بعد حوالى عقدين من اعتقال أحمد توفيق عبد الفتاح المشهور باسم "الريان"، يروى أحمد الريان قصته منذ أن كان طفلا يصنع هو وصديقه من خشب الأشجار ميداليات ويبيعها للمحال التجارية والمكاتب، إلى أن تم الإفراج عنه فى أوائل أغسطس الماضى.
وقال الريان إنه فى المرحلة الابتدائية بدأ مع زميله الذى كان يتمتع بموهبة الرسم وإتقانه للخط العربى فى صنع ميداليات من خشب أشجار معينة فى أحد المحافظات، وبيعها للمحال، وفى عام 1967 كان يدهن الريان فوانيس السيارات باللون الأزرق مقابل عشرة قروش التى كان لها قدر كبير فى هذا الوقت. وفى المرحلة الإعدادية تاجر الريان فى المذكرات الدراسية وطباعتها، ثم تاجر فى المواد الغذائية، حيث كان يورد البيض لمحلات السوبر ماركت.
وأضاف الريان أن شقيقه فى هذا الوقت كان يعمل فى المقاولات، وكان يبنى فيلا لثرى كويتى، وذات مرة أراد الرجل الكويتى أن يغير مائة دينار فلم يستطع، فنجح الريان فى بيعها لأحد المحال التى كان يتعامل معها وبسعر أعلى من البنوك، فوجد أن تجارة العملة، التى كانت مجرمة آنذاك، تدر ربحا كبيرا، فاشتغل بها وبلغ مكسبه فى اليوم الواحد 50 ألف جنيه.
وظل الريان يتاجر فى العملة فى صالات البنوك، حيث الرقابة الأقل على تلك التجارة المجرمة وقتها، مؤكدا أنه لم يكن مقتنعا بأن التجارة فى العملة جريمة، فيما يعتبر الخبراء الاقتصاديون أن الريان جمع ثروته بطرق غير شرعية.
وفى عام 1981، أسس الريان شركته لتوظيف الأموال، مؤكدا أنه فى ذلك الوقت لم يكن هناك قانون يجرم جمع الأموال وتوظيفها، إلا أن رئيس مجلس إدارة دار الهلال عبد القادر شهيب شدد، فى مداخلة هاتفية، على أن "شركة الريان وشركات توظيف الأموال نشأت بالمخالفة للقانون وسمحت لنفسها بممارسة عمل البنوك وجمع الأموال من المودعين"، الأمر الذى رد عليه الريان بالتأكيد بأن القانون الخاص بشركات توظيف الأموال لم يسن إلا فى منتصف عام 1988، وعندها بدأت أزمة شركات الريان.
وأشار شُهيب إلى أن تلك الشركات اعتمدت على علاقاتها بعدد من المسئولين فى الدولة لاستغلالهم فى التغرير بأعداد جديدة من المودعين، لافتا إلى أن بعضا من هؤلاء المسئولين تولوا مناصب قيادية فى تلك الشركات بعد الخروج من الحكومة، فى إشارة لما أطلقت عليه الصحافة حينها "كشوف البركة"، الأمر الذى رد عليه الريان بالنفى، مؤكدا أن النيابة العامة حققت فى هذه الإشاعات وقتها وحفظت التحقيق لعدم وجود أدلة، متسائلا "لماذا لم يتقدم الصحفيون الذين أثاروا هذه القضية بالأدلة والمستندات التى تثبت صحة ما كتبوه؟.. ولماذا أجامل مسئول وهو نفسه لا يضمن البقاء فى كرسيه لشهر؟".
وأوضح الريان أن رد أموال المودعين عندما طلبوها فى عام 1986 ولد نوعا من الثقة لدى المسئولين، فشجعهم ذلك على الظهور فى إعلانات الشركة وافتتاح عدد من المشاريع الخاصة بها.
وأرجع أسباب هجوم بعض الصحفيين عليه إلى عدم حرفيتهم واعتمادهم على السمع دون الاستناد إلى أدلة مادية وحقدهم مما جعلهم يصدرون حكم بالإعدام فى حقه قبل أن تنتهى تحقيقات النيابة.
فيما اتهم شُهيب الريان وأصحاب شركات التوظيف بمحاولة شراء الصحفيين لإخماد أصواتهم، مشيرا إلى أنهم "عرضوا على نقابة الصحفيين قرضا حسنا.. ودفعوا أموالا مقابل طباعة كتب لم تحدد"، الأمر الذى رد عليه الريان بالنفى، متهما دار الهلال التى يرأسها شُهيب بالإضرار بأموال المودعين، حيث كانت الدار نفسها، وفقا للريان، مدينة بما يزيد عن 30 مليون جنيه، تلكأت الدار فى سدادها للمودعين بعد اعتقال الريان وخصمت منها "دون وجه حق" 20% قيمة شرط جزائى لم يرد فى العقد.
وتساءل الريان مخاطبا شُهيب "إذا كنت مهتما بالمتضررين إلى هذه الدرجة.. فلماذا استحلت دار الهلال 20% من أموالهم بدون وجه حق؟"، موضحا أن المؤسسات الصحفية كانت شريكة فى الأزمة لأنها كانت مدينة بحوالى 200 مليون دولار، وأن شركته كانت لها استثمارات فى كل المجالات من بينها طباعة الكتب المدرسية التى تأتى من الخارج والكراسات والكشاكيل، ففضلت أن تتعامل مع مطابع تخضع للرقابة بدلا من أن يطبع فى مطابع خاصة قد تتحمل مسئولية طباعة كتاب ممنوع.
من جهة أخرى، اتهم شُهيب الريان وشركات التوظيف بأنها جمعت حولها رجال الدين الذين أفتوا بأن توظيف الأموال فى هذه الشركات هو توظيف دينى صحيح، وأن الإيداع فى البنوك "حرام"، إلا أن الريان أكد أن التوظيف الإسلامى لم يكن هدفا أو مبدأ بالنسبة له، موضحا أنه بعد تأسيس الشركة ذهب للصلاة فى أحد المساجد فوجد عددا من الشباب البارين، فكان يسألهم فى أمور الدين، ونصحوه ذات مرة بقراءة أحد الكتب الدينية، التى علم منها "وجوب إطلاق اللحية"، فأطلق لحيته فقط إلا أنه لم يضف غطاء إسلاميا على أعماله.
وعزا الريان السبب وراء انهيار إمبراطورية الريان إلى "غيرة" البنوك وتجار المناقصات، حيث أقدم أغلب المودعين على سحب أرصدتهم من البنوك وإيداعها فى شركات الريان، فضلا عن إقبال العاملين بالخارج على إيداع أموالهم بالشركة مقابل 23% فائدة، أما تجار المناقصات فـ"حقدوا" على الشركة لأن مزايدات ومناقصات السلع الإستراتيجية كالذرة والقمح ترسى على الشركة لأنها كانت تقدم دائما أسعار أقل، حيث كان للشركة فروع دولية تشترى هذه السلع من الدول الأوربية وأمريكا بأسعار أقل من السعر المحلى.
وأكد أن هناك مشروعات كثيرة تدر ربحا أكثر من الـ23%، لافتا إلى أنه فى الدول الأخرى تتجاوز أرباح البنوك والشركات هذه النسبة بمراحل، ففى تركيا فى عام 1998 وصل سعر الفائدة فى البنك المركزى إلى 77%، مشيرا إلى أن هناك برج طبى فى مصر يساهم فيه د.عادل إمام بالملايين يدر أرباحا بنسبة 30%، وأن البنك المركزى المصرى نفسه كان يعطى 19% فائدة فى 1990.
كما أكد الريان أنه لم يهرب أموال إلى الخارج، مشيرا إلى أنه قام بعمل توكيل رسمى للنائب العام والمسئولين للكشف عن أرصدته فى جميع الجهات المالية التى تعامل معها، إلا أنهم لم يجدوا مليما واحدا له خارج البلاد، لافتا إلى أن أحد المحامين الأمريكيين ويدعى بول ووكر عرض على الحكومة المصرية أن يدفع لها مبلغ يغطى ديون الريان بالكامل إلا أن الحكومة رفضت أن يحضر هذا المحامى بدعوى وجود خطر على سلامته، إلا أن ووكر جدد طلبه حتى أنه طلب من السلطات الأمريكية تأمين زيارة له لمصر ليسدد ديون الريان ويشهد لصالحه، إلا أن الحكومة المصرية وقتها أصرت على الرفض.
وفى نهاية حواره، أعرب الريان عن أسفه الشديد. وقال مخاطبا الإعلامية منى الشاذلى "مستعيب أقولك ياريت الواحد ما كان كبر وظل على حاله"، لافتا إلى أن صداقته بكل من هشام طلعت مصطفى ود.أحمد العزبى وياسين عجلان وسمير الصفتى هى المكسب الوحيد الذى خرج به من أزمته، مؤكدا أنه سيسعى مجددا للاستثمار لكن هذه المرة ليس فى توظيف الأموال، وإنما قد يجمع الدعم المالى لمركز طبى.
أحمد الريان لـ"العاشرة مساء": كنت أكسب 50 ألف جنيه يوميا فى السبعينات من تجارة العملة.. وغيرة البنوك وتجارة المناقصات خلقت أزمتى.. "دار الهلال" استحلت 20% من أموال المودعين بدون وجه حق
الأحد، 03 أكتوبر 2010 01:06 م
أحمد توفيق عبد الفتاح المشهور بـ"الريان"