حمدى الحسينى

مصر تخوض حربا صامتة دفاعا عن حقها المقدس فى مياه النيل

«فيضان» الأزمات الإسرائيلية يهدد أمن مصر

الخميس، 06 أغسطس 2009 10:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مياه النيل تعتبر أخطر وأهم الملفات حساسية بالنسبة لمصر؛ فأى تلاعب أو تهديد لها يشكل خطرًا على حياة كل مصرى؛ لذلك تخوض مصر -حاليًا- حربًا صامتةً مع دول حوض النيل.. هذه الحرب تتصاعد وتيرتها يومًا بعد يوم مع تعالى بعض الأصوات فى تلك الدول التى يسعى بعضها لابتزاز مصر من خلال المطالبة الدائمة بمراجعة الاتفاقيات الدولية التى منحتها حقوقًا تاريخية للاستفادة من مياه النيل،.. موقف مصر يزداد تعقيدًا فى ظل تنامى احتقان وغضب دول المنبع كلما أثيرتْ هذه القضية.

السياسة المصرية اعتادت التعامل مع هذه الدعاوى بالطرق الدبلوماسية الهادئة، لكن التهديد بتدويل القضية واحتمالات تقسيم السودان إلى دولتين ربما يسهم فى مزيد من تعقيد الأزمة؛ مما قد يؤدى إلى نشوب صراعات مسلحة بين دول حوض النيل بسبب النزاع على تقاسم واستخدام المياه فى المستقبل؛ خاصة أن احتياجات مصر من المياه أصبحت تفوق مواردها.
سخونة هذا الملف تتضاعف كلما دخلت إسرائيل على الخط، وكثفت من تغلغلها فى دول حوض النيل حيث تصر على الوجود بقوة فى قلب هذه المنطقة.

وفقًا للمؤشرات الدولية فإن مصر أصبحت على وشك الدخول فى دائرة الخطر المائى خلال السنوات القادمة على اعتبار أن القرن الحالى هو قرن العطش وشح المياه، وأن الحروب القادمة سيكون محورها الأساسى النزاع على المياه العذبة.

وعلى الرغم من أن المياه تغطى ثلثى سطح الأرض لكن 97.5 % منها مالح، ولا تمثل المياه العذبة سوى حوالى 2.5 % منها، ثلث هذه النسبة محصورة فى مناطق مجمدة وأنهار جليدية يصعب استخدامها، بينما 20 % مما تبقى يوجد فى مناطق نائية غير مأهولة يصعب الوصول إليها أو فى أعماق بعيدة يصعب استخراجها، ومعظم البقية الباقية يأتى فى الوقت والمكان الخطأ (كالفيضانات مثلاً).

ويتوقع المجلس العالمى للمياه أنه فى عام 2020 سيكون العالم قد استخدم كل المياه المتاحة، وسيحتاج إلى زيادة بما يعادل 17 % مما هو متاح.

أما بالنسبة لمصر فقد توقع تقرير حديث لمركز معلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أن احتياجات مصر من المياه ستفوق مواردها بحلول عام 2017؛ نظرًا لاستمرار النمو السكانى السريع، وأنها ستحتاج إلى 86.2 مليار متر مكعب من المياه فى 2017، فى حين أن الموارد لن تتجاوز 71.4 مليار متر مكعب؛ علمًا بأن موارد مصر من المياه بلغت 64 مليار متر مكعب فى 2006، منها 55.5 مليار متر مكعب أو 86.7 % يمدها بها نهر النيل، ومن المتوقع بحلول 2017 أن يمد النيل مصر بنسبة 80.5 %؛ فهل استعدت مصر بما يكفى لمواجهة سيناريوهات هذه القضية الاستراتيجية الخطيرة؟

قبل البحث عن إجابة لهذا السؤال فإن علينا تقسيم معركة مصر الحالية (لتأمين حصتها فى مياه النيل) إلى جبهتين: الأولى ساحتها دول المنبع المحتقنة، والثانية مع السودان الشقيق الذى تتزايد احتمالات تقسيمه إلى دولتين أو أكثر مع اقتراب موعد الاستفتاء على ذلك 2011؛ وفقًا لاتفاقية نيفاشا 2005.

لقد شاءت الظروف أن ينبع نهر النيل من قلب مناطق ودول تعانى من عدم الاستقرار السياسى وتعيش وسط صراعات قبلية وحروب مسلحة باستمرار؛ هذه الدول بالترتيب هى «أثيوبيا وإريتريا اللتان ينبع منهما النيل الأزرق الذى تشكل مياهه حوالى 84 % من نسبة المياه القادمة إلى مصر، أما النسبة الباقية فتأتى من النيل الأبيض المنطلق من بحيرة فيكتوريا حيث تطل عليها خمس دول (هى: كينيا، أوغندا، تنزانيا، رواندا بروندى، الكونغو)..». أما بالنسبة للسودان، فإن وضعها (كدولة مصب) يشبه -إلى حد كبير- وضع مصر، لكن صراعاتها الداخلية المستمرة أيضا تترك ظلالا قاتمة على التدفق الآمن لمياه النيل.

لذلك، فربما كان استقرار السودان ومتابعة ما يجرى فى ساحته الداخلية هدفًا دائمًا لمصر؛ ومن ثم فقد أبدت الدبلوماسية المصرية اهتمامًا بالغًا برصد الميل المتزايد نحو الانفصال لدى شعب جنوب السودان منذ التوقيع على اتفاق نيفاشا 2005 (الذى أنهى الحرب بين الشمال والجنوب؛ والتى امتدت عشرين عامًا)؛ إذ أعطى الاتفاق للجنوب حق الانفصال عن الشمال فى استفتاء (من المقرر إجراؤه العام بعد القادم).

وتجنبًا للمفاجآت افتتحت مصر قنصلية عامة فى مدينة جوبا (عاصمة الجنوب المرتقبة)، كما وضعت تصورًا لشبكة من المشروعات والبرامج التنموية لدعم الشعب الجنوبى بالتنسيق مع قادة الجيش الشعبى (الممثل السياسى لشعب الجنوب والشريك الثانى للسلطة فى السودان حاليًا).

ففى حال تم الانفصال بعد عامين من الآن؛ فما هو مصير الاتفاق الذى وقعته مصر مع السودان عام 1959، الخاص بتقاسم مياه النيل.. هذا الاتفاق منح مصر حصة من مياه النيل تقدر بـ55 مليار متر مكعب سنويًا، بينما يحصل السودان على 18 مليار متر مكعب سنويًا أيضا.

وفى حال انفصال جنوب السودان سوف يرتفع عدد دول حوض النيل من عشر دول إلى إحدى عشرة دولة، كما حدث عند استقلال إريتريا عن إثيوبيا مارس 1993.

على الرغم من أن السودان دولة مصب مثل مصر، إلا أن بعض القوى والأحزاب السياسية فيها تبدى قلقها هى الأخرى من اتفاقية 1959.. هذه القوى تعتبر أن الاتفاقية كانت غير عادلة بالنسبة لمستقبل تقسيم مياه النيل؛ ومِنْ ثَمَّ تظهر بالصحف السودانية مقالات من حين لآخر تدعو إلى تعديل هذه الاتفاقية، لكن مصر تقوم باحتواء أى خلاف من هذا النوع بطريقة ودية وهادئة؛ خاصة أن اتفاقية 1929 أعطت لمصر حق الاعتراض على بناء السودان لأى سدود على مجرى النيل من شأنها التأثير فى حصة مصر المقررة من المياه، لكن لم تستخدم مصر هذا الحق حفاظًا على وجود علاقات ودية مع الأشقاء، وعندما شرع السودان فى بناء سد مروى فى شمال البلاد قامت سلطات الرى المصرية بتقديم المشورة والدعم الفنى، وشاركت فى الاحتفالات الضخمة التى أقامتها السلطات السودانية بمناسبة افتتاح السد (منتصف مارس 2009)؛ انطلاقًا من المصالح المشتركة للشعبين (المصرى والسودانى).

ولم تتجاوب الحكومة المصرية مع تحذيرات العالم الدكتور رشدى سعيد من مخاطر تأثير خزان سد مروى على نسبة المياه القادمة لمصر إلا أن الحرص المصرى على مصالح الشعب السودانى كان دافعًا إلى عدم عرقلة المشروع الذى يوفر الطاقة الكهربائية الضرورية للسودانيين، كما سبق لمصر أن تجاوزت عن استغلال حكومة الإنقاذ لأجواء التوتر معها فى أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها الرئيس مبارك فى أديس أبابا (أغسطس 1995)، وقامت بإجراء تعلية إضافية لسد «الرصيرص» بدون الرجوع إلى مصر (كما تقضى الاتفاقيات)، ولم تكتف بذلك بل قامت بمصادرة عشرات من استراحات الرى المصرية المقامة على طول نهر النيل منذ عقود وتحويلها إلى هيئات حكومية.

رغم أن مصر والسودان فى خندق واحد أمام مطالب باقى دول حوض النيل فإن السودان دائما يمسك بالعصى من المنتصف عندما تثار قضية حقوق مصر التاريخية من جانب دول الحوض، خاصة فيما يتعلق بضرورة الرجوع لمصر قبل بناء أى مشروعات أو سدود على النيل.. فهو يؤيد الموقف المصرى بخصوص الاستفادة الكاملة بحصتها فى مياه النيل بينما يتحفظ على الحقوق التاريخية واللجوء لها قبل بناء مشروعات الرى أو السدود على النيل.. هذا الموقف المزدوج يتضح بجلاء خلال ندوات ومناقشات شاركت فى جانب منها بالخرطوم، حيث لفت انتباهى تعمد بعض المثقفين والمتخصصين إثارة قضية حق مصر «التاريخى» فى مياه النيل من حين لآخر فى البرامج ووسائل الإعلام، مما يعكس إمكانية اختراق الموقف المصرى والسودانى من جانب باقى دول حوض النيل.

وظل الحفاظ على كل قطرة من مياه النيل شغل مصر الشاغل؛ ففى عام 1975 حاولت حفر قناة «جونجلى»؛ بهدف توفير قرابة 7 مليارات متر مكعب من مياه النيل الأبيض التى تضيع سنويًّا فى أحراش ومستنقعات جنوب السودان، لكن ظهرت هنا- أصابع تل أبيب التى دعمت حركة التمرد الجنوبية، وأفشلت إتمام المشروع بعدما هاجم المتمردون المهندسين المصريين، وأحرقوا حفار المشروع بعد أن تم تنفيذ نحو 70 % منها بطول 265 كيلومترًا من إجمالى طول القناة البالغ 360 كيلومترًا، لكن العقيد الراحل جون جارنج (قائد حركة التمرد فى الجنوب) كان أبرز المعترضين على المشروع الذى كان عنوان رسالته لنيل درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات الأمريكية، وعندما قاد التمرد فى جنوب السودان عام 1983 توقف العمل فى المشروع فى العام التالى بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.

السفير المصرى فى السودان عفيفى عبدالوهاب نفى لى -فى مكتبه بالخرطوم- وجود أى خلافات بين مصر والسودان بشأن تقاسم مياه النيل، إلا أننى تابعت العديد من المقالات فى بعض الصحف السودانية يطالب أصحابها بحق السودان فى تقاسم الثروة السمكية فى بحيرة السد مع مصر، بينما يطالب البعض الآخر بحصة للسودان من كهرباء السد العالى، ووصل الأمر إلى حد الدعوة لإعادة النظر فى التعويضات التى قدمتها الحكومة المصرية إلى المواطنين السودانيين المضرورين من إقامة السد العالى قبل أكثر من 40 عامًا.

