يسرى فودة

احتفظ بالأصدقاء على مسافة قريبة وبالأعداء على مسافة أقرب

التمَسْكن حتى التمكن

الخميس، 20 أغسطس 2009 08:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لأن الله جبل النفس البشرية على التعاطف مع المظلوم فإن إحدى مشكلات إسرائيل اليوم أن معظم خلق الله، بمن فيهم الغرب، لم يعد يرى فيها «ضحية».. أما الحل من وجهة نظر من نعرفهم الآن باسم Spin Doctors، فلا يكمن بالضرورة فى كلمة «ضحية» وإنما فى كلمة «يرى» المساحة التى تقبع بين الحقيقة من ناحية والصورة الذهنية للحقيقة من ناحية أخرى، هى وكر هؤلاء المتلاعبين بالعقول، وهى مساحة لا بد لنا جميعا من أن نقتطع جزءا من حياتنا لإدراك ملامحها قبل أن تتمكن هى من حياتنا كلها.

لا الإيمان وحده يكفى، ولا المعرفة وحدها تكفى لترسيخ جهاز المناعة الذهنية، إن كان لهذا وجود، أمام الجهود المحترفة للمتلاعبين بالعقول، كلاهما معاً فى غاية الأهمية فى ظل ميزانيات ضخمة وخبرة متراكمة تسعى إلى تخدير الناس نحو استقبال فكرة بعينها تصب فى مصلحة أجندة بعينها.

إن كان لا يتملكنا ما يكفى من القلق على أجيالنا التى ولدت فى عصر قنوات روتانا وفى كنف ما يوصف بالسلام، فإن كثيراً من القلق ينبغى أن يتملكنا من الرسالة التى تستقر فى النهاية فى ذهن أقرانهم فى أمريكا، فبقدر ما يوجد لدى النوع الأول من خطوط موازية للدفاع يوجد لدى النوع الثانى كل أسباب القابلية للاقتناع، وبقدر ما يتمتع به النوع الأول من عجز عن التغيير ينوء كاهل النوع الثانى بكل فرص التأثير.

من أجل هذا، تتوجه جهود إسرائيل للتلاعب بالعقول فى معظمها نحو الغرب البعيد، فنحن اليوم فى أعينهم قسمان: قسم يمثل أقلية تطوعت من فرط الإرهاق أساساً بتصديق أن إسرائيل تريد حقاً أن تعيش معنا فى سلام عادل، وهو قسم جاهز لا يحتاج إلى جهود المتلاعبين بالعقول، وقسم آخر يمثل أغلبية -لا تزال حتى بعد مرور ثلاثين سنة على ما يوصف بالسلام-يعتبر إسرائيل عدوا مهما فعلت، وهو قسم غير جاهز وربما سيبقى على هذه الحال حتى بعد مرور ثلاثمائة سنة.

ومن أجل هذا، يتوجه «خبير التجميل» السياسى الأمريكى، الدكتور فرانك لونتز، بكتالوج على طريقة «قل ولا تقل» إلى هؤلاء المرابطين «على خطوط المواجهة، الذين يخوضون الحرب الإعلامية دفاعاعن إسرائيل وعن اليهود فى مختلف أنحاء العالم». نستكمل الآن نصائحه لهم فى الفصل الأول من «القاموس»، الذى يحمل عنوان «25 قاعدة للاتصال الفعَّال»:
◄ الأمريكيون يريدون فريقا يشجعونه؛ فأسمعْهم أشياء جيدة عن إسرائيل، عندما تنتهى من التأكيد على أنك حريص على الجانبين، الإسرائيلى والفلسطينى، وعلى أن إسرائيل تريد السلام، ابدأ فورا فى التعبير عن العلاقة القوية بين الأمريكيين وإسرائيل المبنية على القيم والمصالح المشتركة، مع التركيز على ما يلى: أولاً جهود إسرائيل بالتعاون مع مواطنيها اليهود والمسلمين لخلق الوظائف ولدفع البحث العلمى والتكنولوجيا المتقدمة، ثانياً التقدم المرموق لإسرائيل فى مجال الطاقة البديلة، ثالثاً المجهود الذى بذلته إسرائيل لتطوير الأحياء والمجتمعات العربية ولرفع مستوى المعيشة والصحة بما فيها منح سكانها حقامتساويا فى نظام الرعاية الصحية، وحاول دائماً التركيز على أن إسرائيل وأمريكا تشتركان فى التزامهما بحرية الأديان وحرية الصحافة وحرية التعبير وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والحفاظ على البيئة.

ارسم خطوطا متوازية بين إسرائيل وأمريكا، بما فى ذلك ضرورة الدفاع عن النفس ضد الإرهاب. بدءا بالتاريخ إلى الثقافة إلى القيم، كلما ركزت على أوجه التشابه بين إسرائيل وأمريكا تضاعفت فرصتك فى الفوز بتأييد الذين يقفون فى المنتصف، قل دائماً إن لغة إسرائيل هى نفسها لغة أمريكا: «الديمقراطية»، «الحرية»، «الأمن»، «السلام». هذه الكلمات الأربع تشكل جوهر النظام الأمريكى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وينبغى عليك أن تكررها ثم تكررها ما شئت من المرات، إن هذا ليس جدلاً أجوف، إنه حقيقة، وإن مهمتنا أن نرتدى قبعات بيضاء أمام الناس.

◄ لا تتحدث عن الدين؛ فهؤلاء من الأمريكيين الذين يتخذون من الإنجيل مصدرا للحكم على الشئون الخارجية يؤيدون إسرائيل بالفعل، وهم بذلك يمثلون البطانة التى تردد «آمين». إنهم يمثلون 25% من الشعب الأمريكى ويُعتبرون أقوى أصدقاء إسرائيل فى العالم (ومن ثم لا نحتاج إلى تضييع الوقت فى إقناع من هو مقتنع)، ولكن بعض هؤلاء الذين غالبا ما يعتقدون أن إسرائيل دولة دينية يُعتبرون من أشد أعداء إسرائيل، إنهم متطرفون بقدر تطرف الدول العربية المتدينة التى ينتقدونها، ولسوء الحظ فإن من شأن أى مناقشة لموضوع الدين أن تعزز تلك الصورة، ومن ثم فإن مجرد ذكر كلمة «يهودى» أكثر من اللازم فى سياق الحديث عن إسرائيل سيؤدى إلى نتيجة عكسية.

◄ مهما كانت طبيعة السؤال الموجه إليك، اخرج منه دائماً إلى الحديث إيجابيا عن إسرائيل، عندما تتلقى سؤالاً مباشرا تذَكّر أنك لست مضطرا إلى الإجابة عنه بشكل مباشر، إن هدفك أثناء اللقاءات الإعلامية لا يتوقف على الرد على الأسئلة الموجهة إليك، بل إنه يتعدى هذا إلى تحويل القابلين للإقناع إلى جانب إسرائيل.. ابدأ كلامك بالاعتراف بالسؤال والاتفاق على أن كلا الجانبين، الإسرائيلى والفلسطينى، يستحق مستقبلاً أفضل، ذكِّرْ المستمعين بأن إسرائيل تريد السلام وبعد هذا ركَّزْ على القيم المشتركة، عند انتهائك من هذا ستكون قد مهدت مجالاً من التأييد يسمح لك بالحديث عما تريده إسرائيل وهو أن يضع الفلسطينيون حدا للعنف ولثقافة الكراهية كى لا تكون هناك حاجة للأسوار ونقاط التفتيش، وأن يتوقف الإرهابيون المدعومون إيرانيا فى غزة عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل كى تكون أمام الجانبين فرصة من أجل مستقبل أفضل.

◄ تحدث عن المستقبل لا عن الماضى؛ فتضييع الوقت فى محاضرة تاريخية سيؤدى فى أفضل تقدير إلى النوم، والأسوأ من هذا أن تضييع الوقت فى شرح من حصل على ماذا من أرض فى المنطقة الفلانية التى وعد بها فلان الطرف الفلانى سيرى فيه الأمريكيون والأوربيون لعبة كلعبة القط والفأر ولن يروا فيه رؤية لمستقبل أفضل. تذَكَّرْ دائماً أن مجال الإعلام ليس مجالاً لاختبار مدى القدرة على تذكُّر الحقائق؛ فالناس يريدون رسالة بسيطة تجيب عن سؤال صامت بسيط يدور فى نفوسهم: «ماذا ستستفيد بلادى وماذا سأستفيد أنا من وراء دعم إسرائيل؟».

◄ تحدث عن الأمل؛ فرغم أن توقعات السلام منخفضة فى هذه الآونة فإن الناس تفضل دائما أن تسمع شيئا من هذا القبيل: «سيأتى يوم يكبر فيه الأطفال الإسرائيليون والأطفال الفلسطينيون معا، يلعبون معا وفى النهاية يعملون معا، لا لأنهم سيكونون مضطرين إلى ذلك، بل لأنهم سيرغبون فيه .. علينا أن نحكم على التزام كل منا بالسلام عن طريق الأفعال لا عن طريق الكلمات، دعونا نتعاون معا على تدشين عهد جديد من الانفتاح والتسامح، دعونا نعلن أن العنف وسفك الدماء لن ينتصر، علينا أن نمنح الأمل لكل شعوب الشرق الأوسط، علينا أن نمنح الأمل لمن لا أمل له، إن أملى هو أن نعيش جميعا فى رخاء وفى سلام، اليوم وإلى الأبد».

◄رُد على السؤال بسؤال وتجَنّبْ المواجهة المباشرة واستخدم نبرة صوت ناعمة. اظهر أسفا على الشعب الفلسطينى الذى يخذله قادته، على سبيل المثال: «كيف تزعم القيادة الفلسطينية الحالية أنها تسعى للسلام بينما قامت سابقاتها برفض عرض لإقامة دولة فلسطينية قبل سنوات قليلة مضت والآن ترفض الوفاء بالتزاماتها التى حددتها خارطة الطريق؟ كيف تسميها (دورة العنف) بينما فى الواقع لو توقفت إسرائيل عن محاربة الإرهاب لن يتوقف العنف؟ هل هو بكثير أن نطالب قيادة حماس بإدانة الأنشطة الإرهابية بما فيها العمليات الانتحارية؟ هل من غير المعقول أن نُصرّ على أن يتوقفوا عن قتل الأطفال الأبرياء؟».

يقول «خبير التجميل» السياسى قوله هذا قبل أن يستمر فى شرح قواعده الذهبية، وقبل أن يستمر فى هذا يهمس فى أذن تلاميذه الذين يرابطون «على خطوط المواجهة الإعلامية» دفاعاعن إسرائيل بمجموعة أخرى من الأسئلة التى يمكنهم اللجوء إليها إذا نفدت ذخيرتهم: «كيف يمكن أن أقيم سلاما مع حكومة تريدنى قتيلاً؟ كيف يمكن أن أقيم سلاما مع شعب يتربى على كراهية اليهود، لا الإسرائيليين فقط، من لحظة مولده؟ لماذا يلتزم العالم الصمت إزاء أهداف حماس المعلنة كتابةً وشفاهية؟».
إلى الأسبوع القادم إن شاء الله.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة