◄ اسأل دعاة الديمقراطية والحريات: لماذا هاجموا الدكتور سعد الدين إبراهيم عندما وقّع على ورقة جمال مبارك؟ ولماذا هاجموا جورج إسحق عندما امتنع عن حضور مؤتمر أمريكا؟
◄ كل ما نشر فى الصحف القومية والحزبية حول نتائج المجمعات الانتخابية للحزب الوطنى هو نصب واحتيال يعاقب عليهما القانون والانتخابات المقبلة لن تكون نزهة للحزب الوطنى ومهمتنا تحويل النزاهة من شعارات لا تسمن ولا تغنى من جوع إلى خطة عمل حقيقية
◄النضال الإلكترونى فكرة هزلية والذين يجمعون آلاف التوقيعات على الإنترنت لو دعَوا إلى عقد ندوة فلن يحضر لهم أكثر من 100 شخص.. والتغيير الحقيقى لا يمكن أن يتم إلا عبر الأحزاب السياسية الشرعية
◄ الرئيس مبارك لن يرضى عن إهدار إنجازه الكبير فى إتاحة حرية الرأى والتعبير لكن نحن فى مرحلة التصحيح لأن الديمقراطية تصحح نفسها بنفسها
◄ الاتجاه الذى أفهمه حاليا بالنسبة لرسائل الأخبار على الموبايل هو السماح للصحف المرخص لها من المجلس الأعلى للصحافة بهذه الخدمة دون غيرها من الجهات المجهولة
إلى أى مدى يجب على كل الصحفيين فى مصر أن يشعروا بالخوف من لغم قد تطؤه أقدامهم فجأة فى تغطية الانتخابات البرلمانية المقبلة، أو حفرة قد يهوون إلى جوفها المظلم وهم لا يشعرون؟
القراءة الأولية لما يجرى فى مصر الآن قد تدفعنا إلى طرح هذا الاستفهام الكبير على الساحة السياسية والإعلامية، لا أعتقد أن المشهد الحالى يحتاج إلى تبرير هذا الطرح، فأنت تعرف ماذا حدث فى بعض الصحف وبعض الفضائيات وبعض البرامج الشهيرة، وتعرف أيضا الشائعات التى تضاعف من أجواء الحذر فى المناخ الصحفى والإعلامى، تحسبا لما يراه البعض ضربات استباقية قبل الانتخابات، فهل تصح هذه الشائعات فعلا؟ وهل هذا الحذر الصحفى والإعلامى ناتج عن حركة حصار أو تضييق حقيقية تنفذها الحكومة ؟!
كنت أفرّغ سريعا ولاهثا كل ما عندى من تساؤلات وهواجس وشائعات وحذر أمام الدكتور على الدين هلال، منذ اللحظة الأولى لدخولى إلى مكتبه بمقر الأمانة العامة للحزب الوطنى على نيل القاهرة، وكان اختيارى أن أوجه أسئلتى تلك حول الانتخابات والصحافة خلال شهر نوفمبر الحاسم إلى الدكتور على الدين هلال مباشرة، ليس فقط لكونه أمينا للإعلام بالحزب الوطنى، وهو ما يجعله من الناحية السياسية والحزبية معنيا بهذه الاستفهامات الكبيرة، ولكن لأنه أيضا الأكثر خبرة من الناحية الأكاديمية والعلمية بكل ما يجرى فى مصر الآن من تحولات على الخريطة السياسية والحزبية، كما أن مكانته المتميزة فى هيئة مكتب الحزب الوطنى الديمقراطى، تجعله فى قلب صناعة القرار مباشرة، وفى بؤرة الحدث من جوانبه المختلفة سياسيا وإعلاميا.
من يعرفون الدكتور على يعتقدون دوما أنه يتبادل الضحكات مع محاوريه، حين يريد لعقله أن يفكر كثيرا فى انتقاء الكلمات والمصطلحات، يضحك حتى يتأمل ما هى الجملة التالية التى ينبغى عليه أن يشدد عليها، وما هو المعنى الذى يريد له أن يصل مباشرة إلى الرأى العام، وفى هذا الحوار الذى استمر ساعتين بلا انقطاع، كانت ضحكات الدكتور على الدين هلال توحى لى بأن عنوانا كبيرا سينطلق بعد قليل، وأن مفاجأة أخرى سيعلنها على الفور، أو أن سرا كبيرا لا يريد أن يبوح به فيضحك من كل قلبه، ويعلق عينيه على سقف حجرة المكتب طويلا، حتى يعيد ترتيب أفكاره دون أن يكشف ما لا ينبغى لصحفى مثلى أن يسمعه فى هذا التوقيت، أو ليعيد صياغة جملة، لا يريد لها أن تفسر على نحو خاطئ.
لن يفاجئك طبعا أن الدكتور على الدين هلال، توقع كل أسئلتى حول الإعلام والصحافة، فالحدث الأساسى الآن يدور حول هذه القضية، ولذلك قال لى أمين الإعلام فى الحزب الوطنى فور أن انتهيت من الدفعة الأولى من الأسئلة :
دعنا نقرأ المشهد بشكل متكامل وشامل، فالحراك السياسى فى مصر الآن جزء منه حراك سياسى إيجابى، وجزء منه حراك سياسى عشوائى، بمعنى أن جزءا منه حراك يدفع بالديمقراطية نحو الأمام، وجزءا يمضى فى الاتجاه المعاكس الذى قد يؤدى إلى تقويض هذه الديمقراطية من الأساس، وأنا أعتقد أنه فى العامين الأخيرين وفى العامين المقبلين أيضا، هناك خريطة جديدة للتوازنات السياسية فى مصر، تتشكل ملامحها من الآن، ولا يخرج عن ذلك مثلا إعادة تنظيم الحزب الوطنى، وترتيب البيت من الداخل، والباحث الجاد فى الخريطة السياسية المصرية، عليه أن ينظر بجدية لكل ما حدث خلال السنوات الأخيرة من إعادة بناء التنظيم الحزبى، ومن تربية الكوادر السياسية النشطة والاجتماعات المنتظمة ومنظومة التكليفات وتدفق المعلومات والفرز المتواصل.
وليس بعيدا عن ذلك أيضا طبيعة التغيرات التى جرت داخل حزب الوفد برئاسته الجديدة بحيويتها وطموحاتها السياسية المشروعة، فالحزب الوطنى تغير بصورة كبيرة، وكذلك الحال فى حزب الوفد الذى يمضى قدما فى هذا الطريق.
ورغم هذه التطورات الديمقراطية الإيجابية، فإننا نجد على الجانب الآخر من يدعون إلى مقاطعة الانتخابات، ويعتبرون ذلك عملا ديمقراطيا، وربما كان الرد الأمثل على أصحاب هذه الدعوة، هو موقف الأحزاب المصرية التى اعتبرت هذه الدعوة غير واقعية، وخروجا عن الشرعية ونوعا من التهريج السياسى، ومن ثم أعلنت الأحزاب والقوى السياسية الكبرى فى مصر دخولها الانتخابات كرد بليغ على هذه الدعوة.
الذين دعوا إلى المقاطعة لديهم شكوك قوية فى تنافسية هذه الانتخابات؟
تقديرى أننا على أبواب انتخابات تنافسية قوية، وأعتقد أنها ستكون شرسة فى عدد كبير من الدوائر، ولن تكون هذه الانتخابات نزهة لأحد بمن فيهم الحزب الوطنى، وأنت إذا رجعت إلى خطاب الرئيس مبارك فى مؤتمر العام الماضى للحزب الوطنى، تجده يقول «أطلب من الحزب الوطنى الاستعداد بجدية للانتخابات المقبلة»، وهو تعبير عن جدية هذه الانتخابات ورؤية الرئيس المبكرة لتنافسيتها الجادة، وهذا التقدير للتنافسية القوية يأتى كنتيجة لزيادة الوعى السياسى العام فى البلد أولا، والدور الأكبر للشباب سواء داخل الحزب الوطنى أو داخل الأحزاب الأخرى، مما ساهم فى تحقيق حيوية كبيرة تشهدها مصر على المستوى السياسى، وثالثا، تأتى أهمية هذه الانتخابات وتنافسيتها من خلال الاهتمام العالمى بها، فأنت تجد مثلا مؤسسة كارنيجى الأمريكية أطلقت موقعا فرعيا باللغة العربية لمتابعة الانتخابات المصرية، وكذلك فعلت مؤسسات بحثية قريبة من مؤسسة إيباك اليهودية الأمريكية، ثم نحن ثالث أكبر دولة من ناحية عدد المراسلين الأجانب، وهنا نقول إن هذه الانتخابات «متشافة» من العالم أجمع، وهذا طبعا إلى جانب دور المجتمع المدنى فى متابعة الانتخابات.
إذا كانت هذه رؤيتكم، فما الذى يجرى فى ساحة الإعلام حاليا، فهناك مشاهد تفسر من قبل كثير من السياسيين على أنها حملة لتكميم الأفواه؟
أعتقد أنه ليس باسم الديمقراطية القيام بخلط الأوراق، وليس باسم الديمقراطية يتم انتهاك الدستور، فنحن نريد أن نكرس دائما أن الدستور هو سيد البلاد، والدستور فوق الجميع من رئيس الجمهورية إلى أصغر مواطن فى مصر، الدستور هو السيد وهو الذى يحدد اختصاص رئيس الدولة، ورئيس الوزراء، ودور الصحافة، وكل القوانين المختلفة مشتقة من الدستور، لماذا أقول ذلك؟ لأن بعض الناس من الصحفيين والإعلاميين يتحدثون عن المرشحين المستقلين الذين لهم انتماءات فكرية معينة، بطريقة غير قانونية، أن يقال مثلا «حركة الإخوان المسلمين لها مرشحون هم فلان وفلان» وينسى البعض أنه من منظور القانون والدستور لا يوجد تنظيم سياسى فى البلاد بهذا الاسم، ومن ثم فإن الذين يسايرون هذا الاتجاه ويروّجون له يسيئون للديمقراطية، بل يطعنون الديمقراطية فى مقتل، والنظام السياسى الذى يقبل انتهاك الدستور هو نظام سياسى ودولة تحكم على نفسها بالفناء، لأن الدستور هو العاصم لحقوق الناس.
إذن هل كل من يستخدم هذا الوصف فى الصحافة والإعلام يعد منتهكا للقانون والدستور فى مصر؟
لا يوجد أصلا مسمى لتنظيم سياسى اسمه الإخوان المسلمين، يوجد تيار يحمل هذا الاسم فى الشارع، لكن عندما تأتى إلى التوصيف السياسى والقانونى فلا وجود له، بل هو وجود مخالف للدستور والقانون، وبنفس المنطق لا يوجد شىء اسمه الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، لا يوجد هذا الاسم، لأن هؤلاء الناس يتقدمون للانتخابات كمستقلين، والصحف التى تنشر اسم الإخوان المسلمين على أنه أمر طبيعى، هى صحف تخالف الدستور والقانون، وهناك فرق كبير بين أن نتحدث عن تيار فكرى اسمه الإخوان المسلمين، وبين الحديث عن تنظيم سياسى اسمه الإخوان المسلمين، وهذا خطأ فيه خلط للأوراق بكل تأكيد، هناك فرق بين العمل الدعوى الذى يقوم على السمع والطاعة، والعمل السياسى الذى يقوم على الاختلاف وتعدد وجهات النظر، وليس من مصلحة مصر أو مصلحة الديمقراطية هذا الخلط، والدستور هنا يجب أن يكون الحاكم وفوق كل السلطات وكل الأحزاب، وعندما نختلف فى أمر من الأمور يجب أن نرجع للدستور أولا وأخيرا، فى مجال المواطنة أو العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، أو مجال الأحزاب السياسية، أما فكرة فرض أوضاع بقوة الأمر الواقع فهى «سير فى طريق مسدود».
هل هذا يفسر ما يدور الآن من جدل حول بعض الإجراءات التى تتم فى مواجهة صحف ومحطات فضائية وبرامج تليفزيونية؟
ما أستطيع تأكيده، أنه ليست هناك حملة منظمة لتكميم أفواه الإعلام كما يزعم البعض، ولو كان هناك تصميم لحملة حقيقية، فإن الطريقة التى تم التنفيذ بها يحكم عليها بأنها حملة فاشلة، وهذا مثل ما يثار عما يسمى بحملة التوريث، وأنا أقول: لو كانت حملة يكون منظموها أغبياء جدا، والأمر نفسه فى الإعلام، فأنا شخصيا أؤمن بحرية التعبير، وإذا كنا نتحدث عن تنافسية بين الأحزاب، فيجب أن تكون هناك حرية إعلامية، ولا يمكن أن تكون هناك تنافسية من غير حرية الرأى والتعبير، ولذلك أؤكد أنه لا توجد حملة منظمة، فنحن لو أغلقنا وكممنا كل الأفواه فماذا نفعل مع الجزيرة أو العربية أو القنوات التى تبث من لندن، وماذا أفعل فى المدونات والصحف الإلكترونية الناشطة، مثل «اليوم السابع» التى وفرت لها التكنولوجيا سعة الانتشار، ووفرت أيضا للمواطن عشرات السبل للاطلاع على المعلومات، ومن ثم فإن الحديث عن تكميم الأفواه غير حقيقى، ولكن ما نتحدث عنه اليوم هو تنظيم وتصحيح لكثير من الأوضاع غير القانونية، وأعطيك مثالا بملف أعرف أنه يهمك شخصيا فى «اليوم السابع»، وهو موضوع الرسائل الإخبارية على الموبايل، فهناك إجراءات لتنظيم هذه الرسائل، والاتجاه هنا ليس للمنع، ولكن ما أعرفه أن الاتجاه هو السماح للصحف الصادرة بشكل قانونى، والمرخص لها من المجلس الأعلى للصحافة، بإرسال هذه الرسائل الإخبارية على الموبايل، ولكن أن تكون هناك جهات مجهولة تستخدم هذه الخاصية خارج قواعد التنظيم القانونية، وتقوم بإرسال رسائل على الموبايل تهدد الأمن القومى، أو رسائل تحريضية، فهذا أمر غير مقبول، فإذا افترضنا أن هناك خبرا يثير الفتنة ظهر على موقع من المواقع الإخبارية المرخص لها، ستتمكن الجهات المعنية من مساءلة القائمين على الصحيفة، أما إذا كانت جهات مجهولة، فكيف يمكننا المحاسبة؟!
إذا لم تكن هناك حملة فكيف ترتب هذه الصور متجاورة من مواقف ضد برامج معينة أو قنوات محددة ثم تطورات تخص بعض الصحف يتم تفسيرها فى إطار (الحملة) المفترضة؟
الموضوع أكبر من الحكومة ومن الحزب، فحرية التعبير هى أحد الإنجازات الكبرى لعهد الرئيس مبارك، ولا أعتقد أن الرئيس مستعد للتفريط فى ذلك، أو التراجع عن هذه الحرية، لكن الجميع مستعدون لتصويب بعض التجاوزات، ولكن ليس التراجع نهائيا عن مناخ الحرية الذى رسخ الرئيس مبادئه، والرئيس نفسه له تعبير شهير وراسخ، هو أن الديمقراطية تصحح نفسها بنفسها، والرئيس كانت لديه سعة صدر وأريحية فى التعامل مع كل ملفات الحرية فى البلاد، وهو مؤمن بأن المسيرة تصوب نفسها بنفسها، وأعتقد أن بعض الإجراءات التى تم اتخاذها كانت واجبة وحتمية منذ فترة كبيرة، فعندما يحدث تجاوز من بعض المحطات فيما يتعلق بالأديان، كيف يمكن الصمت على ذلك؟ أو عندما تحصل قناة ما على ترخيص لا يشمل قيامها بتقديم نشرات أخبار، فكيف تقوم بذلك على عكس الترخيص الممنوح لها. المسألة هنا ليست فى حرية التعبير التى يؤمن بها الرئيس شخصيا، ولكنها فى الإطار القانونى الذى يحمى المواطنين من اغتيال حرمة حياتهم الخاصة واستقرارهم الاجتماعى، والمسألة أيضا فى احترام القانون والدستور من كل مؤسسات المجتمع.
لكن تنفيذ هذه الإجراءات التصحيحية قبل الانتخابات فتح أبواب التأويلات؟
الحق أولى أن يتبع بصرف النظر عن التوقيت، وأنا إذا قبلت هذا الطرح بخصوص توقيت الانتخابات، فمعناه أننا يمكن أن نتجاوز عن القانون من أجل الانتخابات، وهذا ليس منطقا صائبا، لكن تنفيذ القانون وتصحيح الوضع ومواجهة تجاوزات بعض الإعلاميين، هو حق يجب أن نبادر إليه، بصرف النظر عن التوقيت، وأنا تكلمت شخصيا عن هذه القضية كثيرا، بل طالبت بهذا التصحيح قبل أشهر طويلة، ودون أن تكون هناك مناسبة انتخابات برلمانية فى مصر، ولست وحدى من تحدث فى ذلك، لكن الكثير من المفكرين والخبراء الذين يراقبون الإعلام المصرى وجديته وحياديته، كل هذا بصرف النظر عن الانتخابات وتوقيتها.
وأعتقد أنه ليس من حق أى إعلامى أن يكون وكيل النائب العام الذى يوجّه الاتهام، ثم يكون هو المحقق، ثم يكون هو القاضى، ثم يكون هو منفذ الحكم فى وقت واحد، فهذا ليس عدلا وليس إعلاما، وهذا يحدث فى مصر كثيرا، وتظهر انحيازات لوجهات نظر معينة، وهذه التصرفات والتجاوزات لا تخدم التطور الديمقراطى.
خذ مثلا القرار الذى اتخذه المجلس الأعلى للقضاء، فعندما تتأمل القرار، تدرك أنه نابع من حكمة حقيقية، ويصحح مسارا مهما فى العمل الصحفى والإعلامى وعلاقته بالقضاء، فهل هناك فى أمريكا أو كندا أو أستراليا تصوير علنى على الهواء مباشرة لجلسات المحاكم؟، الإجابة لا، والصحف فى أمريكا تضطر إلى الاستعانة برسّامين محترفين لرسم تصوراتهم عن وقائع المحاكمة، لأنه لا يسمح بهذا التصوير العلنى، وهذا الأمر كان جزءا من التسيب العام للمجتمع فى مصر، فالمحامون عندما يعرفون أن هناك كاميرات، فإنهم يتوقفون عن مخاطبة القاضى، ويتوجهون مباشرة لمخاطبة الرأى العام أمام كاميرات التليفزيون والصحافة، ومن هنا نحن نضع الرأى العام فى مزاج نفسى غير حقيقى، يمكن أن يؤدى إلى تأثير على القضاة، وأنا أربأ بقضاة مصر عن ذلك، وأثق فى عدالتهم، ولكن فى النهاية هم بشر، وفى أمريكا يعزلون المحلّفين عن الرأى العام حتى لا يتأثروا بالأهواء وبمزاج الرأى العام، ومن هنا فالحكمة هى الضبط لمصلحة العدالة، وليس تكميم الأفواه، كما يزعم البعض.
وأنا شخصيا لا أعرف لماذا نصف الأمور دائما بسوء النية، ولدينا حالة جاهزة لقبول السوء عن الآخرين، وهذا فى الحقيقة لا يحدث مع الحزب الوطنى فقط، بل المناخ يشمل الجميع، وسأعطيك مثلا على هذا الخلط بما وقع مع الدكتور سعد الدين إبراهيم، عندما وقّع على ورقة جمال مبارك، ففى اليوم التالى ظهر من يهاجمه فى الإعلام بلا تردد، ويعتبره خائنا للقضية، ويوجه له ألفاظا وتوصيفات خارجة. انظر إلى هذا المناخ! فنحن فى لحظة واحدة نجد أنفسنا فى حالة تهيؤ لقبول السوء عن الآخرين، والأمر نفسه جرى مع جورج إسحق عندما امتنع عن حضور أحد الاجتماعات فى أمريكا، فهاجموه بقسوة رغم أنه شخصية تنتمى إلى المعارضة، هنا يظهر لنا أنه لا توجد لدينا حالة من التسامح، وهذه من الحالة التسلطية فى نفوسنا، والإعلام يلعب دورا فى ذلك.
أسوق هذه الأمثلة لأؤكد أن الأمر لا علاقة له بالانتخابات، وتصحيح أداء الإعلام مطلب شامل، أما فيما يتعلق بالانتخابات، فنحن ليس لدينا ما نخفيه، ونفتح الباب للجميع بمن فيهم المراسلون الأجانب، أو حتى الباحثون الأجانب، وأذكر مثلا منذ عامين، طلبت السفارة الفرنسية حضور باحثين سياسيين للاطلاع على العملية السياسية وسمحنا بذلك، وكثير من المستشارين السياسيين فى السفارات يحضرون ويتابعون الانتخابات، وما نعترض عليه فقط هو فكرة وجود مراقبين أجانب، وإذا كان الهدف أن الانتخابات تصبح متاحة لمتابعة الجميع، فستكون هكذا بالفعل، وهذا بفضل ضمانات الانتخابات، إلى جانب دور الإعلام، ودور منظمات المجتمع المدنى التى لها الحق فى متابعة الانتخابات بمقتضى القانون، وهو بالمناسبة القانون الذى اقترحته الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى الديمقراطى، ومن ثم فليس لدينا ما نفزع منه لكى نخفيه عن أحد، فكل شىء يتم علنا وتحت سمع وبصر الجميع.
لكن حالة الحذر صارت قائمة فى الساحة الإعلامية، فهناك من يرى أن سقف الحرية فى النقد للحكومة أو الحزب قد تراجع، أو أن البعض يريد له أن يتراجع؟
المنافسة السياسية التزام أخلاقى، والمنافسة السياسية مشروعة، وحق النقد مشروع أيضا، وقلت لك إن هذه الحرية هى من الانتصارات الكبرى التى تحققت فى عهد الرئيس مبارك، ومن ثمّ لا يجوز تصور وجود تراجع عن ذلك، ومن حق أنصار كل حزب سياسى أن ينتقدوا أفكار الأحزاب الأخرى، أما فكرة الشتيمة والهجاء، فهى أسلوب غير ديمقراطى، والشتامون يحولون الخلاف السياسى إلى خلاف شخصى، وهذا يضاعف الإحساس بالضغينة فى المجتمع، وبين الأحزاب بعضها البعض، وأتمنى أن يأتى الوقت الذى لا يكون فيه شتامون فى الصحافة والإعلام المصرى.
أنت تعرف أنه رغم كل ما تقوله الآن، فإن كثيرا من النواب الحزبيين والمستقلين يشككون فى نوايا الحزب والحكومة فيما يتعلق بنزاهة الانتخابات المقبلة؟
ما يتعلق بالإدارة النزيهة للانتخابات، أنت تعرف أن هذه أول انتخابات لمجلس الشعب، تتم فى وجود اللجنة العليا للانتخابات التى تأسست عام 2007، بناء على تعديل لقانون مباشرة الحقوق السياسية، وهى لجنة ذات اختصاصات واسعة، والغريب أن بعض الناس لا يعرفون بوجود هذه اللجنة، ولا ما هى سلطاتها حتى من بعض السياسيين الذين لا نتصور فيهم عدم المعرفة بهذه اللجنة، وأنت تعلم أنه عندما تسلم الأمين العام للحزب الوطنى السيد صفوت الشريف مطالب المعارضة، قال بالحرف الواحد للدكتور رفعت السعيد، إنه إذا كان قد جاء إليه باعتباره الحكومة فقد أخطأ الطريق، أما إذا كان قادما باعتبار الحزب الوطنى حزبا مشاركا فى الانتخابات، ويتطلع أيضا لانتخابات نزيهة فأهلا بهذه المشاركة، لأنه من مصلحة الحزب الوطنى أن تتحقق النزاهة، ومن مصلحته ألا تكون هناك بلطجة أو إساءة استغلال للمال، أو لطرق الدعاية، ومن مصلحتى مشاركة أكبر عدد فى التصويت، لأنه كلما تحركت هذه الكتلة الصامتة الكبيرة، سينتصر نهج الاعتدال والوسطية الذى يعبر عنه الحزب الوطنى الديمقراطى، أما إذا خرج عدد قليل للمشاركة، فإن ذلك يمثل ميزة للأكثر تشددا الذين يحشدون أنصارا محددين من ذوى المعتقدات السياسية، ومن ثم فإن مصلحتى تطبيق كل قواعد النزاهة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وكان جوهر ما آمن به الحزب، أن نتوقف عن إطلاق العبارات المرسلة، ونحوّل المسألة إلى برنامج عمل لتحقيق هذه النزاهة، ولذلك دعَونا اللجنة العليا للانتخابات، أن تضع قواعد مشاركة مؤسسات المجتمع المدنى، وأن تضع التوقيتات المناسبة للمشاركة، وقلنا إنه من حق اللجنة العليا أن تقول ما هى مؤهلات كل منظمة من المنظمات المدنية، لكى تتمكن من المشاركة، فهل من حق من يثبت أنه عضو نشط فى حزب سياسى أن يتابع الانتخابات باعتباره عضوا فى منظمة مستقلة؟ الإجابة لا، فهناك مبادئ أخلاقية وقانونية لنظم متابعة الانتخابات، وبدلا من أن نتكلم بشكل عام، نحول الأمر إلى خطة عملية، مثلا فى قضية منع استخدام شعارات دينية، طالبنا اللجنة بتعريف هذه الشعارات واستخداماتها حتى يمكن ترجمة القواعد العامة إلى رؤية تطبيقية واضحة.
ونحن نرى أن أهم ضمانات النزاهة هو المشاركة الفعلية من الناس، ولذلك دعَونا اللجنة العليا إلى توسيع عدد مراكز الانتخاب لكى يتمكن الجميع من المشاركة، وتقليل عدد المسجلين فى كل لجنة، حتى يستطيع الجميع الوجود فى لجان الاقتراع فى الفترة منذ التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء، بما يوفر فرصة تصويت للجميع، ولذلك كان مدخلنا فى موضوع النزاهة عمليا لا شعاراتيا، وقمنا بتعريف الناس أنه ليس من حق الشرطة دخول حرم اللجنة الانتخابية إلا بناء على دعوة من رئيس اللجنة، وطلبنا من اللجنة العليا أن تحدد معايير اختيار رؤساء اللجان، ولذلك خرجنا من الشعارات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع إلى خطط عملية، وردود الفعل من اللجنة العليا للانتخابات كانت إيجابية جدا نحو تحقيق هذه المطالب التى تحقق مناخا عاما يضمن تنافسية وحَيدة وشفافية، وليس من مصلحة الحزب الوطنى احتكار التمثيل البرلمانى، لأن جوهر الديمقراطية هو المنافسة السياسية، وإذا كان حزب الأغلبية هو جزء من الشرعية، فأحزاب المعارضة هى جزء أيضا من هذه الشرعية، وأنا من المؤمنين بأن وجود أحزاب معارضة قوية يقوّى الحزب الوطنى، لأن أى حزب من الأحزاب إذا ظل فى الساحة بمفرده ستضعف قرون استشعاره، ويضعف، فالمنافسة فيها تدافع وقوة.
ألاحظ تشديدك على فكرة الحراك السلبى، وقد أشرت هنا إلى دعوات المقاطعة وما قلته أيضا عن (تصحيح مسيرة الإعلام) هل هذه فقط ظواهر الحراك السلبى من وجهة نظرك، أم أن هناك مظاهر أخرى فى تقديرك ؟
أنا أعتقد بكل يقين أيضا، أن التغيير السياسى لا يأتى من خلال النضال على شاشة الكمبيوتر، فهناك من يتصور أن مجموعة من المجموعات السياسية بها سبعون ألف شخص، يمكن أن تقود إلى تغيير سياسى، فهذا تصور خاطئ، لأن أصحاب هذه الحملات التوقيعية الإلكترونية، تصوروا أن قوتهم نابعة من العدد على الإنترنت، فى حين أن هذا يختلط فيه الجد بالعبث، لأن هؤلاء لو دعوا إلى مؤتمر حقيقى، فلن يحضر مائة شخص من هؤلاء السبعين ألفا المفترضين على الإنترنت، والتغيير السياسى لا يمكن أن يأتى من خلال النضال على شاشة الكمبيوتر أو مجموعات الفيس بوك والمدونات، وأحد الدروس التى حدثت هذا العام، هو تلك الحملات التى يختلط بها الجد بالهزل، وفى النهاية أقول بكل يقين، إن العمل السياسى تقوم به أحزاب سياسية فى المقام الأول، وحتى لو الأحزاب ضعيفة، فإننا يجب أن نعمل على تقويتها، ولا يوجد بديل لذلك، ونحن فى مصر تسود لدينا أفكار مجهولة المصدر، منها مثلا فكرة أن «المجتمع المدنى هو الذى يحقق الديمقراطية»، ولا أعرف من يقول بذلك فى كل العالم؟ أو ما هو الحزب السياسى فى أى بلد فى العالم الذى يقول بهذه الفكرة؟ أو من هو المفكر السياسى الكبير الذى قال ذلك؟ فالمجتمع المدنى له دور داعم أو منشط للديمقراطية، لكن لا يمكن أبدا أن يأتى التغيير من خارج الأحزاب الشرعية، ومن خلال التنافس الحقيقى، دور المجتمع المدنى محترم مثل حماية حقوق الإنسان أو نشر الوعى المدنى، لكن فكرة أن التغيير السياسى والقانونى أو تغيير نظام الحكم، تقوم به مجموعات إلكترونية أو مدنية، فهذا فيه افتئات على الدستور والقانون، وعلى فكرة الأحزاب السياسية من الأساس.
بالنسبة للمجمعات الانتخابية للحزب، هناك معلومات متناثرة عما يدور فى الداخل من منافسات، فما هو موقعكم الآن من هذه الانتخابات الداخلية، ومتى سيتم إعلان النتائج بشكل نهائى؟
بالنسبة للمجمعات الانتخابية، أقول إن كل ما نشر فى الصحف القومية والحزبية والمستقلة من معلومات من عينة «أن فلانا متقدم فى المجمع الانتخابى» أو أن النتائج تُظهر تفوّق شخص على آخر، هو نصب واحتيال يعاقب عليهما القانون، وأنا شخصيا تحدثت إلى أحد رؤساء تحرير الصحف، وقلت له أنا شخصيا ليس لدى هذه المعلومات التى نشرتها الصحيفة عمن حصد أصواتا، أو من تقدم ومن تأخر، فمن أين تأتون بهذه المعلومات؟ فلا شىء هنا مما ينشر، يعبر عن حقيقة ما يجرى فى الداخل، وكل ذلك أعمال هدفها التأثير على الناخبين فى مرحلة الانتخابات، والانتخابات الداخلية التى ستنتهى يوم 24 أكتوبر ستكون مرحلة حاسمة، ثم ستعقد بعدها مجمعات المرأة لانتخابات كوتة المرأة، ثم تنعقد هيئة المكتب لتنظر فى كل هذه النتائج من استقصاءات للرأى العام، أو تقارير حول سمعة المرشحين قانونيا ونتائج المجمعات الانتخابية، وما حدث هذا العام فى المجمعات ثمرة عمل تنظيمى وفكرى شارك فيه الجميع على مدار أربع سنوات، وسوف تظهر تجلياته فيما بعد لسنوات طويلة، ونحن استفدنا خلال السنوات الأربع الأخيرة فى إعادة ترتيب البيت من الداخل، وأتمنى إن كان ذلك قد مثّل مظهر قوة للحزب الوطنى، فإن كل الأحزاب يمكن أن تقوم بذلك، والأحزاب ليست فقط صحافة وإعلاما وكلاما، ولكنها كيانات تنظيمية تلتحم بالناس وتجتذب أعضاء جددا.
بالنسبة لمجموعة الـ88 كيف تتصور وضعها فى الانتخابات المقبلة، ولأى مدى يتحسب الحزب الوطنى لما يمكن أن تسفر عنه نتائج الاقتراع؟
مجموعة الـ88 محل محاسبة الآن من الناس جميعا فى كل الدوائر، فماذا قدموا لدوائرهم، وما موقفهم من التشريعات التى تخدم المواطنين، وأعتقد أن الناس أدركوا الآن أن هذه المجموعة خسرت كثيرا، لأنه فى 2005 قدموا أنفسهم للمواطنين على أنهم الملاك المخلص، وأهل ورع وتقوى وصدق وأمانة، أما صورتهم الآن فظهرت على حقيقتها، ومنهم من رفع الحذاء، ووقف على الكرسى، وانخرطوا فى حسابات المصالح، الآن ظهروا على أنهم أهل سياسة، وبالتالى فالناس ستحاسبهم الآن على أنهم أهل سياسة، وليسوا كمخلصين ملائكة قادمين من السماء، كما يصورون أنفسهم.
والجزء الثانى البرنامج السياسى الحقيقى، وأعتقد أن المواطنين أدركوا أنهم لا يأكلون شعارات على الإطلاق، ولكن يريدون إنجازا على الأرض، ولا يجوز حين تواجهنا مثلا أزمة أسعار للخضروات، أن يكون الرد أننا سنبنى اقتصادا عادلا، أو ماذا تفعلون فى أزمة اللحوم، فنرد بأننا سنعود إلى عصر الخلافة، هذه الشعارات صارت مكشوفة للناس.
كخبير سياسى قبل أن تكون أمينا للإعلام بالحزب، كيف تقيّم بعض التصورات التى ترسم صورة البرلمان المقبل، وتوزع الحصص على الأحزاب أو على كتلة الـ 88، هل تتفق مع هذه السيناريوهات المفترضة للنتائج؟
بعض الناس تطوع وقال إن المستقلين الذين يرفعون شعارات معينة سيحصلون على عدد (كذا) من المقاعد، وأعتقد أن هذا اجتهاد غير موفق، لأن الناخب هو الذى يختار، وهذه التخمينات تضر بسمعة الانتخابات من الأساس، ومن ثم نحن قلنا إن موضوع شائعات الصفقات غير حقيقى، لأنها بالأساس ضد إرادة الناخبين، والحزب الوطنى لا يملك عقد صفقات بهذا النوع، لأن اختيار الناس هو الحاسم والحاكم فى النهاية.
الدكتور على الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطنى فى أجرأ حوار مع رئيس التحرير حول «حملة الضربات وتكميم الأفواه فى الصحافة» و«ألغام» الإعلام المصرى فى الانتخابات البرلمانية المقبلة
الجمعة، 22 أكتوبر 2010 01:16 ص
الدكتور على الدين هلال أمين الإعلام فى الحزب الوطنى