قارئ غاضب، قال فى رسالة غاضبة: إنكم عندما تنشرون شتائم لكل شىء فى مصر وتشوهون صورتنا فى الخارج.. الصحافة تصور مصر على أنها بئر للفساد والرشوة.. كل المسئولين فاسدون، وكل الوزراء لهم مصالح، وكل السياسيين انتهازيون.. زملاؤنا فى العمل يعايروننا بأننا ننتمى لبلد يزدحم بالفساد ولا شىء فيه يستحق الاحترام. وختم رسالته بالقول: أنتم لا تحبون مصر.
الرسالة ذكرتنى بحديث مع فتاة تربت مع والدها فى إحدى دول الخليج وعادت لتكمل دراستها فى الجامعات المصرية: قالت لى إنها تتمنى أن تكمل دراستها وحياتها فى الخارج. وقالت لى: أنا لا أحب مصر، فى الجامعة لا هم للأساتذة إلا بيع المذكرات، وإنهاء وقت المحاضرة، بصرف النظر عما إذا كان الطلاب استفادوا أو لا.. قالت لى إنها كانت تقرأ كتب كبار المفكرين والكتاب وكانت تحلم بجامعة تضمن حرية التفكير والبحث. قلت لها إن ما يجرى أمر مؤقت، وسوف تعود الأمور لما كانت عليه، فقالت لى: لا أظن، هؤلاء الناس لا يحبون مصر.
وأضافت أنها تقرأ الصحافة وتشاهد الفضائيات، وترى أن الإعلام كله يتفق على أن التعليم فى مصر فاسد، والمستشفيات لا تعالج المرضى بل تقتلهم. والفقير لا يجد عملا أو علاجا أو حياة إنسانية.. أنا لا أرى أملا فى المستقبل، الجامعة محجوزة لأبناء الأساتذة والناس تموت فى المستشفيات، وخريجو الجامعات يتخرجون للبطالة، لا نتعلم شيئا ينفعنا فى الجامعة، ولان ضمن فرصة عمل بدون واسطة.. الصحافة تقول هذا، والتقارير الدولية تقول إن العشوائيات عندنا تتسع فى كل مكان، ونصف الشعب تحت خط الفقر، والشوارع غير آمنة، والجريمة والسرقة والقتل بلا نهاية.. وبصراحة كل شىء فى مصر فاسد.. وبعد ذلك تسألنى: لماذا أريد الهجرة؟
كنت قبل أيام التقيت بمهندس زميل دراسة يعمل فى مصنع للنسيج، حدثنى كثيرا عن انهيار صناعة النسيج، وكاد يبكى وهو يقول لى إن المنسوجات الصينية أصبحت تنافس المنسوجات المصرية فى المحلة الكبرى عقر دار صناعة النسيج فى مصر.
وذكرنى: فاكر لما كنا بنحسد المحلة على النظافة والتقدم وإن مافيهاش بطالة، النهاردة الفوط الصينية تباع على أرصفة المحلة الكبيرة أرخص من المصرية. والبطالة زى أى مكان، الشوارع بقت زحمة والفقر والعشوائيات حول المحلة، والناس «طهقانة»، كان يحدثنى وهو يكاد يبكى: على فكرة وسط الدلتا اكتر مكان فيه بطالة مع أنه ممكن يبقى مركز للنسيج والملابس الجاهزة، بس فيه ناس مش عاوزة دا يحصل.
والوزير بيقول إن الاستيراد أرخص، وإن دى اقتصاديات السوق، وبنستورد غزل من سوريا والصين.. القطن المصرى راحت عليه.. والله مصر دى مظلومة.
هو مين بالضبط اللى بيحب مصر، هل يكره المرتشى مصر؟ وهل الفقر هو الذى يدفعه لأخذ الرشوة؟ لا تبرير للرشوة، لكن الفقر أيضا عار مثل الرشوة، وهناك موظفون لا يقبلون الرشوة، وعمال يخرجون للعمل من الفجر الى المغرب مقابل جنيهات، ويحرصون على تعليم أبنائهم وهم يعلمون أن التعليم ليس هو الطريق الوحيد للترقى والعمل، خصوصا التعليم الحكومى، الذى يخرج عاطلين بلا خبرات، ولا عمل. هل يجرم من يبحث عن واسطة ليحصل على وظيفة فى بلد لايمكن الحصول على عمل بدون واسطة؟
ربما لا يكون كل رجال الأعمال فاسدين، لكن ما نراه من تزاوج بين المال والفساد يجعل من الصعب رؤية فاعلى الخير، وهل يقبل خير من رجل يحرم عماله من التأمينات، والأجر العادل ليتبرع بمليون جنيه للعمل الخيرى؟ وهل الأولى أن يسدد المواطن ما عليه من ضرائب، أم يتبرع بمئات الآلاف للعمل الخيرى؟ وهل الصحافة هى التى تشوه وجه مصر عندما تنشر عن الفساد، أم أن الفساد هو الذى يشوه مصر؟ هل الصحافة هى التى تتورط فى القتل؟ والإعلام هو الذى يحصل على قروض بلا ضمانات؟ وهل من يزور الانتخابات أو يشترى الأصوات، أو يستغل نفوذه يحب مصر؟ طبعا ممكن.. زيه زى المهندس والبنت والمهاجر.. الحب أنواع وأشكال.. بس يا ترى مصر بتحب مين؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة