الأمة الإسلامية تمر بحالة ضعف شديدة مما أغرى أعداءها فى كل مكان أن يتكالبوا عليها والضعف ليس بسبب نقص الموارد ولا الأموال ولكن الضعف نتيجة الضعف فى إرادة وقوة صلابة إيمان الرجال حكاما ومحكومين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم توشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا أومن قلة نحن يومئذ يارسول الله قال ولكنكم كثير كغثاء السيل ولينزعن من قلوب أعدائكم المهابة وليقذفن فى قلوبكم الوهن قيل وما الوهن يا رسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت.
وسبب الضعف الذى أوهن الأمة هو انتشار الظلم والاستبداد والأفكار المخالفة والمناقضة للإسلام بدون وجود طائفة قوية من العلماء تقاوم الباطل وتواجه بقوة الحق والإيمان فالعلماء هم ورثة الانبياء وما أحوج الأمة اليوم للعلماء الربانيين الذين يواجهون الظلم والباطل؛ باطل العقائد والأفكار المعادية للتوحيد وللإسلام، باطل الاستبداد الذى ضيع حقوق الناس فى كل شىء؛ فأكبر مصيبة المسلمين اليوم فى علمائهم الذين جلسوا بجانب السلطان يأكلون على موائده وكتموا الحق ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر وقد قال الله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) [آل عمران: 104وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على أيدى المسىء ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم " رجاله رجال الصحيح، وقد جاء فى كتاب منهاج القاصدين: اعلم: أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو القطب الأعظم فى الدين، وهو المهم الذى بعث الله به النبيين، وأمر به العلماء ولو طوى بساطه، لاضمحلت الديانة، وظهر الفساد، وخربت البلاد، وقد حدث فقد ظهر الفساد وضيع كثير من العلماء مكانتهم بمداهنة الحكام والسكوت على ظلمهم بل التصفيق لهم على ظلمهم.
وقد فسد كثير من العلماء بسبب فتنة المناصب والأموال والخوف على الدنيا بعضهم باع دينه وكلمة الحق بعلاوة مالية والآخر بقطعة أرض أو فيلا وهكذا فطمع كل أعداء الإسلام فى المسلمين فاجتمع الصهاينة وكل ملل الكفر مع المستبدين على المسلمين فى كل مكان بالحرب والقتال والاحتلال
واجتمع المفسدون على تضييع إيمان الناس بأفلام ومسلسلات العرى والجنس والمخدرات ولم يجدوا من يقف أمامهم من العلماء لردعهم ولو قام العلماء بمهمتهم فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ما علا وطغى المفسدون فى الأرض
وفى هذا السياق لايفوتنى أن أتذكر العالم المسلم الربانى الجليل سعيد بن جبير وموقفه أمام الطاغية الحجاج الذى كان يخشاه الناس بسبب ظلمه وإسرافه فى القتل وإراقة الدماء ولكن سعيد بن جبير كان قوى الإيمان يخشى الله وحده وكان يعرف مكانته كعالم وكان يعرف ما أمره الله به وكان يعلم أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر لذلك عندما قبض عليه الحجاج كان هذا الحوار الذى سجله التاريخ فى صفحات من نور للعلماء الربانيين
فقد قال له الحجاج: ما اسمُك؟ فقال: سعيد بن جبير.
فقال: بل شقى بنُ كُسَيْرٍ.
فقال: بل كانت أُمِّى أعلم باسمى منك.
فقال: ما تقول فى مُحمَّدٍ؟ قال: تعنى مُحمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه؟! فقال نعم: قال: سيدُ ولد آدم، النبى المصطفى.. خيرُ من بقى من البشر، وخيرُ من مضى.. حمل الرسالة، وأدى الأمانة.. ونصح لله، ولكتابه، ولعامَّةِ المُسلمين، وخاصتهم،
قال: فما تقول فى أبى بكر؟ قال: هو الصّدّيق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذهب حميدًا، وعاش سعيدًا.. ومضى على منهاج النبى صلوات الله وسلامه عليه، لم يُغيّر ولم يُبدِّلْ.
قال: فما تقول فى عمر؟! قال: هو الفاروق الذى فرق الله به بين الحق والباطل.. وخيرةُ الله وخيرةُ رسوله، ولقد مضى على منهاج صاحبيه.. فعاش حميدًا، وقتل شهيدًا،
قال: فما تقول فى عثمان، قال: هو المُجَهِّز لجيش العُسرة.. الحافر بئر رُومة.. المشترى بيتـًا لنفسه فى الجنة.. صِهْرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، ولقد زوجه النبى بوحى من السماء، وهو المقتول ظُلمـًا.
قال: فما تقول فى على؟! قال: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من أسلم من الفتيان.. وهو زوجُ فاطمةَ البتول، وأبو الحسن والحسين سيدى شباب أهل الجنة،
قال: فأى خلفاء بنى أمية أعجب لك؟ قال: أرضاهم لخالقهم، قال: فأيهم أرضى للخالق؟ قال: علمُ ذلك عند الذى يعلم سرهم ونجواهم.
قال: فما تقول فى؟ قال: أنت أعلمُ بنفسك. قال: بل أريد علمك أنت. قال: إذن يسُوءك ولا يسرُّك.
قال: لابد من أن أسمع منك. قال: إنى لأعلم أنك مُخالفٌ لكتاب الله تعالى.. تُقدم على أمور تريد بها الهيبة، وهى تُقحمك فى الهلكة، وتدفعك إلى النار دفعـًا.
قال: أما والله لأقتُلنك، قال: إذن تُفسد على دُنياىَ، وأُفسد عليك آخرتك.
قال: اختر لنفسك أى قتلة شئت. قال: بل اخترها أنت لنفسك يا حجاج.. فوالله ما تقتلنى قتلةً إلا قتلك الله مثلها فى الآخرة.
قال: أفتريد أن أعفو عنك؟ قال: إن كان عفوٌ فمن الله تعالى.. أما أنت فلا براءة لك ولا عذر.
فاغتاظ الحجاج وقال:السَّيف والنطع يا غلام، فتبسم سعيد.
فقال له الحجاج: وما تبسمك؟! قال: عجبتُ من جراءتك على الله وحلم الله عليك.
فقال: اقتله يا غلام، فاستقبل القبلة وقال: (وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفـًا وما أنا من المشركين) فقال: حرفوا وجهه عن القبلة. فقال: ( فأينما تولوا فثم وجه الله) فقال: كُبُّوه على الأرض. فقال: ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى) فقال: اذبحوا عدو الله، فما رأيت رجلاً أدعى منه لآيات القرآن. فرفع سعيدٌ كفيه وقال: اللهم: لا تسلِّط الحجاج على أحدٍ بعدى.
لم يمض على قتل سعيد بن جبير غير خمسة عشر يومـًا حتى أصيب الحجاج بحمى عنيفة، واشتدت عليه وطأة المرض، فكان يغفو ساعةً ويفيق أخرى، وكان يستيقظ من غفوته القصيرة فزعا مذعورًا وهو يصيح: هذا سعيد بن جبير آخذٌ بخناقى، هذا سعيد بن جبير يقول: فيم قتلتنى؟! ثم يبكى ويقول: ما لى ولسعيد بن جبير؟!! رُدوا عنى سعيد بن جبير.. وتدهورت حالة الحجاج بسرعة بعدذلك الموقف، وكان يشكو لمن حوله أن ما أصابه كان بدعوة سعيد بن جبير، وما لبث أن مات غير مأسوف عليه، فمن مثلك ياسعيد بن جبير يقف أمام الظلم ويدعو عليه فيستجيب الله له.
وأخيرا لايسعنى بعد موقف العالم الربانى سعيد بن جبير مع الظالم الطاغية الحجاج إلا أن أقول اللهم ارزق الأمة الإسلامية بعلماء ربانيين أمثال سعيد بن جبير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولايخافون فى الله لومة لائم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة