إثر نشر مقالى «سأختارُ دينَ الحرامى!»، هنا فى «اليوم السابع»، الثلاثاء 21 سبتمبر 2010، بدأ المسؤولون بوزارة الداخلية فى التحرّك. قبل أن أقرأ أنا المقال فى النسخة الورقية للجريدة، صباح الثلاثاء، اتصل بى، يوم الاثنين ليلاً، العميد هانى عبد اللطيف، مدير المكتب الإعلامى بالوزارة، وسألنى عن تفاصيل الأمر: رقم هاتف الأستاذ سامى يونان، المتضرِّر الذى سُرِق، عنوان القسم الذى تمت فيه مهزلةُ تحويل محضر «سرقة» إلى محضر «صُلح وعدم تعرض» (بين المسروق، الذى حدث أن كان مسيحيًّا، والسارق، الذى حدث أن كان مسلمًا)، بعد التلويح بسوط أمن الدولة، كأنما الأمر نزاعٌ بين عقيدتين! رغم أن القضيةَ واضحةٌ وضوح الشمس: {لصٌّ+ مسروق، كلاهما مصرى له حقوقه الدستورية+ جيرانٌ شهودُ عيان+ زوجةٌ منهارة+ أطفالٌ خائفون}. واتفق الجميعُ، أنا أولهم، أن تلك التجاوزات التى تحدث فى أقسام الشرطة، تبطشُ بالمسلمين والمسيحيين على السواء! ذلك إنه خللٌ فى المنظومة الإدارية، والخللُ، لا دين له، ولا يميّز بين العقائد. ربما، وحسب، من أسف، قد يميّز بين الطبقات. فلن نرى ثريًّا أو سُلطويًّا يُهانُ فى أقسام الشرطة، ولو كان جانيًا! بمجرد أن يُبرز ما يدلّ على ثرائه أو سُلطته.
لكننا هنا أمام حالة استثنائية، لوّح فيها مسئولٌ (أمين الشرطة، أو مأمور القسم، أو كلاهما)، بكارت إرهاب «أمن الدولة»، فى قضية سرقة عادية، ففرّ اللصُّ على أثر ذلك!
المهم أننى زوّدت العميد بما لديّ من معلومات، ووعدنى بأن الأمر لن يمرَّ، لو ثبتت صحته.
يوم الخميس، اتصل بى مدير مكتب مدير مباحث الوزارة، بمصلحة الأمن العام، وطلب البيانات ذاتها. فاطمأن قلبى أن ثمة تحركًا حقيقيًّا يتم. سيكون له أثره الأكبر على مستويات عدة. أولا: سيعيد للمواطنين بعض الثقة فى الجهاز الأمنى، الذى فقدوا، أو كادوا يفقدون، الثقةَ فيه. بل تحوّل مع الوقت إلى نقطة تخويف وترويع، بدلا من أن يكون (مثلما يقول اسمه) حصن أمن للمواطن والوطن. ثانيا: سوف يُعاقب مَن أخطأ من جهاز الأمن: أمين الشرطة، ومأمور القسم، وأيًّا مَن كان، من أولئك الذين ضغطوا على المجنى عليه لكى يتنازل عن حقه، فيُطلق سراحُ لص قُبض عليه متلبّسًا بالسرقة، بعدما حصّنوه بكارت تهديد ووعيد اسمه: كارت «أمن الدولة«. ثالثًا، وهو الأهم عندى، أن يعود النومُ المطمئن لأطفال سامى يونان، الذين سألوه بكل عفوية وعمق وذكاء: «ليه الحرامى متحبسش يا بابا؟»، وبعد إخفاقه فى الإجابة عن السؤال الصعب، ندم عن تخليه عن حقه، فقرر تصعيد الأمر للرأى العام. أولئك الأطفال، من حقهم أن يشبّوا وهم يعرفون أن لهم حقوقًا لدى وطنهم، وأنهم حين يكبرون لن تظلمهم بلادهم، بتهمة اعتناقهم ما يريدون من عقائد.
والحق أننى لم أكتب مقالى المعتاد الأسبوع الماضى، وأجّلته لهذا الأسبوع، لأننى فضّلتُ انتظار النتائج التى سيسفر عنها تحرك أجهزة وزارة الداخلية المنوط بها التحقيق فى هذا الأمر. ذلك كى أنقل للقارئ ما من شأنه أن يبثّ الاطمئنان فى صدره. وانتظرتُ حتى هاتفنى اليوم السيد سامى يونان، ليخبرنى أن مصلحة الأمن العام قد استدعته بالفعل وطلبوا بعض البيانات لكى يفتحوا ما يُسمى «محضر مدنى»، يُساءل فيه كلٌّ من أمين الشرطة ومأمور قسم إمبابة. ليس فقط فيما فعلاه مع حالة سرقة واضحة، ولكن كذلك فى تأخرهما عن نجدة مواطن ملهوف، إذْ وصلت شرطة النجدة بعد خمس ساعات من الاستنجاد بها، وبعد عشرات المكالمات التليفونية والاستصراخات.
نشكر وزارة الداخلية على التحرّك. ولكن يتزامن مع الشكر رجاءٌ مستميت، يصل إلى حد الصرخة، بأن يتم ضبط الأمور فى أقسام الشرطة تحت معايير ثابتة، تضمن حقوق كل المواطنين: المعتدَى عليهم، وحتى المعتدين. تضمن حقوق المُبلّغين عن تجاوزات، كبُرت أم صغُرت، وتؤمّنهم لئلا يخافوا من الاعتقال، كأنهم مجرمون. كذلك مَن خالفوا القانون، تتم معاملتهم على النحو الإنسانى القانونى اللائق بآدميتهم. فاللص أو النصاب أو حتى القاتل، أساء استخدام حريته. وعلى الأجهزة القانونية التنفيذية أن تسلبه تلك التى أساء استخدامها (الحرية)، فتحبسه. لكن ليس من حقها أن تسبّ أمه أو تهينه أو تضربه أو تهدر إنسانيته. فسلب إنسان حريته ليس بالشىء الهيّن، لكى تضيف إليه أشياء ليست من صلب القانون. فما بالنا لو كانت تلك الممارسات تتم أيضا مع أبرياء، سواء بسبب قانون الطوارئ (الذى صار أبديًّا فى مصر!)، أو بسبب جهل بعض أفراد الأمن وأمراضهم النفسية التى تجعلهم يتشفّون فى المواطنين كأنهم صهاينة (رغم إن الصهاينة يدخلون الآن بلادنا بكل احترام ويعامَلون بكل رقى وود!).
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة