سألت أحد الذين عاشوا فى بؤرة الضوء لسنوات وسنوات ثم توارت عنه هذه الأضواء المبهرة وانسحب هو إلى الظل وهو حزين «كيف تجد الآن كل هذه الأضواء واللذة التى أحسست بها آنذاك؟» رمقنى بعيون منكسرة يغلفها الحزن ولاح على وجهه شبح ابتسامة وقال وهو يقرر ما حققه الآن: «قبض الريح».
وسألت رجلا آخر بسيطا بكل معنى البساطة وليس البسيط المشوه بطموحات مادية مدمرة وأحلام هى فى الحقيقة كوابيس: «أنت لم تكن فى مركز الأحداث أو بالقرب منها أو حتى على الهامش- أنت من الناس الذين لا يشعر بهم أحد أو لا يلاحظهم أحد: «كيف تجد مشوار حياتك الآن؟ اندهش من السؤال وقال «باختصار أنا حبيب محبوب نفعت الناس الذين عرفونى ولم أضرهم أسعدتهم وأسعدونى».
شتان بين حياتين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم أنفعكم للناس» وفى حديث آخر قال سيد الخلق عليه الصلاه والسلام: «الدين المعاملة». وهذا يؤكد أن منفعة الناس هى ركن أساسى من الدين وفى السلوك الإيمانى للفرد المسلم وذلك لأن فاعل الخير قد حرر ينابيع الخير فى أعماقه وأشعل شعلة المحبة فى وجدانه وطلب العون من الله فخلصه من الأنانية والبخل والإضرار بالناس. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا ضرر ولا ضرار».
«المحسن «للآخرين يحسن من ذاته أمام نفسه وأمام الناس وأمام ربه سبحانه وتعالى. إن هذا الصنف من الرجال «إن لله رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه» قد نفضوا الطمس عن بصائرهم. إنهم يعلمون أن الله سبحانه يرى ويعلم كل شىء «إنه البصير الحكيم».
وعرفوا أن من بين دعائم مصابيح البيت الداخلى للإنسان هو أن يحب مخلوقات الله إن كان يحب خالقهم وأن يحسن إليهم كما أحسن الله إليه وأن تفريج الكروب وإطعام الأفواه وستر العورات والرحمة باليتيم والمعدم هى من أسباب السعادة فى الدنيا والآخرة وكما أن خيرها يمتد إلى الأبناء والأحفاد. جاء فى الحديث النبوى الشريف: «إن المرء يبعث يوم القيامة فى ظل صدقته» إذن الأفعال الطيبة تقع هنا ولكن مردودها الحقيقى هو فى ساحة الحق والعدل: «فمن عمل مثقال خير يره ومن عمل مثقال شر يره».
إن الفعل الطيب أحلى من العسل وأشفى من العسل يشعر فاعله بجماله فى صدره وبعذوبته فى كيانه كله فيذهب بمرار بعض جوانب الحياة عند الفاعل وعند المتلقى بالإضافة إلى أن «الصدقات تطفئ غضب الرب» والذى لا يغضب عليه الرب فهو فى نعيم.