الأزمة مع السودان حول مياه النيل ستظل قائمة سواء بقى السودان موحدًا أم جرى تقسيمه؛ ففى الحالة الأولى ستتطلع السلطة الجديدة إلى إقامة المزيد من السدود على مجرى النيل لتأمين متطلبات السودان المتزايدة من الطاقة الكهربائية مهما تعارض ذلك مع حصة مصر من المياه.

أما فى حالة انفصال الجنوب، فستكون أولى الأولويات لدى السلطة الجديدة هى إقامة السدود لتعويض الإهمال الذى عاشه الجنوب طوال سنوات الاحتلال البريطانى أو سنوات التهميش فى عهد الاستقلال. ففى منتصف يوليو الحالى جرى التوقيع فى الخرطوم على خمسة عقود بتكلفة (38) مليون دولار لإنشاء 7 سدود متوسطة فى جنوب السودان بحضور الرئيس عمر البشير ونائبه سلفا كير، بزعم تعويض السعة التخزينية للسدود القديمة التى فقدت سعتها بسبب الإطماء، بجانب توليد الطاقة الكهرومائية من السدود، أربعة منها فى الجنوب بطاقة تزيد على (3000) ميجا واط وثلاثة فى الشمال. فى أحد مساجد جوبا قابلت القنصل المصرى، ورئيس بعثة الرى حيث تحمس الأول لوجودى بينما تجنب الثانى الدخول فى أى نقاش وركب سيارته واختفى من ساحة المسجد.

كان لافتا أن المصريين محبوبون فى جنوب السودان بسبب تزايد الاهتمام المتصاعد من جانب الحكومة المصرية لإقامة مشروعات حيوية وخدمية يتعطش إليها شعب الجنوب.. المستشفى المصرى فى جوبا يعتبر أهم هذه المشروعات حيث يتردد عليه حوالى 400 مريض يوميا يتلقون العلاج والدواء مجانا كما يوفر المستشفى أحدث الأجهزة فى أغلب التخصصات، وتتضاعف أهمية هذا المشروع بسبب ندرة الأطباء وتهالك المستشفيات وارتفاع تكاليف العلاج.

دلوكا بيونق وزير رئاسة الوزراء فى الجنوب وأهم القادة السياسيين فى جنوب السودان استقبلنى بمكتبه فى جوبا بترحاب وأبلغنى بأن حكومة جنوب السودان ستحافظ على مصالح مصر ولن تسمح بإقامة أى مشروعات تمس حصة مصر من المياه كما تحرص على تطبيق الاتفاقيات المنظمة لمياه النيل بصرف النظر عن نتيجة استفتاء 2011.

هل نحن فى مواجهة أزمة عطش بعد انفصال جنوب السودان؟!
بالنسبة لباقى دول حوض النيل، فإن ظهور تيارات تسعى إلى ابتزاز مصر والتلاعب بورقة المياه أو حتى التلويح بإعادة النظر فى الاتفاقيات المنظمة لحصص كل دولة من المياه، كل هذا يتطلب ضرورة وضع خطط استراتيجية لتأمين حصتها، وضمان الانسياب الطبيعى لمياه النيل.

السفارات والبعثات المصرية المنتشرة فى دول حوض النيل، رصدت على مدى السنوات الأخيرة العديد من المقالات والندوات والمناقشات التى تجرى فى تلك الدول؛ كلها تتحدث عن ظلم الاتفاقيات التى منحت مصر وضعًا مميزًا على حساب باقى دول المنبع؛.. هذه التيارات تغذيها قوى داخل تلك الدول، بهدف ممارسة ضغوط سياسية على مصر، كما تنميها وتدعمها قوى خارجية (أبرزها إسرائيل التى تحرص على الوجود فى هذه الدول منذ سنوات طويلة، عبر بوابة المنح والمساعدات التى تقدمها للعديد من القطاعات الزراعية فى إطار بحثها عن أوراق للمساومة والضغط المستمر على مصر).

السؤال الذى يطرح نفسه هنا: ما هو الإطار القانونى الذى يحدد كيفية استخدام مياه النيل؟
تاريخيًا تم توقيع عدة اتفاقيات، أهمها ثمانى اتفاقيات متعددة من حيث الغرض لتنظيم استخدام مياه النيل... كان أقدمها البروتكول (الانجليزى-الإيطالى) فى أبريل 1891م، والمعاهدة (البريطانية-الإثيوبية) فى مايو 1902م، والاتفاقية بين بريطانيا وإيطاليا حول استخدام نهر القاش 1901م، والاتفاقية بين بريطانيا والكنغو فى مايو 1906م، والمعاهدة الثلاثية بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا فى ديسمبر 1906م، والمذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا بخصوص بحيرة تانا فى عام 1925م، وآخرها كانت الاتفاقية بين مصر والسودان فى نوفمبر 1959م.

أهم هذه الاتفاقيات التى يدور الجدل حولها حاليًا، هى اتفاقية 1929 التى وقعتها مصر مع بريطانيا نيابة عن مستعمراتها فى شرق أفريقيا؛ إذ حظرت الاتفاقية -على دول منابع النيل وبحيرة فيكتوريا- القيام بأى مشاريع للرى أو إقامة السدود بدون موافقة مصر؛ ومنحت هذه الاتفاقية لمصر حق الاعتراض «الفيتو» على أى مشروع من شأنه التأثير فى منسوب المياه التى تصل إليها، باعتبارها دولة المصب.

منذ عام 2004 بدأت مصر تواجه متاعب وقلاقل، اتخذت شكل مطالب للعديد من دول حوض النيل التى أبدت رغبتها فى تعديل هذه الاتفاقية؛ لتنزع من مصر الفيتو ليتاح لها الحق فى بناء السدود والخزانات، بصرف النظر عن تأثير ذلك فى منسوب المياه التى تصل إليها؛ هذه المطالب تجلت بوضوح فى اجتماع وزراء الرى بدول حوض النيل فى الكونغو الديمقراطية 21 مايو 2009 أثناء مناقشة الإطار القانونى لمبادرة حوض النيل؛ إذ فوجئ الوفد المصرى بأن صياغة نصوص الإطار تمت بصورة لا تحفظ حقوق مصر المقررة فى اتفاقية 1929، فرفض الوفد التوقيع، وانسحبوا من الاجتماع بعد أن أبلغوا المشاركين بأن المساس بحقوق مصر التاريخية خط أحمر، لا يجوز الاقتراب منه أو مناقشته باعتباره يشكل تهديدًا للأمن القومى المصرى.

نفس الأزمة تجددت فى الإسكندرية خلال الاجتماع الأخير لوزراء الموارد المائية لدول حوض النيل حيث توصل الاجتماع إلى صيغة توافقية لترحيل الصدام، ومد المفاوضات بين مصر ودول الحوض إلى عدة أشهر قادمة بعدها سيتجدد الخلاف الذى يجب حسمه بصورة نهائية ومرضية لكل الأطراف.. لكن ينبغى على مصر أن تستفيد من هذه المهلة، وأن تسارع فى تكثيف وجودها السياسى والثقافى والإعلامى فى هذه الدول بصفة عامة، وفى إثيوبيا بصفة خاصة لتخفيف حالة الاحتقان، والغضب المتزايد فى تلك الدول تجاه مصر.. ففى داخل تلك الدول بعض التيارات التى تنادى ببيع مياه النيل لمصر على أساس أنها موارد طبيعية تنبع من أراضيها مثل البترول والمعادن، متناسين أن هناك اتفاقيات دولية تحكم عملية تقسيم مياه الأنهار فى كل قارات العالم.. هذه الاتفاقيات لا تعطى الحق لدول المنابع المتاجرة بالمياه لدول المصب.

الموقف المصرى فى التعامل مع هذه القضية يستند إلى الاتفاقيات الدولية؛ هذه الاتفاقيات لا يجوز التراجع عنها أو الحديث عن تعديلها، وترد القاهرة دائمًا -على الأصوات الأفريقية التى تنادى بتعديلها على أساس أنها تمت فى ظل الاحتلال الأجنبى- بأن أغلب مياه الأنهار فى العالم تحكمه اتفاقيات، تم توقيعها منذ عقود طويلة، ولم يجرؤ أحد على المطالبة بتعديلها تحت أى زعم، كما أن الحدود القائمة حاليًا بين الدول وضعها الاستعمار الأجنبى؛ ومع ذلك يلتزم بها ويحترمها الجميع، فضلاً عن أن مصر تعد أفقر دول العالم فى الأمطار، بينما أغلب دول حوض النيل تسقط فيها الأمطار طوال العام.

وتلجأ مصر للرد على محاولات الاختراق الإسرائيلية لبعض دوائر صنع القرار فى دول حوض النيل، بتكثيف الدعم المصرى للمشروعات التنموية والمساهمة فى إقامة المدارس والمعاهد وتقديم العون الفنى لمشروعات الرى، وحفر الآبار فى العديد من تلك الدول، لكن هناك من يرى أن الدعم والاهتمام المصرى لدول حوض النيل تراجع بصورة كبيرة فى السنوات الأخيرة؛ وهو ما أتاح الفرصة -أمام التيارات المتربصة والمعادية لها فى تلك الدول- للظهور والنشاط من خلال إثارة الجدل حول حقوق مصر التاريخية فى الاستفادة من مياه النيل. فى المقابل تراهن مصر على التيار المعتدل داخل دول حوض النيل الذى يتفهم الموقف المصرى؛ أصحاب هذا التيار يطالبون مصر بأن توجه جزءًا من فوائد استخدام مياه النيل إليها من خلال مدها بالطاقة الكهربائية الصادرة من السد العالى، ومساعدة شعوبها فى الحصول على المياه العذبة؛ خاصة أن أغلب هذه الدول يعانى من عجز شديد فى الطاقة الكهربائية، كما يعانى أغلبها من العطش رغم تدفق المياه بغزارة أمام عيون سكانها، فضلاً عن الحاجة الماسة -عند العديد من شعوب تلك الدول- إلى الخبرات المصرية فى مجال الزراعة والرى والتعليم وغيرها من مجالات التنمية البشرية، لكن الأهم هو أن معظم دول حوض النيل يشعرون بأن مصر اعتادت النظر والاهتمام بشمالها، وأنها نادرًا ما تلتفت إلى معاناة ومطالب شعوب الجنوب؛ ومن ثم فإن دعواتهم لمراجعة اتفاقيات توزيع مياه النيل تكون بمثابة جرس إنذار ينبه مصر إلى أهمية النظر بعين الاهتمام لمعاناة شركائها وجيرانها فى الجنوب.

لمعلوماتك....
نهر النيل ..
ثانى أطول أنهار الكرة الأرضية
يبدأ مساره من المنبع عند بحيرة فيكتوريا بإجمالى طوله 6650 كيلومترا
يغطى حوض النيل مساحة 3.4 مليون كم2
يصل طول مساره من بداية دخوله مصر حتى بحيرة ناصر 270 كم
عام 1960 وضع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حجر أساس السد العالى بحضور الزعيم السوفيتى خروشوف والعاهل المغربى الملك محمد الخامس
ترجع تسمية النيل بهذا الاسم نسبة إلى المصطلح اليونانى «nelios» كما يطلق عليه فى اليونانية أيضاً اسم «aigyptos»








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة