◄هل هو فوق النقد؟ ولماذا هو الأقرب للمعارضة فى البرلمان؟ وهل يطلع الرئيس على دهاليز مجلس الشعب؟
هذا رجل غير عادى.. فى منصب غير عادى أيضا.. هذا رجل يجمع فى كيان سياسى واحد نموذجا لرجل الدولة فى مصر .. رجل الدولة الذى يعرف متى تقف حدود سلطاته التنفيذية ليبدأ دوره كنائب عن الأمة .. ومتى يخلع رداء رجال السلطة التشريعية ليعود إلى موقعه التنفيذى كرئيس ديوان رئيس الجمهورية ، ثم متى يجمع الصفتين معا حين يتصدى لمسئولياته السياسية والتنظيمية داخل الحزب الوطنى .
مدهش أن ترى رجلا فى مصر له ما لزكريا عزمى من تأثير فى هذه المجالات المختلفة ، ومدهش أيضا أن تدرك أن لقاءا واحدا مع هذا الرجل يمكن أن يصبح غاية المنال بالنسبة للآلاف من الموظفين الإداريين فى وزارة التربية والتعليم الذين اعتبروا أن نهاية أزمتهم مع الدكتور يسرى الجمل ومع وزارة التعليم قد تنتهى حين يجلس وفدا منهم مع الدكتور زكريا عزمى، ومدهش أيضا أن يكون هذا اللقاء الحلم هو غاية ما يسعى إليه خبراء وزارة العدل الذين دارت بهم المفاوضات والمفاوضون حتى لم يبق لهم أملا سوى لقاء واحد مع الدكتور زكريا لتنتهى المأساة.
لا يجوز لك أبدا أن تسأل الآن ما الذى جعل للدكتور زكريا عزمى كل هذا التأثير فى صناعة القرار فى مصر؟ هذا سؤال ساذج، فى موضع ساذج ، فالدكتور هو الرجل الاقرب إلى قلب الرئيس مبارك، وهو الرجل الأكثر إطلاعا على أداء الحكومة ، وهو الرجل الأكثر تأثيرا ضمن دائرة صناعة القرار فى الحزب الوطنى ، وهو الرجل الأكثر ذكاء ضمن نواب الأغلبية فى الحزب ، يعرف متى يتكلم ومتى يصمت ومتى يصك مصطلحا شهيرا تعيش عليه صحافة الحكومة والمعارضة لسنوات طويلة «تذكر أنت مثلا مصطلح الفساد للركب الذى لا يزال مستخدما فى السياسة وفى الصحافة حتى اليوم فى توصيف المحليات» فكيف إذن لا يكون له مثل هذا التأثير؟
وبحكم هذا التأثير السياسى والتنفيذى صار الدكتور زكريا عزمى هو الملجأ الأخير للمضربين والمعتصمين، كما صار أيضا هو الجسر الذى يعبر من خلاله قيادات المعارضة إلى مكتب الرئيس مباشرة ، ففى الركن الشهير للدكتور زكريا داخل مجلس الشعب يتحلق حوله رجال المعارضة فى مصر فى مشهد متكرر خلال الدورات البرلمانية المتعاقبة، هنا تنتهى المشكلات السياسية بين الأغلبية والأقلية فى المجلس، وهنا أيضا تنتهى الأزمات بين المشاغبين من المعارضة ، والغاضبين من نواب الحزب الحاكم ، وهنا أيضا يمر الهمس الخفى حول من قال ، ومن اقترح، ومن تجاوز، ومن يستعد بتشريع جديد، أو بمبادرة قانونية، أو بمغامرة سياسية طارئة .
النواب يتعاملون مع هذا الركن باعتباره البوابة إلى صانع القرار الأول، والوزراء يتعاملون مع هذا الركن باعتباره العين التى ترى وتسمع ، وكأن الدولة بسلطانها استقرت هنا «الرئاسة و الحزب والبرلمان وصناعة القرار فى كيان واحد تحت القبة».
المعارضون الذين سألناهم عن شعورهم حيال ركن الدكتور زكريا عزمى أجمعوا على هذه الحالة الفريدة لرجل الدولة القابع بينهم ، والمدهش أن هؤلاء المعارضون أنفسهم أجمعوا أيضا أن الدكتور زكريا وحده هو الذى يتعامل مع موقعه هذا ببساطة فريدة ربما تثير حيرة النواب أحيانا وبحسب تعبير أحد النواب البارزين فى المجلس «اقرأ شهادات المعارضة فى الموضوع التالى على هذا الصفحة» فإن الدكتور زكريا يبدو فى عيون البرلمانيين وكأنه هو عين وأذن الرئيس فى حين لا يسعى هو إلى معلومة، ولا يبدو حريصا على انتزاع شهادات أو شائعات أو نميمة سياسية، النواب فقط يعاملونه على هذا النحو، لكنه هو شخصيا يتعامل كأى نائب له دور محدد داخل المجلس هو الرقابة والتشريع، النفوذ هنا فى عقل النواب فقط ، الذين يتصورون أن كل كلمة ينطقون بها تصل مباشرة إلى الرئيس، فى حين أن الأمر كله لا يتعدى حدود الوهم، بحسب تعبيرات النواب المقربون من الدكتور زكريا.
لكن الوهم قد يتحول حقيقة إن كان الأمر يتعلق بقضية قومية أو بأحد ملفات الفساد أو بقضية تتعلق بمصالح عدد كبير من المواطنين وقد يرى الدكتور أن وقت التدخل قد حان ، وأن هذا الملف يستحق أن يصل إلى الرئيس مباشرة ، وهذا الخط الفاصل هو الذى يدفع «حملة ملفات الفساد أو الهموم والمشكلات» إلى طرق ابواب زكريا عزمى عند الضرورة كما حدث مع إدارى التعليم وخبراء العدل، بل وكما حدث مع المخرج خالد يوسف الذى نجا فيلمه دكان شحاتة من قبضة الرقابة بعد أن تدخل الدكتور زكريا مباشرة لإنقاذ هذا العمل السينمائى من الإعدام .
التصور الشائع عن الدكتور زكريا أنه يقع دائما خلف حدود النقد ، وأنه يعد أحد الخطوط الحمراء فى دوائر الرئاسة والبرلمان والحزب ، لكن نواب المعارضة الذين تحدثوا عن رحلته فى البرلمان قدموا صورة مختلفة ولافتة عن رؤية الدكتور زكريا للنقد ، فهو، بحسب شهاداتهم ، دائم الاتصال بمن يتناوله بالنقد فى الصحف ، كما أنه يدعو إلى رحابة الصدر من النقد فى دوائر الحزب الذى الحد الذى ينسب إليه البعض روايات عن ردود فعل غاضبة أوشكت على أن تدفع الدولة فى اتجاه الانتقام من بعض المنتقدين أوقفها زكريا عزمى مباشرة عبر جولات اقناع متواصلة مع قادة الحزب، والدولة .
السؤال هنا، إذا كان هذا الرجل صاحب هذا التأثير اللافت برلمانيا، وحزبيا ، ورئاسيا ، وشعبيا ، فما الذى يمكن أن يقدمه أكثر من ذلك لكل هؤلاء الذين يحلمون بكلمة منه تعيد الحقوق الضائعة لدى الحكومة، ليس موظفى التعليم وخبراء العدل فحسب، لكن القائمة هنا تطول إلى ما هو أكبر كثيرا من هذه الصفحات، القائمة تضم عمال عمر أفندى، وطنطا للكتان، و العمال المقهورين فى ليبيا، والصيادين المختطفين فى الصومال، والقرى العطشى فى الفيوم والشرقية ، وتظلمات الطلبة من نتائج امتحانات الثانوية العامة.. هل تصدق أن كل هذا النوع من الشكاوى يصل إلى مكتب الدكتور زكريا عزمى ، وهل تصدق أيضا أن هذا التعلق بأبواب ديوان الرئاسة يجعل من كل هذه الوزارات والهيئات فى الحكومة صفرا على الشمال إن كانت المشاكل تنتهى هناك، والهموم تصل إلى هذه العتبة ، إلى الحد الذى يصبح فيه الدكتور زكريا خامة خصبة لكل هذه الأحلام البسيطة فى انتظار أن ينطق الرجل الأقرب إلى الرئيس ، لتتحرك الدولة وتتحرك الأجهزة التنفيذية من بعد ذلك ..
تسألنى إذن .. لماذا تنطلق الشائعات حول النفوذ الساحر لرجل ديوان الرئاسة الأول ؟ اقرأ من البداية.. واقرأ ماذا يقول نواب المعارضة فى السطور التالية على نفس الصفحة .
لمعلوماتك....
◄من مواليد مدينة منيا القمح محافظة الشرقية، حصل على بكالوريوس العلوم العسكرية وبدأ ضابطا فى سلاح المدرعات عام 1960، ثم انتقل إلى الحرس الجمهورى بعدها بخمس سنوات وفى نفس العام حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، وأصبح قائدا لإحدى الكتائب المدرعة فى الحرس الجمهورى للزعيم الراحل جمال عبدالناصر. حصل على دبلوم العلوم الجنائية من كلية الحقوق عام 1970، ودبلوم القانون الدولى عام 1972، ودكتوراة فى القانون الدولى حول موضوع «حماية المدنيين فى النزاع المسلح»، وفى عام 1973 أصبح رئيسا للشئون السياسية بمكتب رئيس الجمهورية لشئون الأمن القومى، وعضوا فى سكرتارية الرئيس للمعلومات.
◄1938 ولد زكريا عزمى فى محافظة الشرقية
لجأ إليه موظفو التعليم .. وخبراء العدل ينتظرون كلمته الأخيرة .. وأنقذ فليم دكان شحاتة من قبضة الرقابة .. وتتعلق عند مكتبه آلاف الشكاوى أملا فى أن تصل إلى الرئيس ..
زكريا عزمى .. رجل الخطوط الحمراء فى البرلمان والرئاسة
الخميس، 06 أغسطس 2009 09:31 م
زكريا عزمى