القارئ رمضان عبد الوهاب يكتب.. حب على ورق

الخميس، 28 يناير 2010 09:06 م
القارئ رمضان عبد الوهاب يكتب.. حب على ورق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نظر إلى كومة الورق الموجودة على مكتبه فوجد بينها قصاصة ورق صغيرة مكتوباً عليها أربع جمل باللهجة البدوية، فمد يده وانتزعها من بين الورق, وشرع فى قراءتها, وكان لا يصدق نفسه عندما قرأ ما بين سطورها, إن محبوبته قد كسرت قيد صمتها الذى يطوقها وتخلت عن خفرها الذى يمنعها البوح بأجمل ما تحسه وتشعر به، لولا علمه بأنه ليس هناك من يجيد اللهجة البدوية من اللائى يعرفهن هو إلا محبوبته لالتبس عليه الأمر، فإن الكلمات المكتوبة بخطها واسمها هو المدرج ضمن الجمل الأربع, وشفافية الكلمات ورقتها تدلان على جاذبيتها وعلى شخصيتها المتفردة.

لم يخالجه شك فى أن قصاصة الورق التى ألفاها على مكتبه ضمن كومة الورق واختلط عليه أمر كاتبها، إما أن تكون من حورية من جنان الأرض ممن يعرفهن ويخالطهن وإما أن تكون من عفريتة من الجن اللاتى يتخيلهن ولا يراهن, وأغلب الظن أنه يرجح أن هذه القصاصة الموجودة ضمن كومة الورق على مكتبه جاءت إليه خلسة عن طريق حوريته الجميلة التى طالما عشقها وأحب الحياة فى وجودها، فهى بالنسبة له أمنية نفسه الدائمة الخالدة, وتوأم روحه وهالة حب تملأ كيانه ووجدانه، وهى التى بحبها وحنانها وعطفها قد طوعت إرادته العصية على أى حب إلى انسياق كامل لعواطفه الجامحة، فحركت قلبه الجاثم كالصخر فى حنايا صدره حركة تكاد تخرجه من بين ضلوعه ليعلن عن مخاض حبه الأول ويقطع هو بأنه الأخير ما دامت له الحياة فى هذا الوجود، فإن للحب سلطانه العظيم على القلوب والنفوس لا يعدلهما أى شىء فى هذه الحياة لقد نفذ حب فاتنته إلى فؤاده ثم استقر فى أعمق أعماقه وأضحى يجرى فى عروقه مجرى الدماء.

وقف يتحدث إلى حوريته الجميلة فى لحظة حانية عن أمسه كيف كان وعن حلم يومه وغده كيف سيكونان معها؟ يتحدث وهو صادق معها فى كل ما يقول كصدقه مع نفسه، إلا أنه أحس منها تهميشاً وبعداً وكأنها تختبر صلابة حبه وأحس هو الآخر من نفسه شيئاً مماثلاً من الجفوة لمشاعره نحوها وكأنما يرد عليها بالمثل، فى الوقت الذى أعلنت فيه عن حبها له عبر قصاصة الورق، ذلك الحب الذى كان بالنسبة لهما جسراً يعبرانه معاً لكى يلتقيا ولأول مرة مع نفسيهما فى ظروف سانحة وأجواء صافيه تذوب فيها الفوارق الاجتماعية ويتخلى كل منهما عن أنانيته بإنكاره لذاته فيجلواها بأجمل واسمى وأروع المعانى الإنسانية المتعمقة فى قلبيهما وعلى كل حال، فهو يرى أن صدق المشاعر يبدد الحرج ويذهب الكبرياء وتتلاشى معه النرجسية المفرطة التى تتظاهر بها الفتيات، فالمشاعر الصادقة وحدها تستنطق اللسان بأجمل وأصدق معانى الحب فى الوجود ولكن محبوبته ربما ترى غير ذلك فى تعاملها معه، فتغلو فى ظلمها له وتجعل من حبه لها معاناة كبيرة وعذابا أكبر, وإن كان ذلك يعذبه ويؤرقه غير أن الذى يدفعه للتمسك بحبها هو شعوره بأن نفسها ما زالت تخالج نفسه, وقلبها ما زال يذوب فى قلبه وروحيهما ما زالتا تتعانقان تتناجيان وتهيمان معا عشقا وغراما فى أفق بعيد وفى فضاء شاسع عريض تغمرهما كل نهار شمس مشرقة بالدفىء والجمال وينعمان كل ليل بخيوط القمر الفضية الممتدة من السماء إلى الأرض إنهما يعيشان السعادة بلا حدود أو قيود, ورغم كل هذه العواطف الصادقة, والأحاسيس المرهفة اللتين يستشعرانها معا ويبديانها فى الخفاء فإنه يخشى أن تكون مجرد أحلام حيث لا يجد سبباً حقيقياً أو علة تبرر له صمتها الطويل الذى لا يقطعه إلا كلمات عذبة ورقيقة لا ترضى قلبه العاشق.. ويسأل نفسه متمنيًا.. ماذا لو صدقت مشاعرها المرهفة وأحاسيسها الدقيقة التى احتوتها قصاصة الورق بين سطورها الأربعة تلك التى أذنت بمولد حبه الأول ويزعم أنه الأخير والذى جعله يحس من يومها بالفرح والسعادة يلامسان قلبه الذى أحبها وأحب فيها كل شىء وكأنه اختصها لنفسه واصطفاها لقلبه من بين هؤلاء الناس الذين كانوا يرونها بعيونهم فلا يحسون منها إلا جمالاً عابراً وفكراً متبايناً لا يرقى إلى درجة الحب أو التأمل بينما كان هو الوحيد من دونهم الذى يرى جمالها بعينه ويحس حبها بفؤاده وبكل ملكاته وكل شيء من حوله يشعره بأنها خلقت له وحده وخلق لها ليعيشا حياتهما معا , فى توافق نفسى وشخصى لا حد لهما فيقفزان حاجز الزمان والمكان ويتغلبان على قسوة الحياة وتقلباتها ولكن فى لحظة يجد الصورة التى تراءت له أمام عينيه تبدو الآن وكأنها كانت مجرد طيف يسرى فى خياله رغم الكلمات المكتوبة والمزيلة بتوقيع حمل اسمها ونظرات عينيها التى كانت تحمل فى بريقها اللامع أدق معانى هذه الكلمات التى احتوتها قصاصة الورق .. فهل كان صرير قلمها هو لغة البوح عن قلبها عوضا عن لسانها؟ أم أن حمرة الخجل والحياء امسكا لسانها عن الكلام؟

ولا غرو فى انه كان يقف أمام صمتها المطبق وعنادها الشديد فى إخفاء حبها له موقفا حائر ولكن رغبته فى مصارحتها بكل ما يخالجه من حب ويساوره من شك كانت هى الأقرب إلى الصواب علما بأن ما حرك مشاعره نحوها مجرد كلمات تمثل حب على ورق ومع كل ذلك فهو مازال ينتمى إليها ويحمل لها فى نفسه كل الوفاء والإخلاص علّها يوما تبوح بحبه الذى خطته بيدها على قصاصة ورق.

ومع مرور الأيام والسنين مازال يتساءل هل كانت هى تحبه بالفعل؟ أما أنه كان يحمل لها حباً فى أعماق قلبه يخشى أن يستشعره ذات يوم فى قلبها وهما وسرابا؟ وهذا سؤال يطرحه عليها لعله يجد يوما عندها الإجابة.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة