كان يجلس بعيدا فى أحد أركان المطعم الذى يقدم الأطعمة الغربية التى جلبناها من بلاد الفرنجة.. اختار مكانا قصيا خلف أحد أعمدة المطعم يبدو أنه يخشى أن يراه أحد من الرواد.. لم أنتبه إليه إلا بعد وقت طويل.. الرجل ضخم الجثة ويحمل وجهه علامات الطيبة كان خجولا، ربما بسبب لحيته الطويلة.
المؤكد أنه شعر بالغربة فى المكان الذى يقدم الخمور مع الطعام.. بشكل معتاد، توقعت أن يغادر الرجل عندما تقع عيناه على زجاجات النبيذ التى تعانق أضواء الشموع على طاولات الطعام.. لكن لم يغادرنى الفضول الصحفى الذى دفعنى إلى سؤال النادل عن الرجل الذى ربما يكون قد دخل المكان بالخطأ.. لكن المفاجأة أنه زبون دائم فى المكان.
شردت بذهنى إلى أيام الحج قبل عامين عندما كان رجال الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يجوبون الشوارع بأيدهم العصى يطلبون غلق المحلات وقت الأذان.. حتى أننا كنا نشترى ملابس من أحد المحلات فى المدينة المنورة. وفوجئت بصاحب المحل يغلق الباب علينا.. نحن وكل الزبائن.. وعندما سألت جاء الرد.. سيتم فتحه بعد أن يمر المطوعون أو رجال جماعة الأمر بالمعروف.
المهم ظللت أرقب صاحب الذقن الطويلة.. عن بعد وهو يهم بتناول الطعام.. مرافقه المصرى طلب زجاجة من النبيذ الفرنساوى.. لكن المفاجأة أن صاحب الذقن الطويلة بدأ فى تعاطى الخمر معه.. الغريب أنه قبل كل رشفة كان يجول ببصره فى المكان يتحين الفرصة التى لا يراه فيها أحد.. أنغام الموسيقى وصوت المطربة الجميل وعازف البيانو الرائع.. جعل قليل من الخمر يدير الرؤوس.. وبينها رأس صاحب الذقن الطويلة، وبعد وقت قصير وجدته تمايل مع الأنغام الجميلة.. تابعت أنا وغيرى الرجل الذى منحته الخمر كثيرا من الشجاعة التى كانت كافية ليزيد من تمايله.
المهم أن الرجل الذى كان يخشى فى البداية أن يراه رواد المكان ونسى أن الله يراه يحمل الكثير من الازدواجية.. مثل غيره ولا أقصد الكل ممن يطلقون اللحى.. خاصة من التجار الذى يستخدم اللحية فى خداع المتعاملين معه فى تجارته.. وأذكر اننى سقطت ضحية أحدهم قبل سنوات.. عندما أقسم بأغلظ الأيمان أن موتور السيارة المستعملة، التى باعها له كفاءة عالية.. وبعد يومين.. ذهبت إلى متخصص فى صيانة «البيجو».. وما إن شاهد السيارة حتى قال لى.. أنا قلت للشيخ.. إن الموتور يحتاج لعَمرة كاملة. طبعا ذهبت إلى قسم الشرطة وقدمت شكوى ضد الشيخ أتهمه بالغش.. وبعد اعتذاره تراجعت خجلا أمام لحيته التى أطلقها فقط لتكون من أدوات تجارته.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة