علامةُ التعجُّب المقوّسة فى عنوان المقال، هى موضوعُ المقال. هذه العبارة الكوميدية: «السلامُ مع إسرائيل» هى لونٌ من تراسل المعاجم؛ ضربٌ من جمع ما لا يجتمع.
مثلما تقول: الثلجُ الحار، الشمسُ الباردة، العسلُ المرُّ، الضجيجُ الصامت، إلى آخر تلك الاستعارات المجازية «الخايبة» التى يهوى بعضُ الشعراء انتهاجها فى قصائدهم، تحت زعم خلق حال إدهاش للقارئ. سوى إننى لا أرى فى تلك التراكيب إلا استخفافًا بعقل القارئ، ولونًا من «الاستهبال» الشعرىّ. كيف يجتمعُ النقيضان؟ كيف يكون الثلجُ ساخنًا؟ إنْ سُخِّن الثلجُ خرج من حالته الصلبة وتحول ماءً، ثم بخارًا، وبذا فقد هويته الأولى: الثلج! وبالمنطق ذاته، إن فهمتْ إسرائيلُ معنى السلام ثم مارسته، خرجتْ عن هويتها وما عادت تحملُ اسمَ: «إسرائيل»، واستلزمها ذلك اسمًا جديدًا، لا أدرى ما هو، لأن مقدمةَ الشرط مستحيلةٌ، وبالتالى فجوابُ الشرط مجهول. كيف يدركُ معنى «السلام» بشرٌ تمرّسوا فى امتهان الغدر والاستقواء على الضعيف؟ بشرٌ نُعتوا فى التاريخ بـ«قتلة الأنبياء»، بشرٌ يمرّنون جنودَهم كلَّ يوم على تقتيل العجائز والنساء، ويعلِّمون صغارَهم أن يضعوا الحلوى على فوهات المدافع ثم يرسلوها إلى صغار مثلهم لكن عرب، فتدخل قطعةُ الحلوى حلقَ الصغير العربىّ على رأس شظية فتختلطَ الدماءُ بالصرخات الصغيرة؟ لهذا السبب لم أستطع أبدًا أن أفقد دهشتى كلما مررتُ على كوبرى الجامعة لأرى علمًا أبيضَ يحملُ نجمةً سداسية زرقاءَ، يرفرفُ فوق إحدى العمارات المصرية! فى سنوات الجامعة كنتُ أتجنّبُ النظرَ إليه كيلا أغتمَّ، لكننى، ومنذ سنوات، بتُّ أحرصُ على التلفُّت لأعلى والنظر ملء عينى دون أن أخفى دهشتى الممزوجة بالحنق، ذلك كى يظلَّ السؤالُ موّارًا فى رأسى: ماذا يفعلُ هذا العلمُ هنا؟ ومَنْ سمح بوجوده على أرض بلادى؟
ثم تقول وكالاتُ الأنباء: «أبدت وسائلُ الإعلام الإسرائيلية اهتمامًا بالغا بزيارة الرئيس مبارك إلى الولايات المتحدة للقاء الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وهى الزيارة التى تمثل أهميةً كبرى لإسرائيل لأن الرئيسين سيناقشان خلالها خطةَ السلام بين إسرائيل والفلسطينيين!» وذكرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن مبارك سيحاولُ الضغطَ على إسرائيل حتى تقبل خطة السلام الأمريكية، كما أكد مبارك أن الدول العربية لن تعترفَ بدولة إسرائيل أو تقبل التطبيع معها، إلا إذا تحقق السلامُ العادلُ والشاملُ فى منطقة الشرق الأوسط، وبعدما توافقُ إسرائيلُ على وقف كافة أشكال البناء الاستيطانى على الأراضى الفلسطينية، ما سيعتبر بادرةً حسنة لاستئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والدول العربية. كما صرّح السفير حسام زكى المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن مبارك سيطلع أوباما على أفضل الطرق التى تجبر إسرائيلَ على تخفيف الحصار على قطاع غزة القائم منذ 2007، وتحسين أوضاع الفلسطينيين فى الضفة الغربية، وتوافق أيضًا على بحث وضع مدينة القدس وقضية اللاجئين الفلسطينيين، ولهذا يجب على الإسرائيليين أن يبدؤوا بالخطوة الأولى تجاه السلام، وبعد ذلك سيقدم العرب لفتاتٍ حسنةً تجاه إسرائيل، وفقاً للطريقة التى يرونها مناسبة فى التعامل مع إسرائيل. أما أوباما فطالبَ بالتوقّف عن «التحريض» العربى ضد إسرائيل، وذلك لاتخاذ خطوات فعالة فى طريق التهدئة مع إسرائيل، قائلاً إن أمله هو أن يرى تحركًا ليس فقط من جانب الإسرائيليين، ولكن أيضا من جانب العرب بما يدلل على رغبتهم فى التواصل مع إسرائيل!
تحدث هذه الأحلام الطيبة من جانبنا خلال زيارة مبارك لأمريكا، بينما، فى اللحظة نفسها يفتحُ الإسرائيليون النارَ صوب صدر أحد حرّاس الحدود المصريين فى إيلات! ثم يعتذرون عن هذا الخطأ غير المقصود! لأنهم «ظنّوا» أنه بادر بفتح النيران أولاً! وبعدما تأكد لهم كذب ذلك الزعم، قدموا اعتذارهم، الذى طبعًا ستقبله حكومتنا مبتسمةً «وحصل خير»! تمامًا كما حدث، ويحدث منذ إبرام اتفاقية السلام المضحكة، مِن قتْل العشرات من المجندين المصريين برصاصات إسرائيلية، ثم سرعان ما تعتذر إسرائيل، وتقبلُ الحكومةُ المصرية الاعتذارَ بقلبٍ مفتوح!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة