكد براءة السكرى، أسرار جديدة فى القضية تنفى ارتكاب المتهمين الجريمة، الرجل الغامض فى دبى، والمرأة البيضاء فى لندن يحلان لغز القضية.
فى كل الرسائل لا تجد معلومات عن المرسل، أو القضية، ولا أسرارا جديدة، وإنما إعادة إنتاج كلام وتصريحات المحامين قبل صدور الحكم، ودفوعهم أمام الفضائيات وليس فى مذكرات قانونية.
ومنذ صدور الحكم عادت خطة النشر بشكل جديد، يشمل إعادة إنتاج نفس القصص والحكايات، من مصادر افتراضية، ربما تراهن على صناعة رأى عام يبرئ المتهمين أو يشكك فى الأقوال والحيثيات، وهى أمور ودفوع يعرفها المحامون والقضاة، ولا شك أنها عرضت أو يفترض أن تعرض أمام محكمة الموضوع، وهى وحدها صاحبة القرار. لكن حاول حتى التشكيك فى المحكمة، ليثير حولها الزوابع، وهو مخطط فشل قبل أن يولد، فظهرت خطط أخرى تستخدم الإنترنت، والبريد الإلكترونى، فى ابتكار حيثيات، أو تسريب أخبار منقوصة.
والمثير أن بعض هذه الأخبار المخترعة، تجد طريقا للنشر، وتقدمها وسائل إعلام إلكترونى
أو ورقى أو فضائى على أنها معلومات وأخبار، وتصريحات وحوارات مع شهود أو متهمين، وتنسبها إلى «مصادر»، مع أن هذه المصادر لا وجود لها إلا فى الإيميلات الغامضة.. التى يكون فيها أحيانا سم قاتل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة