فى عيد الشرطة .. هل من الممكن أن نقول كل سنة وكل عسكرى طيب

الشرطة تدفع ثمن السياسة

الجمعة، 29 يناير 2010 11:53 م
الشرطة تدفع ثمن السياسة العادلى
محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄رجال الشرطة الشرفاء.. والشرفاء فقط مازالوا بعد مرور 58 عاما على ملحمة أسلافهم أمام الإنجليز مستمرين فى مواجهة أنواع أخرى من الاحتلال ولكنها أبشع

على الأقل 80 % من السائرين فى شوارع المحروسة راودهم هذا الحلم وهم صغار، ربما تبخر مع تضاعف سنوات العمر قهرا أو نتيجة لتغير المزاج الشخصى، ولكنه ظل موجودا فى النهاية ينتقل من صغار جيل إلى جيل تال بكل نسوره ودبابيره التى تسعى لنشر الأمن والأمان وأحيانا برغبات النفس الشقية التى تهوى السيطرة والتحكم فى الناس.. أنا أتكلم عن الحلم الذى ارتدى من أجله أغلب أطفال مصر بدلة الضابط.. الحلم الذى جعل من لعبة العسكر والحرامية اللعبة الأكثر شعبية فى قرى ونجوع مصر.. الحلم الذى جعل الإجابة عن السؤال الشهير نفسك تطلع إيه ياحبيبى لما تكبر؟ إجابة واحد هى نفسى أطلع ظابط.

صحيح أن أغلب هذه الأحلام انكسرت على عتبات كشف الهيئة، وصحيح أن بعضها تحول لكوابيس بسبب نظام اجتماعى مختل، وصحيح أن أحلام هذا الزمن أصبح لها أغراض أخرى غير العمل على سيادة العدل والقانون، بعد انتشار ثقافة الربح والتاحيل لصناعة الثروات ولكن كل هذا لم يضع الحلم فى خانة الممنوع من التداول، فمازالت أغلب الإجابات على سؤال نفسك تطلع إيه لما تكبر؟ هى نفسها.. ربما لأن 25 يناير يأتى كل عام ليذكر الناس بملحمة بطولية خاضها عدد من ضباط الشرطة اللى بجد سنة 1952 ضد جنود الاحتلال الإنجليزى، وربما لأن سنوات المد الإرهابى تحمل بين طيات أيامها مائة قصة وقصة عن بطولة رجال الشرطة، وربما لأن شهور السنوات الماضية لم تكن تمر دون أن تترك لنا قصة بطولة لأحد أفراد الجهاز الأمنى فقد حياته على أيدى بلطجية وتجار مخدرات دفاعا عن وطنه.. ربما هذا أو ذاك أو غيره من القصص والأسباب هى التى تبقى على حلم ارتداء بدلة الضابط رائجا بين الأطفال وتحافظ على الصورة النموذجية للبدلة الميرى بأنها رمزاً لسيادة القانون وتحقيق العدل.

لم تفلح بعض التجاوزات فى النيل من هيبة بدلة الضابط وجمالها فى عيون الأطفال والكثير من الكبار الذين يدركون أن لكل قاعدة استثناء، وأن فى كل جهاز ومصلحة وقطاع العديد من ضعاف النفوس أشرار التفكير والكثير من الشرفاء، وأدركوا قبل ذلك أن جهاز الأمن المصرى بكل قطاعاته وتياراته ابن هذا المجتمع يعانى مما يعانى ويشكو مما يشكو ويصاب بنفس الآفات التى تصيبه، ولهذا أدرك الكثير أن كل ما يتردد أحياناً حول حوادث التعذيب أو التعدى أو تجاوزات السلطة لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تنفى تلك الصورة المبشرة التى نتذكرها فى عيد الشرطة لضباط الإسماعيلية الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن، ومن بعدهم هؤلاء الجدعان الذين استشهدوا فى مطاردات تجار المخدرات والبلطجية والمغتصبين، ومن بعدهم هؤلاء الشرفاء الذين رفضوا رشاوى بالآلاف.. لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نأخذ هؤلاء بذنب أولئك الذين ضعفت نفوسهم أمام السلطة أو المال أو غرور الدنيا فعذبوا واضطهدوا وقهروا واستغلوا سلطتهم فى غير مكانها.

عيد الشرطة هذا العام لابد أن يكون مختلفا ليس فقط لأن العام الماضى كان حزينا حينما ذهب وأخذ معه عددا لابأس به من شهداء الشرطة بعضهم سقط على الحدود، وبعضهم قتل فى القليوبية برصاص تجار مخدرات، وآخرون مثل اللواء إبراهيم عبدالمعبود رئيس مباحث السويس، والمقدم محمد شكرى ضابط المسطحات المائية، والمقدم محمد عبد العال بإدارة البحث الجنائى ببورسعيد، والرائد حسام أحمد محمد بدوى بمكافحة المخدرات.. قتلوا أثناء تأدية واجبهم.. لن يكون هذا العيد مختلفا فقط بسبب هؤلاء الشهداء أو غيرهم من الشرفاء الذين يرفضون الرشاوى مثل ضابطى سوهاج الذين رفضوا رشوة تتجاوز الـ15 مليون جنيه من تجار آثار.. بل سيكون عيدا مختلفا للشرطة لأن ماحدث فى أواخر 2009 وحالة التعاطف الشعبى مع شهداء الشرطة وحالة الحزم والربط التى اتبعتها وزارة الداخلية مع عدد من الضباط المخالفين ومع عدد من التجاوزات الأمنية تبشر بعهد جديد لعلاقة محترمة بين الشعب والشرطة.. علاقة يفهم فيها كل طرف واجباته ويدرك حقوقه، علاقة يفهم من خلالها المواطن ضرورة التوقف عن تحميل رجال الشرطة مسئولية ما يحدث من ارتباك أو جرائم وإدانة المسئول الحقيقى عن حالة الهرج والمرج التى تعيشها مصر.. أهل الحكم والسياسة.

مع وضع حالات التجاوز الفردية لرجال الأجهزة الأمنية بجانب الإدانة والرفض والاستنكار، هل يصبح من الطبيعى إدانة رجال الشرطة إدانة كاملة وتحميلهم مسئولية تلك الانفجارات أو الحوادث العشوائية أو حالات الاغتصاب أو السرقة بالإكراه أو المعارك العائلية التى تسيل منها أنهار دم؟.. السؤال يبدو صعبا على اعتبار أن مهمة رجل الشرطة الاولى هى حماية أمن واستقرار الوطن، ولكن لماذا نحمل رجل الشرطة فى مصر خطايا الحكومة التى تزرع سياسيتها الفشل الغضب فى صدور الناس؟ وهل من المنطقى أن يكون الجهاز الأمنى مسئولا عن حماية استقرار الوطن من غضب 40 % من شعب هذا الوطن وضعته الحكومة تحت الخط الفقر وحرمته من حق الحياة الكريمة، ودفعته دفعا نحو التفنن فى النصب والسرقة والنشل والقتل من أجل لقمة العيش، ألم يكن ماحدث فى أحداث 17 و18 يناير من تخريب وتدمير لم تقو الشرطة على مواجهته شيئا سببه قرارات حكومية متعسفة؟!

على أى أساس قد يتوقع أى رجل شرطة فى أى دولة فى العالم أن أخا قد يقتل أخاه وأولاده كما حدث فى تلك المذبحة البشعة التى شهدتها إحدى قرى مدينة طنطا بسبب خلاف على بناء سلالم للمنزل؟

قد يبدو الأمر بالنسبة لك دفاعا عن وزارة الداخلية فى عيدها، ولكن الأمر فى الحقيقة أعمق من ذلك بكثير فهل يبدو لك الوضع منطقيا، ونحن نطالب رجال الشرطة بحماية مصر من التطرف الدينى ونعيب عليهم بسبب عدم منع حوادث التفجير والهجوم على الكنائس قبل حدوثها، بينما البلد كلها تشكو من خطاب دينى جاهل وفقير ويصنع فى كل دقيقة متطرفا؟ هل تجد أنه من المنطقى استبعاد النظام الحاكم من الحساب حينما نتحدث عن انتشار الفساد فى المؤسسات ونوجه كل سهام اتهاماتنا إلى عساكر الحراسة وضباط الأقسام؟ هل تجد أنه من المنطقى أن أحاسب رجال الشرطة فقط على انتشار المخدرات وأترك وسائل الإعلام التى جعلت من سيجارة الحشيش والبانجو مقوما أساسيا ومبهجا فى كل أعمالها الدرامية؟

الحقيقة أن رجال الشرطة الشرفاء.. والشرفاء فقط.. مازالوا بعد مرور 58 عاما على ملحمة أسلافهم أمام الإنجليز مستمرين فى مواجهة أنواع أخرى من الاحتلال ولكنها أبشع..

يواجهون ومعهم العقلاء من المواطنين إعلاما مصابا بخلل مزمن، وخطابا دينيا غير معتدل، وسياسيات حكومة لا ترحم، واستمرار نظام لا يمنح لغيره فرصة، وشعبا غاضبا بعد أن تحول حاضره إلى جرى بلا توقف على لقمة عيش لا تأتى، وأصبح مستقبله كتلة من الكوابيس لا تعرف معنى الأمل.. هذا مايواجهه رجال الشرطة فى عيدهم الـ58.. فهل بعد كل هذا يجوز أن نحملهم المسئولية الكاملة على ما يحدث من جرائم وانفلات؟








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة