كل الأزمات التى نتعرض لها فى حياتنا، تؤكد أننا كمصريين لا نعرف شيئًا عن فن إدارة الأزمات، الحكومة والشعب يسيران فى قارب واحد.. قارب الصدمة والحيرة والخوف من الاقتراب من الأزمة، نتركها بدون حل حتى تنتشر وتصبح أمرًا واقعًا نرضخ له رغم أنوفنا.
وفى أزمة البث الفضائى، فشلت كل الأطراف المعنية فى إدارتها بصورة جيدة بما يخدم الصالح العام، ووسط تمسك كل طرف بمصلحته الخاصة دون النظر إلى ما يفرضه الواقع أو يرتضيه العقل استمرت الأزمة دون حل، وتقبلها المشاهد المصرى كأمر واقع.
وأخص بالذكر هنا القنوات الفضائية المصرية الخاصة أحد أضلاع مثلث أزمة البث، والتى قدمت نموذجًا يحتذى به كل من يبحث عن التخبط والفشل الإدارى، فوسط تمسك القنوات الفضائية بعدم الرضوخ لمطالب اتحاد الكرة برفع المقابل المادى لشراء حقوق البث، ووسط الأحاديث المتكررة عن مغالاة اتحاد الكرة فى طلباته المادية لبيع حقوق البث ظهرت على سطح الأحداث حقائق تكشف «كذب» مسئولى هذه القنوات الذين يصرخون ليلا نهارا من الغلاء، وتؤكد لنا أن المسئولين عن مثل هذه القنوات لا يعلمون شيئًا عن فن الإدارة.
والحقائق التى تسربت للإعلام، كانت عبارة عن أرقام رواتب بعض العاملين فى إحدى القنوات الفضائية والتى يئنُّ مالكها من مغالاة اتحاد الكرة ومسئوليه فى أزمة البث، الرواتب كانت مرتفعة جدًا إلى حد أصابنى بالذهول والدهشة، فكيف تدفع قناة مصرية مثل هذه الرواتب ثم تشتكى بعد ذلك من عدم قدرتها على دفع 7 أو 8 ملايين لشراء حقوق الدورى.
وللعلم، فرواتب ستة عاملين فقط فى هذه القناة على مدار العام، يزيد بكثير عما حددته القناة نفسها لشراء حقوق البث، وهذه المعلومات تكشف تناقض وكذب المسئولين عن مثل هذه القنوات.
أما الفشل الإدارى، فيتمثل فى معاناة القناة نفسها من أزمة مادية طاحنة، وعدم قيامها بدفع رواتب كثير من العاملين فيها، وتسريح بعضهم، فى الوقت الذى يتقاضى فيه بعض مقدمى البرامج فيها راتبا يزيد على 100 ألف جنيه شهريًا.
أما الطرف المتحكم فى هذه الأزمة وصاحب القرار النهائى فيها وهو اتحاد الكرة، فرغم اتهام البعض له بالمغالاة فى مطالبه وقد يكون هذا واردًا، ورغم اتهامه بالفشل فى إدارة الأزمة وهذا أيضًا وارد وبقوة، فإنه يقف بين طرفين.. الأول هو الأندية التى تبحث عن أقصى استفادة مادية من وراء تسويق مبارياتها، والثانى هو القنوات الفضائية التى تبحث عن تحقيق أكبر قدر من الاستفادة المادية بدفع أقل مقابل لشراء المباريات وتحقيق الاستفادة القصوى من تسويق هذه المباريات والتربح من ورائها من خلال الإعلانات.
وهو بين هذا وذاك، فى حيرة من أمره، بين بحث عن مصلحة عامة تخدم الأندية وبين الرضوخ لأطماع مالكى هذه القنوات.
فاصل أخير
الأندية الشعبية، ذات الموارد القليلة هى المتضرر الأكبر من وراء هذه الأزمة، فعدم حصولها على مقابل مادى جيد من تسويق مبارياتها يزيد الوضع سوءًا داخل جدرانها، وربما نرى فى يوم من الأيام أحد هذه الأندية يهبط للدرجة الأولى بسبب رفض أحد رجال الأعمال «شخشخة جيبه» ودفع المقابل المادى الذى يرتضيه العقل والمنطق والمصلحة العامة.