لم يحدث أن علق ولو بالسلب على شيخى د.عبد الصبور شاهين أحد من تلاميذه.. فالرجل كان قامة طويلة حياً.. وطالت قامته أكثر ميتاً.. رحمه الله كان عالم لغة شديد المراس، فهم القرآن الكريم وتدبره، وعلمنا ما لم نكن نعلم.
ذكرى واقعة استفهامى من د.شاهين عن السبب فى الخلاف بينه وبين د.نصر أبو زيد لم يكن طعناً فى أستاذى، إنما إشارة إلى مثل لاجتهاد اثنين من العلماء ظنوا أنهما على النقيض.. مع أنهما كانا على نفس الدرب.
تدبر شيخى عبد الصبور شاهين للقرآن دفعه إلى نظرية "أبى آدم"، فى الوقت نفسه تدبر د.نصر أبو زيد النص هو الآخر جيداً، فطرح نظريته فى ضرورة التعامل مع القرآن الكريم باعتبارات تاريخية واجتماعية.
لدى شيخى، كما لدى د.نصر أبو زيد، أن المقدس لا يمنع من الاجتهاد، ولدى العالمين أن النص إلهى، وأن مفهوم النص بشرى لديهما أيضاً أن مفهوم النص متغير.
رغم الخلاف الشديد بين د.عبد الصبور شاهين وبين د.نصر أبو زيد، فإن د.شاهين دخل دون أن يدرى نفس الدائرة التى دخلها على يديه د.نصر أبو زيد.
بعضهم أخرج د.أبو زيد من الملة لما نزلت مجموعة من كتبه الأسواق، فقد كان اجتهاده عالياً وجديداً، ولما وجد المشايخ من يؤكد بالبراهين العلمية أن مفهوم النص القرآنى شىء وأن النص المقدس نفسه شىء آخر، خرجوا عليه بالسواطير والسكاكين.. ولم يعلم الرجل حتى مات ما الذى حدث.. ولا ما الذى فهمه هؤلاء.. الأمر نفسه حدث مع د.شاهين.
فالعالم الجليل كان أول من قال إن جنة آدم كانت على الأرض، وان سيدنا آدم ليس أبو البشر، إنما هو أبو الإنسان.
قال د.شاهين أيضا أن الإنسان غير البشر، فالبشر الذين خلقهم الله قبل خلقه آدم كانوا مختلفين فى السلوك والشكل والتفكير عن جنس بنى آدم، أما آدم فقد خلق بعد فناء جنس البشر من على الأرض.
توصل شيخى رحمه الله إلى أن ادم ليس فرداً واحداً، إنما جيل أو جنس، وأن حواء هى أنثى هذا الجيل، ولفظ حواء ليس اسماً، إنما صفة لإناث جنس آدم.
اعتمد د.شاهين على آيات القرآن، واستمد نظريته من ألفاظ كتاب الله، كان مجيداً.. شديد الملاحظة.. عليم، فى حين فعل د.نصر أبو زيد الأمر نفسه فأجاد، ولم يطغَ، كما اعتقد فيه الذين يلبسون العمة والقفطان.. ويقولون نحن رجال الله.
لو تقارب الرجلان – رحمهما الله – لكان الأمر مختلفاً.. فلو سمع شيخى د.أبو زيد بروية، ولو اطمئن د.أبو زيد يمكن لمن اعتقد أن د.شاهين منهم.. لتغيرت الأحوال.
لكن شيخى هاجم.. ود.أبو زيد دافع، ودخل بين الاثنين من فى قلوبهم مرضاً.
لم يأخذ شيخى د.شاهين حقه، مقارننة بمشايخ الفضائيات، وأصحاب نظريات دعاء دخول الخلاء.. وأباطرة فتاوى تفسير الأحلام، وأحوال المستحاضة.. ومروجى المستحب من سنن "الجماع".. بدعوى الدين القيم.
د.أبو زيد هو الآخر لم يجد له فى الشارع ما كان يستحقه من صدى، ربما أسلوبه السبب، فقد كان صعب اللغة.. شديد الأكاديمية، فضاق الحفنة الذين يقرأون بالذى يكتبه.. مع إنه كان كنزاً.
رحم الله الرجلين.. وأنعم على شيخى أولاً.. فقد مات فى هدوء.. كما مات أبو زيد فى هدوء هو الآخر.
الملاحظة الأهم.. أن حضور عزاء الرجلين كان قليلاً، رغم قامة الرجلين، ولو أن الميت كان نجمة سينما، أو لاعب كرة.. لانبدرت الأرض برجال من كل فج عميق.
اختلف العالمان، لكنهما اتفقا ضمناً على أن يعملا لمجتمع يفكر بعيونه.. ولا يرى إلا أبو تريكة ومتعب وميدو!!
مساعد رئيس تحرير جريدة روزاليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة