محمود طرشوبى

الدولة المدنية وتحميل الإسلام ما لا يحتمل

الأحد، 09 أغسطس 2009 12:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بداية أريد أن أؤكد على أنى لا أريد من مقالى هذا الدعاية لمبدأ فصل الدين عن الدولة، وبالطبع لا أدعو إلى تطبيق المبدأ الرأسمالى الغربى نظرا لتعارضه مع قيم مجتمعاتنا التى اعتمدت الدين دائماً كأسلوب حياة حتى إن من يريد أن يتكلم عن فكرة جديدة يحاول أن يلصقها بالدين ليضمن لها المرور بين الناس. ولكن التميع الذى أصاب كل قضايانا وأصبح هوالسمة الغالبة للتعامل مع كل مستجدات الأحداث. وحتى فى القضايا المصيرية تطرح الحلول دائماً بأسلوب من الميوعة و فقدان الوعى على الحدث واستعمال طريقة البغبغان فى تكرار الكلمات التى طرحها أعداؤنا بدون التروى والسؤال: هل هذا يتفق معنا؟ هل هذا هو مصلحتنا ومصلحة أمتنا؟

إن قضية العرب و المسلمين الأولى _ فلسطين _ قد تعاملنا معها بنفس أسلوب الميوعة و تركناها فى يد أعدائنا من الرباعية و الأمم المتحدة والمجتمع الدولى و غيرها أما إسرائيل - الدولة اللقيطة – كما أطلق عليه الشيخ الغزالى - فتعاملت معها كقضية مصيرية، وفى غضون خمسين عاما، أنشئت إسرائيل، و بعد أقل من عقدين كانت إسرائيل قد استولت على أراضى خمس دول عربية وكانت تستعد لدخول عواصم هذه الدول و لم تمر عدة سنوات حتى كانت فى قلب العاصمة اللبنانية (بيروت) .

وهكذا نحن فى كل قضايانا، فمبدأ التمييع و الترقيع الذى يمارسه أصحاب المشروع الإسلامى و أيضا أصحاب المشروع المدنى، فهؤلاء يريدون دولة مدنية بروح إسلامية، والآخرون يريدون، دولة إسلامية بقوانين مدنية.

وإنى أتساءل: لماذا يصر كثير من الصحفيين و الإسلاميين على تحميل الإسلام ما لا يحتمل؟ فمشروع الدولة المدنية متعارض تماما مع المشروع الإسلامى .

الدولة المدنية قامت على الفكر الحر المستمد من المدرسة الرأسمالية الغربية، لا مكان فيها للدين إلا بما يسمح للمواطن أن يقيم شعائر دينه الذى يعتنقه سواء كان دينا سماويا كالإسلام والمسيحية أم فكرة بشرية كالبهائية والقاديانية أى أن مبدأ فصل الدين عن الدولة هو الأساس الذى تقوم عليه الدولة .

هذا المبدأ هو أصل الدولة الحديثة والتى بدأت فى النشأة و التبلور بعد صراع مرير مع الكنيسة فى أوربا، ونظرا لمرارة الصراع فقد وصل الغرب فى مراحل كثيرة من حياته إلى رفض الدين نفسه، وهذه المشكلة الروحية التى يواجهها العالم الغربى والتى سوف تكون سببا قويا لسقوط الحضارة الغربية، بجانب الانحلال والإباحية التى أصبحت جزءا كبيرا من محور الحياة الغربية.

الدولة المدنية لا تقوم على فكرة الحلال و الحرام والدين لا دخل له فيها، فهى تقوم على أن التشريع حق من حقوق المجتمع من خلال هيئة برلمانية منتخبة لا ينظر فيها إلى معتقدات الأفراد الدينية وحرية ممارسة الشعائر هذه جزء من فكرة الحرية التى قامت عليها فكرة الدولة الحديثة. فتجريم الخمر أو عدم تجريمه يرجع إلى رأى رعايا الدولة، لا يؤخذ فيه رأى الدين لأن معنى هذا هدم الأساس الذى قامت عليه فكرة الدولة، وهى فصل الدين عن الدولة.

إن المشروع الإسلامى واضح وضوح الشمس لا مكان فيه للترقيع ولاستيراد الأفكار من الشرق والغرب وتحميل الإسلام ما لا يحتمل.

و بالنسبة لموضوعات مثل خطة الهجرة إلى المدينة، والأمر بالهجرة إلى الحبشة وخطة الحرب فى غزوة بدر وأن يعسكر المسلمون حول بئر بدر وحفر الخندق فى غزوة الأحزاب وتأبير النخل وصلح الحديبية وإنشاء الدواوين فى عهد عمر بن الخطاب على غرار دواوين فارس بل واستعمال اللغة الفارسية فيها . وغيرها هذا من الأمور الدنيوية الحياتية التى لا شأن بالأحكام الشرعية بها والتى يتساوى أمامها كل البشر بغض النظر عن ديانة كل منهما.

إن السبب الرئيس فى هذا الخلط القائم بين الدولة المدنية و الدولة الإسلامية راجع إلى التداخل الموجود فى ذهن كثير من المفكرين والكتاب بين مصطلح الحضارة والمدنية. واستخدامهما أحيانا بالتبادل، ووضع تعريفات تختلف عن المدلول الحقيقى لهما.

فالحضارة هى مجموعة المفاهيم والأفكار عن الحياة، فالحضارة إذاً هى وجهات النظر المختلفة حول القوانين والأحكام و الأنظمة فى الحياة و ما يتعلق بها بعد الموت.

و المدنية هى الأشكال المادية للأشياء المحسوسة التى تستعمل فى شئون الحياة. فالمدنية هى ناتج ما أبدعته حضارة معينة بناء على العلم الذى وصلت إليه، فالحضارة الغربية استطعت أن تصل إلى تصنيع الطائرة و السيارة و أجهزة الحاسبات وغير ذلك، وهذا لا علاقة له بالحضارة الناتجة عنه، بمعنى أن عقيدة الإنسان، لا دخل لها بما أنتجه عقله وفكره.

وعلى هذا فلا يوجد فى الإسلام ما يمنع أن تأخذ من المدنية ما تشاء وتتوقف فى أخذ أى فكر أو قانون ناتج عن وجه نظر الغرب فى الحياة وإما الحصول على الصناعة والعلم من الغرب أو الشرق والإبداع فيهما و التفوق على أصحابه فهذا قد يصل إلى حد الفروض الواجبة على المسلمين والإسلام لا يرفض الإبداع و التطور فهو أحرص الناس عليها لأنه دين يدفع إلى العلم والتعلم ليس فى أمور الدين فقط ولكن فى أمور الدنيا أيضا . وليس هناك دليل على ذلك أقوى من أن أفراد الحركات الإسلامية تجد فيهم أصحاب التخصصات العلمية من طب وهندسة وحاسبات وأعضاء هيئات التدريس فى الجامعات. وكان انتشار الأفكار الإسلامية داخل الجامعات المصرية فى كليات القمة من بداية الثمانينيات كدليل على أن انتماء المسلم إلى دينه لا يمنعه من التطور والإبداع والأخذ بمقومات الحياة العصرية بما لا يخالف دينه وعقيدته.

إننى أتوجه إلى أصحاب المشروع الإسلامى، اجعلوها إسلامية فقط، لا مدنية ولا دينية (كهنوتية) وإلى أصحاب المشروع الوطنى أو المدنى، اجعلوها مدنية فقط ولا تحملوا الإسلام ما لا يحتمله.

إن التميع بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية أدى بنا إلى أن نقف فى منتصف الطريق فلا وصلنا إلى هذه أو إلى تلك.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة