لاشك ولابد ولا مناص.. يجب أن يشعر المواطن بالفخر لأنه يعيش فى مصر بلد الهرم والنيل والسياسات الاجتماعية المتكاملة.. السياسات معروفة والاجتماعية مفهومة، والتكامل والتفاضل من شئون الرياضيات.
بما يعنى الدخول فى حساب مثلثات وهندسة تحليلية وجذور تربيعية وتكعيبية، تنقل المواطن من الفقر إلى الغنى، ومن العشوائيات إلى السواحل. مضروبا فى خلاط السياسات. بصرف النظر عن النتائج.
هات ورقة وقلما وآلة حاسبة وابدأ فورا فى حساب مكتسباتك من الموازنة ومن الدعم والرعاية التى تحصل عليها فى بلدك مصر، واشكر الحكومة والرئيس ومجلسى الشعب والشورى، والحزب الوطنى، ولجنة الخطة والموازنة. ولا تسأل عن مناسبة، فالمناسبات كثيرة، والتصريحات أكثر.. والمليارات تهبط على رأس المواطنين، فتصيبهم بمزيد من الصدمات العاطفية تجاه الحكومة.
مؤتمر السياسات الاجتماعية المتكاملة، واحد من مؤتمرات عديدة تلتقى فيها الحكومة مع بعضها، وتجمع لها عددا من المتحدثين، يتحدثون «سياستى من تكون». وهى سنة ابتدعها «الدكتور ندواتى الأطرش، نجل الدكتور مؤتمراتى الأخرس». تحولت إلى فرض، وكل يوم نرى أو نسمع عن مؤتمر من أجل «الحاجات التى يجب أن تبدو كما كانت يوما ما».
وللمرة الألف، أعلنت الحكومة اعتماد 4,3 مليار جنيه لتنمية الـ1000 قرية الأكثر فقرا فى مصر، لتوفير ورفع المياه والكهرباء والصرف والصحة.
وقال الدكتور أحمد نظيف أن هذا يمثل نقلة نوعية تنموية، وأن التحولات التى نعيشها تفرض علينا وضع إطار «للسياسة الاجتماعية المتكاملة التى تهدف إلى العدالة الاجتماعية من خلال حماية الفئات المهمشة والضعيفة». ماذا يعنى هذا لساكنى العشوائيات والقرى الفقيرة؟.
يعنى وعودا جديدة برفع مستوى الخدمات، وتحقيق التنمية، وعدالة توزيع ثمار التنمية، يترجم إلى مزيد من الحرمان من الخدمات، ونقص المياه والحرمان من الصحة.. لأن هذا الكلام تردد من قبل فى مناسبات عديدة، ولم يتحقق منه شىء.
وظلت القرى فقيرة وتوالدت العشوائيات، وأنجبت مزيدا من العشوائيات داخل وحول وفوق وتحت القاهرة والمحافظات. فى بحرى والصعيد. ولا يمكن اختصار الفقر فى ألف قرية فقط، لأنه متشعب فى آلاف القرى الأخرى.
بل إن مؤتمر السياسات الاجتماعية نفسه، شهد اعترافا بأن 22 فى المائة من تلاميذ المدارس يتسربون من التعليم للشوارع وأن التعليم الفنى فاشل، وأن الفقراء لا مكان لهم بالتعليم والجامعات، وإن وجدوا مكانا يتخرجون بلا عمل. أين هى السياسات التكاملية الاجتماعية أو التكعيبية؟.
دعك من هذا والتزم بخطوط الرياضيات والهندسة التحليلية، واقرأ ماتبشر به الحكومة، زفّت وزارة المالية للمواطنين بشرى طيبة رائعة، تؤكد ارتفاع معدل النمو، برغم تراجع حركة الاقتصاد العالمى, وتخصيص 84 مليار جنيه للدعم و26 مليارا للمزايا الاجتماعية، يعنى بوضوح تم تخصيص 1375 جنيها لكل مواطن من الثمانين مليون مواطن.. أرقام مفرحة وتدعو للافتخار، لأنها إذا أضيفت إلى المليارات التى وزعتها الحكومة باليمين والشمال، تعنى أن المواطن الواحد حصل على خدمات ودعم ومشروعات وتنمية، تكفى وتفيض على أمريكا وأوروبا وقراصنة الصومال. حتى لو لم يكن قد قبض فى يده أو حتى على قفاه ولا جنيه من هذه المليارات الطائرة.
الحكومة فى مؤتمراتها تقول كلاما باللغة الحكومية الرقمية، يحتاج إلى مترجم رقمى، يحوله من دائرة الافتراضى إلى عالم الواقع. لأن المؤتمرات الرقمية لا ترى بنى آدم من المحرومين والمهمشين الذين تتحدث عنهم، هؤلاء المواطنون الذين يتكون الواحد منهم من رأس وجذع وقدمين، يمرضون ويموتون فى انتظار سياسات تكاملية افتراضية. وجلسات تدور أمام شاشات الحواسب، فى عالم خال من المواطنين.