نشرَ الزميلُ إبراهيم أحمد بلاغًا فى موقع «اليوم السابع»، أصِفُه بالموجع. ليس موجعًا فى المستوى العاطفىّ، بل فى مستوى جرح كبرياء المواطن المصرىّ، والفاعلُ، جهازُ المباحث المصريّة! بلاغٌ تقدّمت به أسرةُ «فاتن رضا عبدالرحمن» إلى النائب العام فى مصر، يطلبون فيه أن تتساوى حقوقُ المواطنةِ المغدورة المصرية «فاتن»، بحقوق المواطنة اللبنانية المغدورة «سوزان تميم»، لدى المباحث المصرية.
فاتن سيدة مصرية قتلها زوجُها الإماراتىّ قبل أربعة أشهر داخل منزله بمصر الجديدة. مزّق جسدَها ووزّعَ أشلاءه على صناديق القمامة، ثم فرَّ من مصر. ذهب مُحتميًّا بثروته ومكانته لدى بلاده ربما. أو ربما، وهنا الوجعُ، محتميًا بكثرة تعداد المصريين جدًّا حتى بات نقصانُ فردٍ أو مليون فردٍ قد لا يحرِّك الأجهزةَ الأمنية المصرية، كما يليقُ بها أن تتحركَ فى مثل هكذا واقعة. قال شقيقُ القتيلة «محمد رضا عبدالرحمن» لـ«اليوم السابع»، إن ثمة تعتيمًا غامضًا وغيرَ مبرَّر مورس على تحريّات القضية، إن كان ثمة تحريات، بما فى ذلك تقرير الطبيب الشرعى الذى يدين القاتل بشكل مباشر! وطالب بتفسير لذلك من النائب العام رأسًا.
لصالح مَن يتم حجب معلومات قد تفيدُ فى سيْر القضية والإيقاع بالإماراتىّ الهارب زاهق الروح المصرية؟! لا تعنينى الجنسياتُ هنا. فالروح عند ربِّها واحدةٌ سواءً كانت من الهند أو السند، لكن حزنى يأتى من مكان آخر. هل لى أن أتخابثَ وأقولَ إن حظَّ الفتاة تعسٌ لأنها قُتلت «هنا»، ولم تُقتل فى الإمارات؟ ألو كان قُدِّر لها أن تُزهَقَ روحُها فى «دبى» مثلا، لكانت الأجهزةُ الأمنيةُ الإماراتيةُ «النشطة» قد أوقعتْ بالقاتل فى يوم أو بعض يوم كما حدث فى قضية سوزان تميم؟ هل قتلى الإمارات محظوظون، مهما كانت جنسياتُهم أو جنسياتُ قاتليهم، فيما قتلى مصرَ شهداءُ مُشتّتةٌ دماؤهم بين القبائل والبلاد؟ إن كان لا عدلَ ثمة بين الأحياء، أفليس من بعضِ عدلٍ يُرتجى للموتى؟
تأملوا معى هذه العبارة التى وردت على لسان شقيق المهدور دمُها: «يبدو أننا كمصريين غدونا مواطنين بلا ثمن أمام الفرد الأجنبىّ الذى نقاتل لكى نأخذ له حقه، حتى لو تمَّ قتلُه خارج بلادنا. أما نحن فلا أحد يتحرك من أجلنا، ولا نطلب سوى التحرك بنفس النشاط والسرعة، التى تمَّت فى قضية سوزان تميم».
تأملوا العبارةَ ثانيةً جيدًا ثم احزنوا مثلى، لا على فاتن القتيلة وحسب، بل دعونا نحزن على أنفسنا جميعًا. أنْ نسارعَ لأخذ حق قتيل أجنبىّ اِشْتُبِه فى أن يدًا مصرية قد قتلته؛ هذا جيدٌ وعادلٌ وجميل.
ولكن هذا الجميل والجيد لم يُجِب عن سؤالنا بعد: ماذا عنّا نحن المصريين؟ مَن سيأخذُ لنا حقَّنا من قاتلينا؟ هل كان على أسرة القتيلة أن تستدعى مباحث بلدية دبيّ لعمل تحريات حول مقتل الابنة المصرية؟ سؤالٌ أطرحُه مع أسرة القتيلة على النائب العام، وإلى أجهزة مباحث بلادى الحبيبة مصر.
لا نوّد أن نكون مثل الأم التى تحاول أن تُظهر للناس مدى موضوعيتها وحيادها وعدلها، فتصفعُ أبناءَها وتدلِّلُ أطفالَ الجيران. كل ما نرجوه هو عدم الكيل بمكيالين. حتى لا يجىء يومٌ حزين، (وقد حلَّ اليوم)، يطالبُ فيه مواطنٌ مصرىّ أن تحبَّه بلدُه فقط مثلما تحب أبناءَ البلدان الأخرى! وهى مفارقة مُرّةٌ لا شك. وفى الأخير، من هانَ على بلاده، هانَ على كلِّ الدنيا، ومَن عزَّ على أرضه، كان عزيزًا فى كافة أرجاء الأرض.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة