◄◄ الوزارة أنشأت غرفة عمليات للرد على واشنطن ولذلك لم يعين الوزير رئيسا جديدا لهيئة الكتاب لحين إتمام مناورة «المعرض»
◄◄ واستبعدت المعارضين تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت الحزب الوطنى»
عدة أسئلة تطرح نفسها بمجرد سماع خبر اختيار روسيا لتكون ضيف شرف معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى يفتتحه الوزير الخميس القادم لماذا روسيا الآن بعد تجاهل استمر لسنوات عديدة، وبعد أربع دورات واستضافة ثلاث دول أوروبية إنجلترا وألمانيا وإيطاليا، ودولة عربية واحدة هى الإمارات؟ وماذا حدث ليتغير هذا المزاج الغربى الغالب على الاختيارات بإعادة روسيا إلى خريطة الأدب المصرى وتواجدها فى أكبر محفل ثقافى عربى؟ وهل من قبيل المصادفة أن تعلن وزارة الثقافة عن استضافة «روسيا» بعد خسارة فاروق حسنى لمعركة اليونسكو؟ وهل يأتى هذا الاختيار ضمن ما أسماه الوزير نفسه «بإعلان الحرب على اللوبى الصهيونى والأمريكى»؟
ما لا شك فيه هو أن هذا الاختيار «الذكى» وافق هوى الكثير من المثقفين أصحاب المرجعيات اليسارية، وهم بالطبع «أغلبية» وليس أدل على هذا من تصريح الكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد بأن بدنه «اقشعر» ابتهاجا حينما سمع هذا الخبر، وقبل افتتاح المعرض بأيام أفرد الكاتب الكبير جمال الغيطانى رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب ملحقا خاصا للأدب الروسى تحت عنوان «الروس قادمون» مستعيرا اسم فيلم أمريكى تم إنتاجه أثناء الحرب الباردة لبث الرعب فى العالم الغربى من محاولات روسيا للسيطرة على العالم، وفى مقاله الأسبوعى بالجريدة ذاتها باح «الغيطانى» بشجونه التاريخية وعلاقته بالأدب الروسى قديمه وحديثه، ومدى تأثير هذا الأدب فى جيله الذى يعد الآن الدعامة الأساسية للأدب العربى. هذا الحنين للأدب الروسى الذى وجد له منفذا شرعيا باستضافة روسيا لا يمكن تفسيره باعتباره تدعيما لاختيار الوزارة لروسيا فقط ولا محاباة للوزير وثناء على اختياره، لكن أقل ما يقال هو أن اختيار الوزارة الماكر لروسيا وافق هوى هؤلاء الكتاب الكبار وأثار شجونهم بما يبشر بمحاولة استعادة صورة روسيا القديمة أيام كانت الرافد الوحيد تقريبا للأدب المصرى، وبذلك يتم تهديد العالم الغربى بسحب البساط الثقافى من تحت أقدامه، خاصة مع الوضع فى الحسبان تصريح الوزير بعد خسارته لليونسكو بأن «الحملة التى كانت ضدى فى اليونسكو كانت تقودها فى العلن الولايات المتحدة كرأس حربة وتتعاون فيها العديد من الدول الأوروبية»، ما يؤكد أن هذا الاختيار «تكشيرة أنياب» من وزارة الثقافة لمن وقفوا ضد «حسنى» فى الانتخابات، واستدعت تكشيرة الأنياب هذه أن تنشئ الوزارة غرفة عمليات خاصة داخل أروقتها معلنة حالة الطوارئ القصوى، حتى أن الوزير أجل اختيار رئيس هيئة الكتاب لحين إتمام «مناورة» المعرض، بعد أن أرسل للجامعة وللرقابة الإدارية ترشيح أحد أساتذة الجامعة للمنصب.
روسيا تحاول استعادة مجدها الثقافى، هكذا قال «أحمد صلاح زكى» المسئول عن معارض الوزارة، أما المستشار الثقافى الروسى فهلل بهذا الإعلان قائلا إنه شرف لبلده أن تكون ضيفا لمعرض القاهرة، وقبل اختيار روسيا كانت ملفات ثلاث دول مطروحة للمفاضلة بينها، وهذه الدول هى فرنسا والصين وروسيا، وجاء الاختيار معلنا اسم روسيا كضيف هذا العام، وفى الغالب سيتم اختار الصين العام القادم، وبحسب التغيرات السياسية فى مواقف البلدان الغربية سيكون القرار بشأنها، وما يدل على طبيعة الاختيار السياسية هو استبعاد فرنسا بعد موقفها المتذبذب من انتخاب حسنى، فمرة تصرح بالوقوف ضده ومرة تصرح بمساندته، ويقال إن فرنسا استجابت لأمريكا فى التصفية النهائية وسحبت دعمها لحسنى، لكن الوزير نفى هذا الكلام مصرحا بأن علاقتنا مع فرنسا «زى الفل» لكن هذا «الفل» لم يشفع لها ولم يرجح كفتها مقارنة بروسيا التى سحبت مرشحها من الانتخابات، ويتردد أنها استماتت فى مساندة حسنى، وبنظرة سريعة على اختيار ضيوف شرف معرض الكتاب سيتأكد أن العامل السياسى من أهم العوامل المرجحة لكفة الدول المضافة، وكانت الدول الأربع المختارة منذ بداية تقليد «ضيف الشرف» متوافقة مع الهوى السياسى وقتها، ما يدل على أن وزارة الثقافة تتحكم فى أمزجة الشعوب بأوامر سياسية عليا، وأنها انتبهت أخيرا إلى أن للثقافة دورا كبيرا من الممكن تمارسه وتضغط به على مناوئيها، بعد سنين من التجاهل والتعامل مع الثقافة وكأنها من مستلزمات «البرستيج».
حرب الوزير تكن فى الخارج فقط لكن هناك حرباً أخرى داخلية قادتها الوزارة بالنيابة عن الحزب الوطنى واستبعدت كبار الكتاب والسياسيين بالنظر إلى برنامج المعرض اتضح أن هناك نوعا آخر من المصادرة تمارسه الهيئة، وخلت قائمة ندوات المعرض من أسماء كبيرة بحجم فهمى هويدى، وجلال أمين، وحمدين صباحى، وصنع الله إبراهيم، وحسن نافعة، وغيرهم من رموز المعارضة الكثير، فى حين يستقبل المعرض رجال الحزب الوطنى مثل مصطفى الفقى أو القيادات الحكومية مثل عماد أبوغازى وأحمد مجاهد أو حلمى النمنم وغيرهم.
الكاتب فهمى هويدى أكد أن الأمن يتحكم فى المعرض وضيوفه، لأنه جهة تابعة للحكومة، وبالتالى من الطبيعى أن يتم استبعاد المعارضين وأنا منهم، فالحكومة لا تعتبرنى من أهل الصحافة ولا الكتابة، ولذلك لا تدعونى لأى فعالية تنظمها، وأضاف هويدى أن هذا يعود لتراجع المستوى الثقافى فى مصر، والذى نتج عن تدخل السياسة فى النشر وصناعة الثقافة، فوجدنا الكتب تطبع للمجاملة، وبعد كل هذا من الطبيعى أن يتدهور حال المعرض.
بينما يرى الكاب جلال أمين أن هيئة الكتاب تختار المأمون فى كل شىء بداية من الضيف الذى لا يمثل خطورة على الحزب الوطنى ولا عليها كهيئة حكومية نظامها السياسى معروف، وحتى المكرمين، فلن يحدث قلق لكريم يحيى حقى، بينما قد يحدث عند تكريم محمود أمين العالم أو عبدالعظيم أنيس، وهو ما يجعلها تختار الكتاب المعروف توجههم، وحتى إن استضافت المعارضة فتضعهم فى المكان المحدود الذى لا يستطيعون من خلاله المعارضة، وأضاف النائب حمدين صباحى وصف معرض الكتاب هذا العام «بالتيبس»، مشيرا إلى أن مصر كلها تعيش نفس الحالة فى كل المجالات، فالهيئة تناقش نفس الموضوعات وتستضيف نفس الأشخاص، مضيفا أنه بالرغم من أن المعرض حدث ثقافى دولى يجب أن تشارك فيه كل التيارات السياسية والفكرية فى مصر والعالم العربى فإن هذا لا يحدث، مؤكدا أنه منذ أن رفض الأمن دخول الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لمعرض الكتاب ومنظمو المعرض يتبعون مبدأ «المشى جنب الحيطة»، ليصبح صوت الحزب الوطنى هو الصوت الوحيد داخل المعرض
بينما يرى الكاتب حسن نافعة أن النظام فى حالة ارتباك شديدة وهو ما جعله يخشى المثقف بشكل عام خاصة المعارض، مضيفا أن أى شخص ينظر لقوائم المدعوين للمعرض يستنتج أن المعرض تحول إلى تجمع حكومى، ولم يعد مثلما كان من قبل للمثقفين على اختلاف ألوانهم، من جانبه قال الكاتب حلمى النمنم نائب رئيس الهيئة العامة المصرية للكتاب إن معرض الكتاب لا يمثل تظاهرة سياسية أو حزبية، وإنما ثقافية، وبالتالى ليس مطلوبا وجود كل التيارات السياسية وإنما التيارات الثقافية والفكرية، وقد دعت الهيئة المعنيين بالمحاور الرئيسية المطروحة للمناقشة هذا العام، مضيفا أن هناك آلاف الأسماء فى مصر من المفكرين والكتاب ولو فكرت الهيئة فى دعوة كل الأسماء فلن تجد الوقت الكافى حتى لحصرها لا لتقديم الندوات، فالمعرض محكوم ببرنامج ووقت، وهو ما يؤدى لدعوة البعض وعدم دعوة آخرين. وعن الكتاب العرب وتواجدهم فى المعرض قال النمنم إن هناك مشكلة قابلتنا هذا العام وأعتقد أنها ستقابلنا فى الأعوام القادمة وهى أن بعض المثقفين العرب غوتهم الفضائيات العربية على الدفع لهم مقابل اللقاءات وهو ما جعلهم يطالبون بأموال مقابل حضورهم المعرض وهذا أمر لن تقوم به الهيئة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة